لوحات التشكيلية أبو ليلى توثق تفاصيل جمالية ببيوت إربد القديمة

نقلت “30” لوحة فنية للتشكيلية هالة أبو ليلى، مشاهد للبيوت القديمة في محافظة إربد، جميع هذه اللوحات توثيق لجمالية نقوش وزخارف هذه البيوت، والتي كان لوالدها دور بارز في بنائها وإطلالتها اللافتة، بحكم عمله في نحت الحجر بالمحافظة.
جاء التوثيق في المعرض الفني تحت عنوان “مساكن الروح”، الذي أقيم في جاليري بيت نجم الدين، أول من أمس، هذا المبنى القديم الذي أنسجم بجمال تصاميمه، مع الأعمال التي تحتفي بمبان مثله، إذ أقيم المعرض ضمن احتفالية إربد العاصمة العربية للثقافة 2022.
وتم افتتاح المعرض برعاية رئيس اتحاد المرأة الأردنية آمنة الزعبي، ويتضمن مجموعة من اللوحات التي توثق المكان والزمان.
حظي المعرض بحضور العديد من رواد الفن التشكيلي، من فنانين وجمهور للفنانة هالة أبو ليلى، التي جذبتها الألوان عندما كانت طفلة في المدرسة، وقالت في حديثها لـ “الغد”: “عندما كنت طفلة في المدرسة وحضر فنان وقام بتنفيذ عمل فني بالألوان، منذ ذلك الوقت أصبحت الألوان طريقة وسِيلة بين يدي لتشكيل الشخوص، وفي تلك الفترة شاركت في الأنشطة الفنية والمسابقات المدرسية، مشيرة إلى البيئة التي نشأت فيها، وتصفها بأنها بيئة فنية، اذ عملت الوالدة على رسم أجمل النقوش وبالتطريز، وأنامل شقيقتها كانت ترسم لوحات جميلة، فجميع أفراد العائلة لديهم “ميول فنية”، وفق قولها.
وأشارت أبو ليلى إلى التحديات التي واجهتها كفنانة تشكيلية، مبينة إنه في الأغلب، لا يكون هناك اهتمام بالفنانين المحليين وأعمالهم ونشرها بطريقة مناسبة، داعية إلى الاهتمام بالتشكيلي الأردني، وأن يكون هناك دعم له من أجل أن يقدم أفضل ما لديه من أعمال، ويشعر أيضا بجدوى العمل الذي يقوم به.
وتحدثت أبو ليلى عن والدها الذي كان أحد نحاتي الحجر في إربد القديمة، وقد وثقت ذلك في إحدى لوحاتها في المعرض، وقالت عن اللوحة، “عندما توفي والدي كنت بعمر تسع سنوات، وعندما قررت إقامة المعرض شعرت برغبتي في تخليد ذكراه، إذ خشيت أن تزول ذكراه هو وعمي كذلك، فجاءت فكرة أن أرسم بعض الرسوم التي تخلد ذكراه وعمي كنحاتين في مدينة إربد، فأحببت أن أتحدث عنهما من خلال أعمالي من منطلق الوفاء لهما.
تعمل أبو ليلى من خلال لوحاتها على التوثيق للمكان والإنسان؟ قائلة، “في داخلي ذكريات لمرحلة الطفولة وصور لأماكن وأشخاص، وأفكار أحببت أن أترجمها لأعمال فنية، إلى جانب الولع بالمناطق القديمة في إربد، ففي كثير من الأحيان كنت أحب السير في هذه الأماكن، أشعر بأنها تنبض بالحياة، رغم أن بعض هذه الأماكن مهجورة ولم يعد أحد يسكن بها. كما يزعجني إزالة هذه البيوت، ومن ضمنها بيتنا فوق تل إربد، إذ بقيت صور هذا البيت في ذاكرتي، وكانت أمي دائما تحدثنا عنه، وعن الجيران في تلك المنطقة، حيث كانت هناك بعض البيوت وكانت إربد مجرد مناطق شعبية والبيوت قليلة”.
وحول الأسباب التي جعلتها تتوجه للوحة المجسمة؟ بينت أبو ليلى، أنها عندما بدأت بعمل تجسيم في بعض الأعمال، لاحظت اهتمام المتلقي وتأمله، ورغبته في لمس الأعمال واكتشاف طبيعتها، كما لاحظت أن الأعمال الفنية بهذا الأسلوب تبقى عالقة في الذاكرة. الى جانب أنها أرادت ابتكار أسلوب خاص بها يجمع بين الألوان والتشكيل في النحت.
مديرة جاليري بيت نجم الدين الفنانة التشكيلية نعمت الناصر حدثتنا عن هذا المعرض وعن البيوت القديمة التي كانت موجوده في إربد قائلة: أعمال الفنانة هالة أبو ليلى في “مساكن الروح”، يعتبر توثيقا لبيوت إربد القديمة، ولكن ليست بالمعنى الحقيقي للوثيقة الفوتوغرافية، وإنما هي وثيقة دافعها الحنين لذلك البيت الذي هدم ليمر مكانه شارع يكتظ بالسيارات، ومن المعروف أن مدينة إربد القديمة “بيوت وأسواق”، بنيت فوق التل، بينما بقيت السهول ذلك الامتداد البني لزراعة القمح والحبوب بالشتاء والربيع والمقثاة وخضار أخرى تباع بالصيف والخريف.
وأشارت الناصر إلى أن اللوحات تتحدث عن بيوت تل إربد، ومنطقة البارحة التي تميزت بجمالية عالية، وتنافس البنائين في بناء البيوت لأهالي المدينة التي جلهم من التجار، ومتاجرهم القريبة من بيوتهم داخل أسواق المدينة، ونتج عن هذا التنافس بيوت وردية أحيانا، وسوداء وبيضاء أحيانا أخرى، وللتميز أكثر استخدام البعض، الثلاث ألوان في مبنى واحد، وحديثا سكن الناس السهول الخصبة وبنوا عليها بيوتهم، وتركوا زراعة القمح، ليصبحوا موظفين في الدوائر الحكومية والخاصة.
وتابعت الناصر: هذه الصورة المتشابكة جعلت الفنانة هالة وكل فنان يشعر بالحنين للجزء الذي يخص والديه وبيته وحارته القديمة حيث كان طفلا، ونقلته بلوحاتها، لذلك نحن لا نرى بيوت هالة مرسومة هندسيا بل أجزاء من مداخل بيوت تتقدمها نباتات، زرعت في علب السمنة المعدنية وتعربشت على الشبابيك والادراج، وأحيانا على إطار اللوحة ذاتها، مشيرة إلى لوحة “الجدة التي تجلس في أحد مداخل البيوت”، هذه هي بيوت إربد القديمة متراقصة لا دخل لها بالهندسة، تبرز أحيانا وتعود لداخل اللوحة أحيانا أخرى، ففي لوحة سوق الخضار “الحسبة” الشخوص مرسومة والخضار مجسمة.
تقول الناصر أنها عندما سألت الفنانة عن حبها للتجسيم باللوحة أجابت: لأن هذا الأسلوب سيميزها عن الفنانين الآخرين. ويكون نقطة جذب لأعمالها، برأيي أن السبب بالإضافة للتميز هو وراثتها لجينات، فوالدها كما تقول الناصر، “هو أحد نحاتي الحجر الاوائل في مدينة إربد بالإضافة لاشتياقها له فهي تذكره وتخلده بكل حجر ترصه بجانب الآخر، خصوصا باللوحة التي رسمته فيها، وخلفه جدران متباينة المستويات، مصفوفة بشكل منتظم في جزء من العمل، وبشكل عشوائي بجزء آخر. ومزجت اللون بالمعجون الذي استخدمته بمجسماتها، فالحجر ليس دائما أسود فأحيانا يميل للوردي والبنفسجي والبيج”.
ويذكر أن جاليري “بيت نجم الدين”، يعد من البيوت القديمة، حيث تم بناؤه في العام 1932، وأعيد ترميمه في العام 2013، من قبل بنات نجم الدين وهن: “حياة، هند، ربيعة، نهى، ونعمت”، ليصبح بعدها ملتقى يرتاده الفنانون والموسيقيون والأدباء وكل المهتمين بالشأن الثقافي. وقد أقيمت في بيت نجم الدين العديد من الفعاليات والمعارض الفنية والنشاطات الثقافية، مثل معرض “فنانات في إربد” في عام 2014، “أمسية الغرف الموسيقية”، وأقامت الفنانة نعمت الناصر معرض فن تشكيلي جماعي ضم خمسين فنانا، عربا وأردنيين من رواد وشباب شمل كل الاختصاصات الفنية: رسم، نحت، خزف وتقنيات مختلفة مثل: فن الديجيتال، ومن النشاطات الثقافية، إقامة أمسية قصصية للروائية سميحة خريس.

عزيزة علي/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة