لعلكم تتفكرون بل يوم المَرحمة/ إبراهيم العسعس

قال أهل السيرة : « كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ بِيَدِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَلَمَّا مَرَّ بِهَا عَلَى أَبِي سُفَيْانَ، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ سَعْدٌ، إِذْ نَظَرَ إِلَيْهِ : الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْحُرْمَةُ، الْيَوْمَ أَذَلَّ اللَّهُ قُرَيْشًا.. « فلما سمع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما قال، قال : بل اليوم يوم المَرحمة… فعزلَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم سعداً رضي الله عنه !!

1 _ حاملُ الراية كان في الجيوش الناطقَ الرسمي باسمها، والمُعبِّر عن المشروع، ولم يكن مُجرد حمَّالةٍ للراية ! لذلك عَزلَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم.

2 _ وسعدٌ هو سعدٌ رضي الله عنه؛ تاريخ جهاديٌّ ( أو نضالي إن أحببتم )، وصاحبُ اليدِ البيضاء على الدعوة وصاحبها، وهو من بعدُ سيدُ قومِه، والعربُ هم العربُ في الحميَّة لِسيِّدهم يَغضبون لغضبه، ويَأنَفونَ مِن مَسِّهِ ! وكلُّ هذا لم يَشفع لسعدٍ رضي الله عنه، وكلُّ هذا لم يأخذْهُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم بعينِ الاعتبار، وهو صلى الله عليه وسلم سَيِّدُ مَن أخذَ بالاعتبارات ونظرَ في المآلات، وقَــدَّر العواقب ! ولكنه هنا لم يبالِ بكل هذه الاعتبارات ! لأن الكلمة لا تُعبِّر عن سعدٍ رضي الله عنه بل تُعبِّرُ عن مشروعٍ ضخمٍ يريدُ صاحبُهُ أن يبقى أبيض بياضَ الثلج.

3 _ وهل قال سعد رضي الله عنه ما قال لِهوىً في نفسِهِ ؟! بالطبع كلا ! بل قال ما قال : غضباً لرسوله وحبيبه عليه الصلاة والسلام من أولئك الذين كَذَّبوه وآذَوْه وأخرجُوه… ولكنَّ القائد لا يسمحُ لأحدٍ مهما بلغَ أن يأخذ المشروعَ بعيداً عن غاياته وأخلاقياته الأساسية. هنا لا اجتهاد حتى لو تعلَّق الأمرُ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ! هنا لا يجوزُ لأيِّ غايةٍ مهما بلغت أن تَنحرفَ بالمشروع عن طبيعته، إذ لا يصحُّ في عقل العقلاء أن تغضب ضدَّ الظلم لتقومَ بالظلم !

4 _ وهنا لا يجوزُ أن يَضيقَ أحدُهم _ مهما بلغ _ بالظروف، ويغضب من الحال فيقول ما لا ينبغي له أن يقوله، ليقعد المشروع بكلِّ إمكانياته ليُبرِّر لحظةَ غضبٍ، أو دقيقةَ ضِيقِ صَدَرت من ذي تاريخ، وذي فضلٍ ! ثم ليغدُو كلُّ مَن يُراجع القائلَ مُتَّهمٌ لأنَّهُ يَردُّ على ( مُجاهد ذي سابقةٍ وتضحيةٍ ) قولَه أو يطلبَ مُناقشتَه !

5 _ وكأنِّي بذي وجهٍ عندَ النبيِّ صلى الله وسلم يَشفعُ لسعدٍ رضي الله عنه؛ يا رسولَ الله : إنهُ سعدٌ أحدُ أعمدةِ خَيمةِ الإسلام، يا رسول الله : إنَّه سعدٌ وهي كلمةٌ قالَها والسلام ولقد قلتَ ما قلتَ في تَخطيئِه ولقد عَرفَ خطأهُ وانتهى الأمر ! وكأنِّي به فِداهُ أبي وأمِّي صلى الله عليه وسلم يقول : بل يُعزلُ ليعرفَ المؤمنُ والكافر، والقريبُ والبعيد أنَّ لنا خُطةً لا نَحيدُ عنها، وأنَّ المنهجَ أحبُّ إلينا مِن كلِّ مَن نُحبُّ، وأنَّا لا نسمحُ لأحدٍ أن يُمثِّلَ المنهجَ بما ليس منه…

ثمَّ أمَّا بعدُ : إذا وصلنا إلى هذا المُستوى فإنَّ لنا أمَلاً.. والسلامُ على من يَدرسُ السيرةَ ويلتزمُها ولا يكتفي بالصراخ بها…

الدستور

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة