مسرحية “فوق جسر عبدون”.. القفز نحو أسباب اختيار الموت سبيلا للخلاص

على ارتفاع ما يقارب 45 مترا، تقف أحلام شباب على “جسر عبدون”، في لحظة يعودون بذاكرتهم على الجهة الخلفية من الحياة ليروا ظلاما قاسيا يحجب الرؤية عن الفرح والقدرة على المواصلة، وفي لحظة أخرى يكون النظر للأمام، نحو حافة الموت القابعة أمام أعينهم.
شباب بعمر الزهور، ينهون حياتهم بالقفز من أعلى “جسر عبدون”، والأسباب ما تزال في ملفات التحقيقات الأمنية، والانتحار هو الشبهة الأولى في القضايا السابقة، فلماذا يختار الإنسان إنهاء حياته بهذه الطريقة المؤلمة وعلى جسر أصبح في ذاكرة الأردنيين “شؤما” لا ينفصل عن الموت؟
العمل المسرحي الأردني “فوق جسر عبدون” الذي عرض مؤخرا، فجّر من فوق خشبة المسرح، بعض أسباب الانتحار عمومًا، تحديدا ما يحدث على “جسر عبدون”.
من مشهد الخروج من الموت إلى الحياة، تتوالى الصراعات في المسرحية التي أخرجها باسم عوض وعرضت على خشبة “مسرح هاني صنوبر” بالمركز الثقافي الملكي، ومن تمثيل الفنانين صلاح الحوراني وإنجي لكود، وسينوغرافيا الفنان التشكيلي غسان مفاضلة.
يبدأ الصراع في حوار بين منتحرين عادا ليرويا الدوافع التي أدت إلى اتخاذهما قرار الانتحار، مواضيع عدة تناولتها المسرحية من ذكريات مؤلمة ومحاولات النجاة والاستمرار قبل أن تغلق الأبواب جميعها في وجوههم ليختاروا هذا القرار.
وتناول العرض المسرحي الذي أدى به الفنان صلاح الحوراني شخصيات عدة تعيش معاناتها بأشكال مختلفة والعوائق التي واجهتها، وتنقل بحرفية بين شخصيات وحالات عدة رسمها على المسرح.
الممثلان الحوراني ولكود سلطا الضوء على تلك الشخصيات التي اختلفت معاناتها حسب الموضوع، فتارة تظهر شخصية الشاب الذي فقد أحلامه، وأخرى امرأة مجهولة النسب في مجتمع وصمها بالعار، وأخرى عن زواج القاصرات وآثاره المدمرة.
الشخصيات جميعها كانت في حالة تردد قبل اختيار الموت، وكانت تسعى كما تروي عن نفسها تأجيل الانتحار، على أمل أن ينتهي غبن الظلم عن البشر، إلا أن تفشي الظلام هوى بهم نحو إراحة أرواحهم بالانتحار كما يظنون.
اشتركت الشخصيتان خلال العمل بمفارقات كثيرة من ضمنها كلمة “لو”، التي عالجت بعض القضايا الشائكة في المجتمع ومن ضمنها؛ الأحكام المطلقة، وصمة العار، أحلام الشباب، وزواج القاصرات.
ونوهت المسرحية إلى أن تلك الشخصيات لم تجد حاضنة لتخلصهم من تلك الضغوطات التي تحولت لحبال تحبس أنفاسهم، حينما اتخذوا قرار الموت والانتحار بتلك السهولة.
ساعدت سينوغرافيا العمل التي قدمها غسان مفاضلة على تفسير الكثير من معالم العمل المسرحي، والجسر الذي انشغل بحرفية على الخشبة شكل مفصلا مهما لكل شخصية تذهب لتقفز أو تنتحر فوق هذا الجسر لتعود لمقبرتها داخل أنابيب شكلت حيزا أو قالبا ضيقا.
المسرحية تقوم على نص فلسفي نتاج ورشة جمعت المخرج والممثل للخروج بهذا العمل، وكما تناقلت بعض وسائل الإعلام تفاصيل غير مؤكدة حول أسباب الانتحار، ليحولها المخرج والممثل لثيمة مسرحية ومعالجة توجه الجمهور نحو الصحو لتلك الأسباب كي لا تتفاقم ظاهرة الانتحار في مجتمعنا.
عرج العمل للحديث عن الظروف السائدة في ظلام التفسير الخاطئ للدين، وتوجه البعض نحو التطرف، فالخلاص من “داعش” دون معالجة حقيقية سيؤدي، كما طرحت المسرحية، لظهور جماعات متطرفة أخرى في المنطقة وعلى حياة الإنسان.
الحب هو العلاج، هذه الإسقاطات التي جاءت من العنصر الموسيقي خلال العرض من قصائد ملحنة للحلاج ومحمود درويش وتيسير سبول ذات طابع صوفي يدعو للتسامح والحب والغفران، إضافة إلى نصوص للكاتب يحيى أبو صافي وقاسم توفيق.
ساعدت تلك المؤثرات البصرية والسمعية من جمل وحوارات خلال العمل على التخفيف من حدة القضايا المطروحة التي أفضت إلى “الموت”، واختار المخرج فيها الابتعاد عن شكل فني واحد خلال العمل، وذهب للتغريب والتجريب ومسرح الفرجة والمسرح التفاعلي، وهي من أصعب الأعمال التي قد لا تقنع المسرحيين المنتمين إلى مدارس المسرح في أعمالهم، إلا أن الاستخدام الفني لها في عمل “فوق جسر عبدون” كان مهندسا بطريقة غير فوضوية وقادر على إيصال الغاية والمعالجة الحقيقية للقضية.
ينتهي العمل بدعوة كل شخص من الجمهور للعودة إلى مقبرته إذا استمر الحال في تفشي الظلم وعدم الالتفاف إلى ما قبل القفز عن جسر الحياة باتجاه موت مغلف بأسباب الفقر والتهميش والوصمة والتابوهات القاهرة للإنسانية.
الموسيقا في العمل لعبد الرزاق مطرية، وصمم الإضاءة ماهر الجريان، فيما أسند المكياج إلى منال المدبوح وشاركت في الغناء فوز شقير.

سوسن مكحل/  الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة