لوحات “عين”.. دلالات رمزية وواقعية ممزوجة بالأمثال الشعبية

عمان- تحت رعاية الشاعر الأستاذ حيدر محمود، وزير الثقافة الأسبق، افتتح أول من أمس بجاليري رؤى 32 للفنون، معرضا فنيا للفنانة سما دودين، الذي يحمل عنوان “عين”، والذي يستمر حتى 15 آذار (مارس) لهذا العام. ويأتي كدعم وتشجيع من الجاليري للمواهب الشابة.
ويتضمن المعرض 40 لوحة فنية نفذت بالقلم الأسود والأحبار. حيث تناولت الفنانة سما دودين على مسطحات لوحاتها ثيمة (العين) بشكل متميز، واستطاعت من خلالها أن تأخذنا إلى خزانة (العين) في الأمثال الشعبية الأردنية الغنية بالحديث عن العين في مختلف حالاتها الرمزية والواقعية، فـ (العين مغرفة الكلام) ومرآة النفس، وهي أفضل وسيلة للتعبير الإنساني. ولا سيما أنها تكشف أحوال النفس البشرية وتفضح خفاياها.
وللعين مسميات كثيرة في النفس وتتوافق مع تقلبات البشرية مثل العين الجريئة، العاشقة، الحزينة، الفرحة، والسارحة. كما حظيت العين أكثر من غيرها من جوارح الإنسان بمكانة خاصة في الموروث الشعبي العربي، سواء في الأمثال أو الحكاية أو الخرافة، وارتبطت بمدلولات رمزية كثيرة في الذاكرة الشعبية مثل الجشع، الحسد، والعيب.
وقد انطلقت الفنانة دودين، المسكونة برسم العيون المعتمرة لعصابة الرأس، برسم أعمال فنية أخف وطئا وأكثر مرحا ضمن سلسلة (عين)، والتي تجسد عيون المجتمع المتربصة بالآخرين لوصمهم بالعيب، وهو مصطلح ثقيل على النفس خاصة عندما يتعلق الأمر بالإناث.
وسنستعير للدلالة في النظر إلى أعمال الفنانة دودين، قول الشاعر الروسي الكبير بوشكين في وصف أعمال غوغول: “يا إلهي إنه لم يخترع شيئا من عنده بل إنه حكى الحقيقة البسيطة”، فمن السذاجة القول إن أعمال الفنانة مجرد ألعاب فنية في ملعب الموروث الشعبي كما فعل الكثير من الفنانين دون وعي، لكنها عند سما دودين تعبر عن حالة إبداعية مرئية مطبوعة بداخلها. حيث قامت بتوظيف الزخارف الهندسية والنباتية والكتابية إلى جانب (العين) التي انتشرت على مسطحات لوحاتها بحركات مختلفة فظهرت العين بأجنحة تطير بها، وأصبحت كذلك اخطبوطا يتضمن نحلة وسمكة وأشكال حيوانية أخرى. كما تضمنت بعض أعمالها الفنية التي زاوجت بين المرئي بدلالاته اللغوية واللامرئي الجمالي بدلالته الفنية، كتابات مصاحبة لـ (العيون) حملت معان كثيرة مثل ” خير… في إشي ؟ ” و ” ييي… شو عيب ” و “ولكم عيب ” و ” متخبطة: بضحك.. برسم.. بقطّع.. بلوّن.. برقص.. بلعب.. بغيظ.. صاحية.. نايمة.. بحلم.. بحلق.. بنجن.. بخبط.. بزعل.. بفكر..”، و “يا خسارة ” و “ليش مش طابخة”.
وهذه الكتابات التي تتردد على ألسن الناس، شكلت قاعدة لتساعد المتلقي على تفهم البعد الجمالي لتشكيلات رمز (العين).
وما يميز أعمال هذا المعرض الإشارية والزخرفية والحروفية، أنها تستمد قوتها من الموروث. فالمبدع الحقيقي هو الذي يضيف عناصر جديدة إلى المعرفة البصرية مبتعدا عن الاستهلاك للفن الفولكلوري والتراث الشعبي بخلق عوالم خاصة به.
اتخذت الفنانة دودين من العملية الإبداعية هاجسا وباعثا على المتخيل. تبحث عن الخلود في ذاكرة المتلقي، وتحاول أن تعري الواقع من خلال ثيمة (العين)، وتجتهد عبر هذه الثيمة بأن تتميز في إعادة صياغة ثقافتها المحلية لإضافتها كمنجز تشكيلي يعتمد على الموروث الشعبي وإعادة إنتاجه بقالب جديد يمازج ما بين (العين) وتجاوز ثقافة (العيب) التي أصبحت دارجة في أوساط المجتمع اتجاه الأنثى كدلالة جمالية وبرؤية معاصرة تغني الثقافة في جانبها الإيجابي بشكل عام.

معتصم الرقاد/  االغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة