محتويات جرة أثرية تعيد تاريخ زراعة “النيلة” لغور الصافي

الكرك- من فكرة استلهمت من بقايا مادة زرقاء عثر عليها بجرة أثرية بمنطقة غور الصافي تعود لآلاف السنين، إلى قصة نجاح مبهرة، قوامها إحياء تاريخ المنطقة، التي اشتهرت بزراعة نبتة “النيلة” لاستخراج الصبغة الزرقاء منها.

تلك الجرة التي تبين لاحقا أن فيها مادة صبغية زرقاء، أثبتت أن المنطقة كانت مكانا لزراعة نبتة النيلة منذ آلاف السنين، بينما توافقت هذه الدلالات مع سعي منتسبات جمعية سيدات الغور الصافي لإيجاد مادة صبغية طبيعية لاستخدامها في مشروع الصباغة الطبيعية للملابس.

مع هذه المعلومات التاريخية الثمينة، توجهت سيدات الجمعية إلى زراعة نبتة النيلة بشكل منفرد على مستوى المملكة، والتي تستخدمها الجمعية لصباغة منتجاتها من الأقمشة والملابس، حيث أصبحت المنطقة خلال السنوات الأخيرة موطنا لزراعتها وإنتاجها على أيدي منتسبات بالجمعية.
والنيلة هي نبتة من فصيلة الحشائش على شكل شجيرة بارتفاع يتراوح من متر إلى مترين، ويعتمد إنتاجها على المناخ الذي تزرع فيه، فيما لها أوراق ريشية خضراء فاتحة وحزم زهور وردية أو بنفسجية، تستخدم لإنتاج الصبغة الزرقاء الطبيعية.
ولاستغلال النبتة، كان مكتب الـ”يونسكو” في الأردن، وبالشراكة مع جميعة سيدات غور الصافي للتنمية الاجتماعية، أطلق قبل أعوام معرض “ألوان الأردن: مجموعة النيلي”، لصناعة منتوجات تعتمد على الصبغة المستخرجة من نبتة النيلة ذات اللون الأزرق الداكن.
ووفقا لرئيسة الجمعية نوفة النواصرة، فان “اكتشاف النيلة لاستخدامها بمشروع الأصباغ الطبيعية بالجمعية، جاء بالصدفة بعد البحث الدائم عن اللون الأزرق بالطبيعة لاستخدامه مثل بقية الألون المنتجة من الرمان والتراب وغيرها من الأنواع الطبيعية”، مشيرة إلى أن “أحد باحثي الآثار أكد العثور على صبغة النيلة في جرار فخارية وجدت بالغور الصافي ما يؤكد أن المنطقة كانت سابقا قبل آلاف السنين تنتج النيلة وتصدرها للعالم”.
وبينت النواصرة، أنه “حينها وبالتعاون مع مكتب اليونسكو بالأردن، تم استيراد بذور النيلة من الهند وتوفير التدريب اللازم لزراعتها على مساحة مستأجرة بمساحة 5 دونمات، ولاحقا مساحة أكبر، حيث نجحت التجربة وأعيدت زراعة النيلة بالمنطقة بعد اختفائها آلاف السنين، وتم استخدامها بإنتاج الأصباغ الطبيعية الزرقاء التي كانت تفتقدها الجمعية”.
وقالت، إن “جمعية سيدات غور الصافي، تقوم بإنتاج المنسوجات اليدوية المصبوغة باستخدام الأصباغ الطبيعية من التربة الملونة والنباتات الطبيعية في الأردن”، لافتة إلى أن “الجمعية تمكنت من تطوير منتجاتها وتحسين قدراتها التسويقية على نحو ملحوظ، وتعد إحياء زراعة نبتة النيلة من أهم الإنجازات الفريدة التي تحققت بالمنطقة وساهمت في تطوير عمل الجمعية ومشروعها الإنتاجي الذي يخدم سيدات بالمجتمع”.
وأضافت نواصرة، أن “زارعة النيلة واستخداماتها في مشروع الأصباغ للملابس يوفر لحوالي 16 سيدة من بلدة الصافي في لواء الأغوار الجنوبية، فرص العمل المناسبة من خلال زراعة النيلة وإنتاج المنتجات المصبوغة المختلفة، حيث ساهمن بالنهوض بمشروعهن الخاص والمتمثل بالصباغة بالمواد الطبيعية من تراب البحر الميت والنباتات الطبيعية، ولاحقا بإدخال نبتة النيلة التي يستخرج منها اللون الأزرق”.
وأشارت إلى أن “الجمعية كانت قد استأجرت قطعة أرض بمساحة 5 دونمات لزراعتها بنبات النيلة، وخلال لقاء سابق مع وزير زراعة سابق طالبت الجمعية بمنح الجمعية مساحة إضافية من الأرض، وتم إعطاء الجمعية 5 دونمات أخرى، إلا أنها كانت لخمس سنوات فقط”.
النواصرة أكدت أيضا، أن “هذا المشروع في منطقة الأغوار الجنوبية، ساهم في تعزيز القدرات لسيدات الجمعية، وتحسين حياة أسرهن من خلال توفير فرص تشغيل دائمة”.
أما نور العشوش، وهي إحدى السيدات العاملات بإنتاج النيلة الزرقاء في الجمعية، فتقول إن “الجمعية وفرت لها فرصة العمل في البداية باعتبارها عضوا بالجمعية من خلال مشروع الأصباغ الطبيعية، ولاحقا مشروع إنتاج النيلة والذي يعد أحد المشاريع الريادية والمهمة بالمملكة، والذي يهدف في ناحية منه إلى إحياء زراعة النيلة بعد اختفائها من الأردن”.
وكانت مديرية ثقافة الكرك أطلقت مؤخرا، مشروعاً لتوثيق الصناعات الثقافية بالأغوار الجنوبية من خلال توظيف الربط بين الإنتاج الزراعي والمنتجات المختلفة وتسويقها وترويجها سياحيا، ومن بينها مشروع زراعة النيلة ومنتجات الأصباغ الطبيعية.
وقالت مديرة الثقافة عروبة الشمايلة، إن “فكرة مشروع توثيق الصناعات الثقافية، يأتي ضمن برنامج المسارات الثقافية السياحية للتعرف على قصص الإبداع والإنتاج في منطقة الأغوار الجنوبية ذات التنوع الثقافي لما تضيفه هذه الصناعات من قيمة للأفراد والمجتمعات”.
وأضافت الشمايلة، أن “المشروع يهدف بشكل أساسي إلى رعاية الإبداع والمبدعين لتمكينهم من المحافظة على تنوعهم الثقافي وتحسين أدائهم الاقتصادي وتحسين دخل الأفراد”، مشيرة إلى أن الصناعات الثقافية ترتكز على المعرفة والتوظيف.
بدوره، قال مدير زراعة الأغوار الجنوبية المهندس مأمون العضايلة إن نبتة النيلة تعتبر من الزراعات الجديدة والوحيدة في المنطقة، حيث قامت جمعية سيدات غور الصافي بتبني زراعتها وإدخالها بصناعة الصباغ والأقمشة بعد تلقيهم تدريبات من خبراء وجهات معنية وتم زراعة النبتة من قبل جمعية سيدات غور الصافي في  أرض زراعية تابعة لزراعة الأغوار الجنوبية، وباتت من الزراعات التي أثبت ملاءمتها ونجاحها في المنطقة.
وأشار إلى أن جمعية سيدات غور الصافي توسعت بزراعة النبتة في أراض أخرى ويجدر بالذكر أن الكادر المسؤول عن زراعة واستخلاص النبتة قد أصبح على خبرة ودراية جيدة بالنبتة وكيفية استخلاص الأصباغ.
وتولي مديرية زراعة الأغوار الجنوبية الاهتمام وتسليط الضوء على مثل هذه الزراعات لما لها من إسهام في نهضة وتطور القطاع الزراعي من حيث التنوع والمردود الاقتصادي.

هشال العضايلة/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة