متى تصل جرش إلى قائمة التراث العالمي؟

جرش- رغم التحديات التي ما تزال تحول دون دخول مدينة جرش الأثرية، المنافسة سعيا لإدراجها على قائمة التراث العالمي (اليونسكو)، إلا أن الجرشيين وخبراء السياحة يعولون على تجاوز التحديات والوصول إلى تلك القائمة، لتحقيق نهضة سياحية شاملة داخل الموقع وفي المحافظة.

الخبير السياحي وعضو مجلس محافظة جرش السابق الدكتور يوسف زريقات، يؤكد أن مدينة جرش الأثرية، وهي من أكبر المواقع الأثرية الرومانية على مستوى العالم، موجودة على القائمة الأولية لمنظمة اليونسكو من ضمن مواقع عدة رشحها الأردن كمواقع للتراث العالمي.

لكن ثمة تحديات تواجه دخول المدينة الأثرية إلى قائمة التراث العالمي، وتتمثل، بحسب زريقات، في عدم وجود حدود واضحة للموقع المنوي ترشيحه، خصوصا غياب أجزاء من سور المدينة، وانفصال موقع البركتين الأثري جغرافيا عن المدينة الأثرية، فضلا عن غياب خطة إدارة مستدامة لاستخدامات الموقع من قبل مهرجان جرش للثقافة والفنون، فضلا عن أن التحدي الأكبر يتمثل في أصالة الموقع الحضارية المتأثرة بالتداخل العمراني مع عناصر الموقع الأثري، وهو الجزء الشرقي السكني.
وأضاف زريقات لـ”الغد”، أنه من خلال متابعته الحثيثة لموضوع إدراج المدينة الأثرية ضمن قائمة التراث العالمي، فإن معالجة التحديات لم تُعطَ أولوية، إذ يجب أن تتحقق شروط فنية ولوجستية داخل الموقع لضمان دخوله ونجاحه في المنافسة على قائمة التراث العالمي.
نهضة سياحية شاملة
ويرى أن دخول المدينة الأثرية إلى قائمة التراث العالمي سيحقق نهضة سياحية شاملة للموقع ولمدينة جرش كاملة، من حيث التمويل والاكتشافات الأثرية والمشاريع السياحية، فضلا عن جذب ملايين الزوار من مختلف دول العالم إلى الموقع، خصوصا أن القطاع السياحي يعاني من تحديات وصعوبات متتالية منذ سنوات عدة بسبب الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها المنطقة، وتنعكس بشكل مباشر على قطاع السياحة والعاملين فيه.
كما يرى زريقات أن المحافظة تحتوي على جميع العناصر التي تشجع الاستثمار السياحي، مشيرا إلى أهمية التركيز على السائح الحر وسبل إطالة مدة إقامته وتشجيعه على المزيد من الإنفاق بما يتلاءم مع احتياجاته ومن دون المساس بالقيم.
وأكد أن السائح يبحث عن تجربة سياحية غير تقليدية، ما يتطلب التشارك بين الجهات المعنية لتطوير برنامج إقامة للسائح.
بدوره، أكد مدير عام دائرة الآثار العامة الدكتور فوزي أبو دنة لـ”الغد”، أن موقع جرش الأثري غير مرشح لغاية الآن، وأنه في حال اتخاذ قرار ترشيح الموقع الأثري، ينبغي التأكيد أن عملية الإدراج في قائمة التراث العالمي هي عملية إستراتيجية وطنية تتطلب تنسيقا شاملا من مختلف الأطراف، بما في ذلك الجهات الرسمية والمجتمع المحلي والبلديات، لضمان توفير إطار متكامل وفعال لحماية الموقع والحفاظ على قيمته.
وأضاف أنه يستلزم ترشح أي ملف مكونات رئيسية، أهمها دراسة علمية متكاملة توضح القيم المميزة للموقع وتبرهن على تمتعه بقيمة، وخطة إدارة شاملة وفعالة تعنى بحماية الموقع وصونه وضمان استدامته، وتحديد الحدود والمنطقة العازلة، ووضع حدود دقيقة للموقع الذي تتجسد فيه القيمة العالمية.
الترويج العالمي للموقع
وقال أبو دنة إن إدراج الموقع على قائمة التراث العالمي يشكل اعترافا دوليا بقيمته الاستثنائية، ويسهم في الترويج العالمي للموقع، مما يؤدي إلى زيادة أعداد الزوار والسياح، شريطة أن يقترن ذلك بإدارة مستدامة وحملات ترويج فعالة، وتعزيز الحماية الدولية، إذ يخضع الموقع لمتابعة مركز التراث العالمي والهيئات الاستشارية التابعة له، فضلا عن إبراز الإنجاز الوطني، فالإدراج يعد إنجازا وطنيا يعكس قيمة التراث الوطني ويؤكد أهميته على المستوى العالمي، عدا عن تحفيز التنمية المستدامة، وعادة ما يجذب الإدراج اهتمام الجهات الرسمية والقطاع الخاص، ما يفتح المجال لتطوير الخدمات السياحية والبنية التحتية وتحقيق منافع اقتصادية واجتماعية للمجتمع المحلي والمناطق المحيطة بالموقع.
وأوضح أنه من الممكن إدراج موقع جرش الأثري على قائمة التراث العالمي، لكن الأمر يتطلب معالجة بعض التحديات الفنية والإدارية التي تم تحديدها سابقا من قبل لجنة التراث العالمي – اليونسكو؛ حيث تم ترشيح الموقع العام 1984 للإدراج على قائمة التراث العالمي، لكن كان قرار لجنة التراث العالمي في الدورة التاسعة العام 1985 والدورة العاشرة العام 1986 هو إرجاء الترشيح Deferred nomination انتظارا لاستلام معلومات دقيقة حول حدود الموقع وخطة إدارة الموقع وتوفير ضمانات بشأن سياسة الترميم في الموقع، التي يجب أن تكون متوافقة مع المعايير الدولية.
وبحسب أبو دنة، فإنه في العام 1995، قررت لجنة التراث العالمي إرجاء الترشيح مرة أخرى ريثما يتم تقديم ضمانات بشأن إنشاء منطقة عازلة بعرض 50 مترا على الأقل، ويفضل 100 متر شمال وغرب وجنوب الموقع، وإقامة تعاون فعال بين دائرة الآثار العامة ووزارة السياحة، بمشاركة بلدية جرش ولجنة مهرجان جرش لإدارة الموقع مستقبلا، وإزالة جميع المنشآت الدائمة المرتبطة بالمهرجان من الموقع الأثري، وتحديد فترات زمنية محددة لإقامتها وتفكيكها لاحقا.
وأضاف أنه في العام 2004، تم تسجيل موقع جرش الأثري على القائمة التمهيدية للتراث العالمي بعنوان “مدينة جرش الأثرية (ملتقى الشرق والغرب القديم)”، وذلك تبعا لمعيار يمثل شهادة فريدة من نوعها أو على الأقل استثنائية على تقاليد ثقافة أو حضارة قائمة أو مندثرة، ومعيار أن يكون هناك مثال بارز لنمط بناء أو مجموعة معمارية تمثل مرحلة أو مراحل مهمة في تاريخ البشرية.
ترميم بأساليب غير علمية
وبين أبو دنة، أن أبرز التحديات التي تواجه إدراج موقع جرش ضمن قائمة التراث العالمي هي المنطقة العازلة الحالية كونها غير كافية لحماية الموقع من التوسع العمراني، وتنفيذ عمليات ترميم سابقة بأساليب غير علمية وغير متوافقة مع المعايير والمواثيق الدولية، وغياب خطة إدارة شاملة للموقع.
ومن الجدير بالعلم أن الأميرة دانا فراس، رئيس المجلس العالمي للمعالم والمواقع (ايكوموس-الأردن)، وسفير اليونسكو للنوايا الحسنة للتراث الثقافي، زارت قبل عام محافظة جرش، وبحثت خلال لقاء عقد في مبنى بلدية جرش الكبرى مع مسؤولين، الفرص المتاحة للعمل على مراجعة ملف إدراج جرش ضمن قائمة التراث العالمي.
وأشادت الأميرة بالتوافق والاهتمام بين جميع الجهات المعنية لإدراج المدينة الأثرية ضمن قائمة التراث العالمي، معبرة عن استعدادها للتعاون مع الجميع بهذا الصدد.
وأكدت ضرورة تعزيز اللقاءات مع أبناء المجتمع المحلي، بحيث يكونون داعمين للمشاريع التي يتم تنفيذها ومشاركين في تشغيلها وتلبي احتياجاتهم واهتماماتهم.
وأضافت الأميرة، أن إدراج المدينة على قائمة المواقع التراثية العالمية يوفر لها حماية دولية واهتماما أكبر يسهم في توجيه محاور الاستثمار نحو المدينة والترويج لها بشكل عالمي أفضل.
بدورها، أكدت بلدية جرش الكبرى أن تطوير السياحة في المدينة والعمل على إبراز هوية المكان والفرص الاستثمارية، تسهم في الحفاظ على تراث المدينة، إضافة لتعزيز إشراك أبناء المجتمع المحلي في السياحة واستغلال الميزة النسبية للمدينة كأكبر مدينة أثرية حافظت على آثارها، خصوصا أن الموقع الأثري، الذي تزيد مساحته على 650 دونما، يتوسط المدينة الحضرية، وبقدر ما هو ميزة تنافسية، إلا أنه يفرض تحديا كبيرا بضرورة تقديم المزيد من الخدمات والاهتمام من دون المساس بموروثه الأثري، لا سيما أن العناصر التي تحقق الربط والتي يتوجب العمل عليها تتمثل بالجسر الروماني والحمامات الشرقية والسوق العتيق والبركتين.
وأضافت أنها تقوم بالتشاور والتشارك مع مختلف ممثلي قطاعات المجتمع المحلي، وتمضي قدما في تطوير الوسط التجاري من دون المساس بمصلحة المجتمع المحلي ومن دون إغلاق أي طريق.
وقالت البلدية إن رؤيتها الخاصة بتطوير السياحة، تتوافق مع الخطة الإستراتيجية للسياحة في محافظة جرش، معززة بتصور واضح للبرامج التي من شأنها أن تطور وترفع من مستوى الخدمات السياحية وإبرازها بما يعود بالنفع على أبناء وبنات المدينة بشكل مباشر.

صابرين الطعيمات/الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة