كمين خان يونس.. إغارة تكتيكية تكشف استمرارية المقاومة وفشل استراتيجية الاحتلال

في خطوة تعكس استمرارية قدراتها القتالية بعد نحو عامين على اندلاع الحرب؛ بثت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الأحد، مقطع فيديو يوثق إغارة نوعية نفذها مقاتلوها في 20 أغسطس الماضي على موقع عسكري إسرائيلي مستحدث جنوب شرق مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة.
وأظهرت العملية التي أُدرجت ضمن سلسلة “حجارة داود” مقاتلين يخرجون من فوهة نفق، يتقدمون نحو الموقع، ويشنون هجوماً مدعوماً بقذائف مضادة للدروع من طراز “ياسين 105” وعبوات ناسفة، وقذائف هاون، قبل انسحابهم وسط ألسنة اللهب والدخان.
ووفقاً للبيان الرسمي الذي نشرته “القسام” عبر قناتها في “تليغرام”؛ تمكنت القوة القسامية – التي قوامها فصيل مشاة – من بسط السيطرة الكاملة على الموقع لأكثر من نصف ساعة، مما أسفر عن إصابة قوات الاحتلال الإسرائيلي بين قتيل وجريح، بما في ذلك قنص قائد دبابة “ميركافا 4” إصابة قاتلة.
كما أكدت “القسام” تفجير استشهادي نفسه في صفوف قوة الإنقاذ الإسرائيلية، مما أدى إلى خسائر إضافية، مع رصد هبوط طائرات مروحية لإجلاء الجرحى.
دلائل عسكرية
عسكرياً؛ تُعد هذه العملية نموذجاً للقدرة على التنفيذ المتقن رغم الضغط الإسرائيلي المكثف في خان يونس، ويبرز عدة عناصر تكتيكية متقدمة:
– الاستطلاع والتخطيط: حيث أكد قائد ميداني قسامي ظهر في فيديو الكمين، أن المقاتلين رصدوا الموقع رغم “السيطرة الجوية التامة” للاحتلال، مع جمع معلومات دقيقة قبل 24 ساعة، من خلال دراسة سلوك قوات الاحتلال أثناء مناوراتها. وهذا يشير إلى شبكة استخباراتية داخلية قوية، تعتمد على مراقبة المناورات البرية، وتتجاوز الاعتماد على الطائرات المسيرة أو الجوية، ما يعكس تكيفاً مع الضغط الإسرائيلي.
– التنفيذ المركب: حيث استخدمت القوة مزيجاً من الأسلحة الخفيفة (رشاشات، قنابل يدوية)، والثقيلة (قذائف مضادة للدروع، عبوات “شواظ” و”عمل فدائي”)، مع قصف هاوني لقطع الإنقاذ وتأمين الانسحاب.
إضافة إلى ذلك؛ فإن الخروج من نفق على بعد 40-50 متراً من الموقع يظهر دقة هندسية في شبكة الأنفاق، التي ما زالت فعالة رغم مزاعم جيش الاحتلال تدمير أكثر من 1.5 كم منها في المنطقة. كما أن استخدام استشهادي واحد في الإنقاذ يعزز من تأثير الصدمة النفسية لدى جيش الاحتلال.
– الدلالات الاستراتيجية: تكشف العملية ثغرات في الدفاعات الإسرائيلية حول المواقع المستحدثة، حيث يعتمد الجيش على فصائل مشاة صغيرة للحراسة، مما يجعلها عرضة للاقتحامات المفاجئة.
ووفقاً لتقارير إسرائيلية؛ شارك 15-18 مسلحاً من “القسام”، وهو حجم نادر لخلية هجومية بعد أشهر من الاستهداف الدقيق، مما يشير إلى إعادة بناء للقوى القسامية في الجنوب، وقدرة على تحريك عدد كبير من المقاتلين في مهام عملياتية مختلفة على صعيد واحد، ما يعزز من قدرة المقاومة على إحداث “صدمات ميدانية”، مقابل استراتيجية إسرائيلية تعتمد على “الأرض المحروقة” دون إنجاز حاسم.
رسائل سياسية
سياسياً؛ يأتي نشر الفيديو اليوم، بعد أكثر من شهر على العملية، كرسالة مدروسة لتعزيز الروح المعنوية الفلسطينية، خاصة مع تصاعد ضغوط الاحتلال لإخلاء المناطق السكنية في خان يونس وغيرها، كما أكد القائد القسامي الذي ظهر في فيديو الكمين بالقول: “أعيننا بالمرصاد، وإرادة القتال لا تزال موجودة”. وهذا يعكس استراتيجية “حماس” في الحفاظ على صورة “المقاومة الصامدة”، رداً على اتهامات بـ”الاستسلام” أو التنازل في المفاوضات حول الهدنة والأسرى.
وتُعد العملية من أبرز العمليات العسكرية للمقاومة في هذه الحرب، لأسباب متعددة، أبرزها الفجوة الزمنية الضيقة بين انتهاء عملية “عربات جدعون” الإسرائيلية في بداية أغسطس، والتي هدفت إلى تمشيط المناطق الشرقية من خان يونس ورفح لفرض سيطرة دائمة، وقدرة المقاومة على تنفيذ إغارة كبيرة بهذا الحجم في نفس الشهر.
كما تكشف فشلاً كبيراً في التعويل الإسرائيلي على مخرجات “عربات جدعون”، التي كانت تهدف لبناء واقع سياسي جديد في المناطق “المطهرة” من خلال منع عودة السكان وتدمير البنية التحتية، لكنها لم تمنع إعادة تنظيم المقاومة.
وعملياً؛ وجهت المقاومة رسالة بالصوت والصورة لصناع القرار في العواصم الغربية وبعض العربية التي تحاول صياغة مستقبل القطاع والقضية بمعزل عن الفلسطينيين وتضحياتهم، مؤكدة أن أي خطط لـ”اليوم التالي” دون مشاركة الفلسطينيين ستفشل أمام القدرة على المواجهة الميدانية.