لا عاقل يقبل تسليم السلاح قبل انتهاء المفاوضات: قراءة في موقف المقاومة في غزة // د.باسم القضاة

في عُرف السياسة، كما في منطق التاريخ، لا أحد يفرّط بأوراق قوته قبل أن تُكتب البنود الأخيرة في دفتر التفاهمات. فكيف إذا كانت هذه القوة هي السلاح، والتهديد الذي يلوح به العدو حاضرٌ على الدوام؟ من هنا، يبدو جليًا أن المقاومة في غزة ليست فقط صاحبة حق، بل صاحبة عقل وحنكة، تدرك جيدًا أن التنازل عن السلاح في مرحلة تفاوضية لم تنضج بعد، هو بمثابة تسليم رقبتها في ميدان لم تُعلن نهايته بعد.
المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها فصائل غزة، لم تكن يومًا في موقع التهوّر أو الاندفاع. بل لطالما أظهرت مستوى عالٍ من الانضباط الاستراتيجي، والقدرة على قراءة المشهد الإقليمي والدولي بحذر بالغ. وقد تجلى ذلك في إدارتها للحروب، وتوقيتها للردود، وحتى في خطابها الإعلامي والسياسي. فهي ليست مجرد فصائل تقاتل، بل عقل جمعي يحسب لكل خطوة تبعاتها السياسية والإنسانية.
تاريخ النضال الفلسطيني يشهد أن كل تجارب نزع السلاح قبل الوصول إلى اتفاق شامل وعادل، انتهت بخسارات فادحة. من تجربة منظمة التحرير في لبنان، إلى محاولات احتواء الانتفاضة الثانية، كانت النتائج دومًا تؤكد أن التسرع في إلقاء السلاح يؤدي إلى خنق القضية لا تحريرها.
اليوم، وبينما تتعالى الأصوات الدولية والعربية المطالبة بوقف إطلاق النار، تضع المقاومة شرطًا جوهريًا: لا حديث عن تسليم السلاح قبل التوصل إلى اتفاق يضمن الحقوق، ويدفع الاحتلال إلى التزامات واضحة تجاه أهل غزة، والأسرى، وحق العودة، والسيادة الوطنية. وهذا ليس تعنتًا، بل منتهى العقلانية.
السلاح في يد المقاومة ليس هدفًا، بل وسيلة لفرض كلمة الشعب الفلسطيني على طاولة تفاوضٍ لطالما جلس عليها الطرف الإسرائيلي مدججًا بقوة عسكرية ودعم دولي. وفي هذا السياق، فإن الاحتفاظ بالسلاح حتى نهاية المفاوضات، هو بمثابة الحفاظ على التوازن الأخلاقي والسياسي في معادلة لا تعترف إلا بمنطق القوة.
باختصار، لا عاقل يسلّم سلاحه قبل أن تنتهي المعركة، لا سيما إذا كان السلاح هو ما يفرض وجوده ويحمي أهله. والمقاومة في غزة أثبتت أنها ليست فقط مقاومة صلبة، بل عقل سياسي عميق، يعرف متى يصبر، ومتى يصعّد، ومتى يفاوض، ومتى يُمسك الزناد.