لبنان الجديد : سيادته متمثلة في حصر السلاح بيد الدولة // كريستين حنا نصر

الشرق العربي كلما توقع سكانه التهدئة والسلام ، تنقلب الاوضاع فيه و تتفاقم الامور باتجاه عودة التوترات ، وبالاخص في الملف اللبناني ، ومسألة تحقيق هدف حصر السلاح في يد الجيش اللبناني ، واعادة السيادة للدولة اللبنانية ، وكذلك الامر فيما يتصل بالملف السوري المعقد أيضاً ، والذي حتى الان لم تتمكن السلطة الانتقالية الحالية في سوريا من بسط الأمن ، خصوصاً في ظل الانتهاكات الطائفية في مختلف مناطق الجغرافية السورية .
الوضع في لبنان معقد ، و يزداد تعقيداً خاصة بسبب رفض حزب الله حتى الان تسليم سلاحه الى الدولة اللبنانية ، والسعي من قبله في الاونة الاخيرة الى إعادة هيكلة قواه العسكرية من جديد ، بعد الحرب التي خاضها حزب الله مع اسرائيل ، و أدت لاستشهاد الكثير من عناصره ، بالاخص فيما يُسمى ( عملية البيجر ) ، كذلك استشهاد أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله والعديد من رفاقه من قادة الصف الأول في الحزب ، ومؤخراً و ضمن تطورات متسارعة في المشهد اللبناني على الحدود اللبنانية السورية في مدينة بعلبك ومحيطها ، حيث اندلعت اشتباكات واسعة بين الجيش اللبناني وكبار المطلوبين للدولة ، اذ تمّ اعتقال كبير المطلوبين وهو نوح زعيتر ، احد كبار مهربي الاسلحة وبكميات كبيرة من سوريا الى لبنان ، كذلك عرف عنه ارتباطه بحزب الله ، وتُعد عملية اعتقاله ضربة عسكرية للحزب كونه عنصر كبير ومهم في إمداد الحزب بالاسلحة من عدة دول في العالم عن طريق ايران وسوريا الى لبنان .
وفي ظل هذه الاوضاع فقد الغت مؤخراً القيادة الامريكية زيارة مفترضة لقائد الجيش اللبناني منوي القيام بها الى واشنطن ، وكان السبب الرئيس أن الجيش اللبناني لم يقوم بأي شيء بخصوص سحب سلاح حزب الله ، الذي استعاد عافيته و جرى تهريب الكثير من الاسلحة لصالحة الى الداخل اللبناني ، للتحضير للمواجهة مع اسرائيل على الاراضي اللبنانية من جديد ، إذ كان من المتوقع ان ينتشر الجيش اللبناني في كامل الجغرافية اللبنانية أواخر هذا الشهر ، وكان أيضاً من المفترض ان ينجح الجيش اللبناني في الوصول الى نهر الليطاني للحدود الاسرائيلية ، ويبدو ان الجيش لن يتمكن من تحقيق هذا الهدف أخر الشهر الحالي ، بمعنى لم يجري اي تقدم في تحقيق هذا الهدف والذي اصبح تحقيقه صعباً ، والبعض يُقر بأن الجيش اللبناني غير قادر على مجابهة حزب الله ، وبشكل خاص في هذه المرحلة ، وهنا يبدو أن اسرائيل قررت أخذ زمام الامور والتدخل في المشهد اللبناني لمواجهة حزب الله ، وهذا كان واضحاً أمس في استهداف غارة اسرائيلية وتحديداً في الضاحية الجنوبية ، لشقة سكنية والنجاح على اثرها في اغتيال واستشهاد رئيس اركان حزب الله هيثم الطبطبائي ، والذي تولى هذا المنصب بعد استشهاد فؤاد شكر ، والذي جرى سابقاً ايضاً اغتياله من قبل اسرائيل ، والطبطبائي يعد القائد الفعلي لحزب الله ، وله دور كبير في سوريا ولبنان ، و أيضاً له دور في مسألة التنسيق مع الحرس الثوري الايراني ، وهذه الغارة استهدفت وأصابت ايضاً حوالي ثمانية وعشرين شخصاً وقتل على اثرها خمسة أشخاص من رفاقه .
وفي هذا السياق المتأزم صرح جوزيف عون رئيس الجمهورية اللبنانية باتهامه اسرائيل بالتجاهل للدعوات المتكررة لوقف اعتداءتها ، واعتبر استهداف الضاحية الجنوبية في ذكرى عيد الاستقلال اللبناني ، يؤكد رفض تل ابيب تطبيق القرارات الدولية و وقف التصعيد الذي يهدد استقرار لبنان والمنطقة ، وهذا سيؤدي حتماً الى اعادة التوترات في المنطقة ، ولكن من الجانب الاسرائيلي فانها ترى في ذلك محاربة لإرهاب حزب الله ، خاصة ان الطبطبائي هو مطارد من قبلها منذ زمن بعيد ، و رصدت جائزة تقدر بحوالي مليون دولار أمريكي مقابل الوصول اليه ، اذ توجه له تهم سفك الكثير من الدماء ودوره في بناء قدرات حزب الله العسكرية من جديد ، خصوصاً بعد فقدان الحزب لعدد من القيادات في الحرب الاخيرة مع اسرائيل ، و هذه الضربة الاسرائيلية مفادها رسالة مضمونها ان على اللبنانيين ان يتخذوا قرار حاسم ، بخصوص حسم موضوع سلاح حزب الله ، الذي يسعى الى اعادة تأهيل ترسانته العسكرية من جديد ، خاصة أن امريكا تريد السعي الى بسط السلام في لبنان ، وأن تكون منزوعة من سلاح حزب الله ، وانهاء المناوشات العسكرية الحدودية بين لبنان واسرائيل ، والتخلص من هذا الحزب الذي تعتبره امريكا حزب ارهابي مدعوم من ايران .
و السؤال الابرز في هذا الصراع الدائر ، هو هل سوف تتفاقم الامور في المرحلة القادمة من هذا الصراع ؟ ، وهل ستدخل الاطراف المعنية في هذه الحرب ؟ ، وأيضاً ما هي خيارات الحزب في الرد في هذه المرحلة المتقدمة من الصراع الاسرائيلي مع حزب الله ، خاصة بعد النجاح الاسرائيلي في تقليص قدرات الحزب العسكرية في الحرب الماضية بالرغم من السعي مؤخراً من الحزب لاستعادة قواه العسكرية من جديد ؟ .
أعتقد أن الامور سوف تتفاقم بين الطرفين ، خصوصاً بعد فشل الجيش اللبناني في تحقيق حصر السلاح بيد الدولة ، متوازياً ذلك مع رفض الحزب تسليم سلاحه للدولة اللبنانية ، والسؤال هنا ، هو هل سيرد حزب الله على اغتيال الطبطبائي ، واذا رد فكيف سيكون مستوى وحجم الرد ؟ ، خاصة بعد سقوط نظام البعث الحاكم في سوريا والمتمثل بالرئيس بشار الاسد البائد ، حيث تم استلام سدة الحكم الانتقالي في سوريا من قبل الرئيس أحمد الشرع ، والسياسة الجديدة في دمشق قد فقد على اثرها حزب الله دعمه من سوريا الاسد ، وعلى العكس فقد جرى في سوريا الغاء وحل كل مؤسسات حزب البعث السوري فيها ، و مؤخراً حدثت أيضاً مناوشات على الحدود السورية اللبنانية ، وبالطبع تفاقمت الصراعات العرقية في الساحل السوري ، وفي المحصلة يبدو أن الحرب بين اسرائيل وحزب الله قد تتجدد ، فهناك احتمالية توقيع معاهدة سلام بين اسرائيل ولبنان ، ولا يمكن تحقيق هذا الاتفاق بدون فرض سيادة الدولة اللبنانية على كامل اراضيها ، وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني ، وان لا يكون في الجنوب اللبناني أي مصدر قلق عسكري تشن منه ضربات على اسرائيل ، وهذا يُنذر باستمرار الصراع وتفاقمه بين حزب الله واسرائيل في الايام القادمة ، خاصة مع استشعار اسرائيل بأن حزب الله قد أعاد بناء قدراته ، وفي وقت أيضاً لا يستطيع فيه الجيش اللبناني حسم موضوع سلاح حزب الله ، وفرض سيادته على كامل الاراضي الجغرافية اللبنانية .
ان هذه التطورات المتلاحقة في الساحة اللبنانية تجري في الوقت الراهن الذي يريد فيه الرئيس الامريكي ترامب فرض السلام في لبنان ، كما انه وعد اللبنانيين سابقاً أثناء حملته الانتخابية وترشحه لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية ، وهذا أيضاً ينذر بتفاقم الوضع عسكرياً في جنوب لبنان ، لحسم نهائي لموضوع سلاح حزب الله ، والانتقال الى مرحلة جديدة تشهد اعادة بناء الجيش اللبناني لقدراته العسكرية ، لفرض الامن وبسط سيادة الجيش والدولة اللبنانية ، لكي تدخل لبنان في المرحلة الجديدة بفرض سيادتها السياسية الداخلية والخارجية للبنان الجديد .

