كلمة غيّرت مسار حياتي… شكرًا معلمي. //د. باسم محمد القضاة

في يوم المعلم، تتزاحم الذكريات في ذهني، لكن تبقى ذكرى واحدة تضيء أعماقي كل عام، ذكرى كلمة قاسية كانت السبب في أن أستيقظ من غفلتي، وأعيد ترتيب مساري، لأبدأ رحلة التحدي والنجاح.
كانت البداية في الصف الثالث الثانوي في مدرسة عين جنا الثانوية للبنين، حين كان مدير المدرسة هو المربي الفاضل الأستاذ محمد عقله القضاة (أبو ياسر)، الرجل الذي جمع بين القيادة والإرشاد والأبوة، وترك بصمة خالدة في أجيالٍ كثيرة. في تلك الأيام، كنت طالبًا مشاكسًا، قليل الانضباط، قليل الاهتمام بالدراسة، أمضي وقتي بين أسوار جامعة اليرموك القريبة أكثر مما أقضيه في المدرسة، رغم كل محاولات الأسرة والإدارة لتقويمي.
وذات صباح، كنت أتجول في ساحة المدرسة أثناء الاستراحة، حين رأيت المدير يقف متحدثًا مع ثلاثة من زملائي في الصف. اقتربت منهم دون أن يلتفت إليّ كثيرًا، وأخذ يحدّث كل طالب عن وضعه الدراسي بابتسامةٍ وتشجيع. وعندما سأله أحد الزملاء عن توقعه لمعدلاتنا في نهاية العام، أجابهم جميعًا بكلمات مشجعة وأرقام عالية.
وحين حان دوري، التفتُّ إليه مبتسمًا، لكنه قال لي عبارة صاعقة لم أنسها ما حييت:
“أنت الأمل بنجاحك مثل امل إبليس في الجنة.”
ضجّ المكان بضحك الزملاء، أما أنا فشعرت كأن صاعقة أصابتني. كانت تلك الكلمات كالسهم، لكنها أصابت في العمق. خرجت من المدرسة يومها ولم أعد ليومين، أمضيتُهما في صمتٍ وتأملٍ طويل. لم تكن الإهانة ما آلمني، بل إدراكي أنني خيّبت ظن الجميع، وأن الرجل الذي حاول نصحي كثيرًا فقد الأمل بي. عندها ولِد داخلي التحدي.
منذ ذلك اليوم، بدأت أدرس بجدٍّ وسرية، أقاوم الكسل واليأس، وأسهر على كتبي التي لم ألمسها من قبل. ومع نهاية العام، جاءت النتيجة لتعلن أنني نجحت بمعدلٍ يقترب من الثمانين. كانت فرحة المدير يومها تفوق فرحتي، وتهنئته لي لا تزال ترنّ في أذني حتى اليوم.
تلك الكلمة التي جرحتني، كانت في الحقيقة علاجًا أيقظ روحي. ومنذ عام 1989 وأنا أحمل في قلبي احترامًا عظيمًا لذلك المربي الكبير الأستاذ محمد عقله القضاة (أبو ياسر)، الذي كان المعلم والمدير والمرشد والأب، فله في قلبي دعاء لا ينقطع بالصحة والعافية، وأن يجعل الله كل ما قدمه من خير في ميزان حسناته.
شكرًا معلمي… فقد علمتني بكلمةٍ كيف أغيّر حياتي.