مشروع “عمرة”.. نقطة تحول في البنية الاقتصادية والتنموية

ضمن السباق مع المستقبل يأتي مشروع مدينة عمرة ليعالج مشاكل عاصمة ازدحمت بملايين السكان والمركبات، وآلاف المنشآت التجارية والصناعية التي تراكمت خلال العقود الماضية، حتى باتت غير قادرة على استيعاب مزيد من النمو السكاني أو التوسع العمراني والاقتصادي في السنوات المقبلة.
وأمام هذا الواقع المتشابك، انشغلت الحكومات المتعاقبة في البحث عن مخرج لهذه المعضلة، وظل الخيار الأكثر حضورا يتمثل في إنشاء مدينة جديدة تخفف الضغط عن العاصمة. لكن هذا الخيار بقي طويلا في إطار النوايا والخطط الأولية، إلى أن شهد العامان الماضيان نقلة واضحة من مرحلة التفكير إلى مرحلة التنفيذ، بعد تبني ملكي مباشر للفكرة، ليتبلور أخيرا بإطلاق مشروع المدينة الجديدة “عمرة”.
ومع الكشف عن الملامح العامة للمشروع، تتقدم إلى الواجهة جملة من التساؤلات الجوهرية: ما الأبعاد الاقتصادية المتوقعة للمدينة الجديدة؟ وكيف يمكن تعظيم عوائدها على الاقتصاد الوطني؟
وأكد اقتصاديون أن مشروع المدينة الجديدة يشكل محطة محورية في المسار التنموي للاقتصاد الأردني، مشيرين إلى أنه يحمل في بنيته القدرة على تشغيل عشرات القطاعات، وتحريك سوق العمل، وخلق دورة اقتصادية جديدة تعتمد على البنية التحتية المتطورة والمساحات الاستثمارية الواسعة التي يتيحها المشروع.
وأوضح هؤلاء الخبراء أن المشروع لا يمثل مجرد توسع عمراني، بل انتقال إلى نموذج تخطيطي جديد قائم على اقتصاد المدن الحديثة، حيث تتكامل فيه فرص السكن والعمل والخدمات ضمن بيئة جاذبة للاستثمار وقادرة على رفع الإنتاجية وتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
كما لفتوا إلى أن العمل المتوازي بين مشروع المدينة الجديدة والمشاريع الإستراتيجية الكبرى الأخرى وفي مقدمتها مشروع الناقل الوطني سيضاعف الأثر التنموي الشامل، ويخلق حالة من النشاط الاقتصادي تمتد إلى معظم القطاعات والمحافظات.
ويرى الخبراء أن نجاح المشروع مرتبط بمدى قدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها في التنفيذ، وضمان الاستمرارية، وتوسيع الشراكات الحقيقية مع القطاع الخاص، باعتباره شريكًا أساسيًا في التطوير والتمويل وابتكار الحلول التي تعزز الجدوى الاقتصادية للمدينة.
وأشاروا أن المشروع ليس مجرد توسع عمراني، بل انتقال إلى نموذج تخطيطي جديد قائم على اقتصاد المدن الحديثة، حيث تتكامل فيه فرص السكن والعمل والخدمات ضمن بيئة جاذبة للاستثمار وقادرة على رفع الإنتاجية وتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
كما لفت الخبراء إلى أن العمل المتوازي بين مشروع المدينة الجديدة والمشاريع الإستراتيجية الكبرى الأخرى وفي مقدمتها مشروع الناقل الوطني سيضاعف الأثر التنموي الشامل، ويخلق حالة من النشاط الاقتصادي تمتد إلى معظم القطاعات والمحافظات.
مشروع “عمرة”.. صورة مقربة
وكان رئيس الوزراء جعفر حسان أطلق، مطلع الأسبوع الحالي، مشروع مدينة عمرة الذي يشكل نموذجا جديدا في التطوير الحضري وإدارة النمو السكاني طويل الأمد، ويراعي معايير الاستدامة والحداثة، ويفتح فرصا استثمارية واقتصادية واعدة، وهو نواة لمدينة مستقبلية نموذجية للشباب والجيل القادم، وبتنظيم وتخطيط محكم، تمتد مراحل تطويرها على مدى 25 عاما وبشكل عابر للحكومات.
ويأتي إطلاق المشروع إنفاذا لتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثَّاني للحكومة في كتاب التَّكليف السامي، الذي وجه لمواصلة العمل في هذا المشروع؛ لما له من دور محوري في تخفيف الضغط عن مدينتي عمان والزرقاء بالشراكة مع القطاع الخاص، ولما يوفره من أبعاد اقتصادية واستثمارية واجتماعية مهمة، تنسجم مع أهداف رؤية التحديث الاقتصادي، ضمن محور جودة الحياة.
وتتضمن المرحلة الأولى من المشروع تخصيص أراض لإقامة مشاريع استثمارية إنتاجية تشمل مركزا دوليا للمعارض والمؤتمرات سينجز عام 2027، ومدينة رياضية متكاملة تضم استادا دوليا لكرة القدم سينجز عام 2029 ومدينة أولمبية إلى جانبه، وصالات مجهزة بمعايير أولمبية للرياضات المختلفة مثل كرة السلة واليد والطائرة والألعاب القتالية وملاعب للتنس، وألعاب القوى، ومضمارا لسباق السيارات، بالإضافة إلى حديقة بيئية نموذجية على مساحة لا تقل عن 1000 دونم، ومدينة ترفيهية تنجز عام 2028 وفق أعلى المواصفات، ومناطق تجارية وخدمية، ومدينة تعليمية ومركزا تكنولوجيا للاستثمار في قطاع التعليم، إلى جانب تخصيص متاحف ومنشآت للفعاليات الثقافية بما في ذلك إنشاء توسعة لمتحف السيارات الملكي، وسيتم تمويل هذه المشاريع من خلال الاستثمار الأجنبي والمحلي.
وسيتم تنفيذ المشاريع الاستثمارية على مساحة 40 ألف دونم، من أصل ما يقارب نصف مليون دونم، وهي بالكامل أراض لخزينة الدولة، وقد تم تخصيص أراضي مشروع مدينة عمرة لصالح صندوق الاستثمار الأردني الحكومي، الذي أسس الشركة الأردنية لتطوير المدن والمرافق الحكومية؛ لتكون ذراعا تطويرية له.
وستوفر مشاريع المرحلة الأولى بحسب الدراسات الأولية، الآلاف من فرص العمل، وستكون لهذه المشاريع انعكاسات حيوية على قطاعات المقاولات والبناء والتجارة والصناعات الإنشائية والنقل والسياحة وغيرها، وسيكون لها أثر إيجابي في تحفيز النمو الاقتصادي.
حراك اقتصادي وتنموي
واعتبر وزير دولة للشؤون الاقتصادية السابق يوسف منصور أن مشروع المدينة الجديدة يمثل اليوم أحد أكثر المشاريع الحيوية في الأردن، إذ من شأنه تشغيل ما يزيد على 52 قطاعا اقتصاديا، واستحداث آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، إلى جانب ضخ استثمارات قادرة على إحداث حالة انتعاش واسعة في الاقتصاد الوطني.
ويرى منصور أن المشروع “يبعث على قدر كبير من التفاؤل” في النهوض بواقع الاقتصاد الوطني وتعزيز الحراك الاقتصادي والتنموي والتشغيلي.
ولفت إلى أن الهدف الرئيس للحكومة يتمثل في رفع معدلات النمو الاقتصادي، الأمر الذي يجعل من المشروع ضرورة ملحّة لتحريك الدورة الاقتصادية وتعزيز الإنتاجية في بيئتي الأعمال والاستثمار.
وبين أن فرص تنفيذ المشروع تبدو “مضمونة إلى حد كبير” في ظل الحكومة الحالية، التي تمتلك بحسب وصفه فكرا تنمويا ورغبة واضحة في الإنجاز، كما يتوافق المشروع بصورة مباشرة مع توجهات رؤية التحديث الاقتصادي ومخرجاتها.
وأكد منصور أن مستقبل المشروع يتطلب الاستمرارية ونسج شراكات واسعة مع القطاع الخاص، موضحا أن الحكومة ستكون المطور الأساسي للمدينة، فيما سيأتي دور القطاع الخاص كمطوّر جزئي يسهم في تنويع مصادر التمويل وتوسيع قاعدة الاستثمار.
ولفت إلى أن وجود شركة استثمارية خاصة بالمشروع، سيعزز من جاذبية المدينة أمام المستثمرين، ويضاعف فرص استقطاب رؤوس الأموال، معتبرا أن من “العناصر اللافتة” في هذا المشروع قيامه على أراضٍ مملوكة للخزينة، ما يخفض كلف التطوير ويرفع هامش الجدوى أمام القطاعات المختلفة.
وشدد منصور على أن تنفيذ مشروع المدينة الجديدة بالتوازي مع مشاريع إستراتيجية أخرى مثل مشروع الناقل الوطني، سيعظم من الأثر الاقتصادي الكلي، ويخلق حالة تنموية نشطة تتجاوز حدود العاصمة لتشمل مختلف القطاعات والمحافظات.
مرحلة جديدة من التحول التنموي
من جانبه، أكد وزير الدولة لتطوير القطاع العام السابق ماهر مدادحة، أن مشروع المدينة الجديدة يحمل بذور إيجابية نحو مرحلة جديدة من التحول الاقتصادي والتنموي والتخطيطي.
وأوضح مدادحة أن المشروع يزخر بفرص اقتصادية جمة ستنعكس على أغلب القطاعات الاقتصادية خاصة، الإنشاءات والمقاولات والصناعة وغيرها، كما سيساهم في خلق المزيد من فرص العمل، ورفع الطلب في الأسواق، ما سينعكس بدوره إيجابا على العملية الاقتصادية ككل.
في المقابل يرى مدادحة أن الإطار الزمني الطويل للمشروع سيبطئ الاستفادة من المشروع اقتصاديا وتنمويا ،حيث أن المدى الزمني القصير من شأنه أن يخلق حالة حقيقية من النشاط الاقتصادي والتنموي.
وأعرب مدادحة عن أمله أن يكون لدى الحكومة جدية و”نفس طويل” في تنفيذ المشروع، وتوفير المحفزات القادرة على تشجيع المستثمرين واستقطابهم إلى الاستثمار به.
اقتصاد المدن الحديثة
بدوره، قال رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان الأسبق زهير العمري، إن مشروع المدينة يعكس رغبة حكومية في خلق تنمية اقتصادية شاملة والانتقال بالاقتصاد الوطني إلى مرحلة البناء والتطوير المفضية إلى النماء الحقيقي.
وأوضح العمري أن ميزة المشروع تكمن في أنه قائم على اقتصاد المدن الحديثة، حيث تتكامل فيه فرص السكن والعمل والخدمات، فهي لا تقتصر على بعد محدد كإيجاد منطقة سكنية جديدة مثلا انما إنشاء مدينة بعدة أبعاد تنموية وسكانية واقتصادية وترفيهية ورياضية، وهو ما يرفع من مستوى التفاؤل بعوائدها الاقتصادية والتنموية.
وتوقع العمري أن ينجم عن المشروع حراك تنموي وتنشيط للدورة الاقتصادية، حيث أن أنشطة المشروع ستتيح تشغيل القطاعات الاقتصادية كافة لا سيما في قطاعي الإنشاءات والمقاولات والخدمات، وعليه تنشيط الطلب على فرص العمل والسلع والخدمات المختلفة.
ولفت العمري إلى أن نجاح المشروع، يتطلب شراكة حقيقية وشفافية مع القطاع الخاص، وذلك من خلال الحوار الجاد حول الفرص الاستثمارية لكل قطاع وتحديد الألويات، إضافة إلى مناقشة الحوافز والتفضيلات التي سيضمنها الانخراط الاستثماري في المشروع.
وفي ما يتعلق برؤيته للقطاع السكاني في المدينة الجديدة، أعرب العمري عن أمله بوجود نظام ابنية خاص وجديد للمدينة مختلف عن المتبع حاليا في البلاد، لا سيما في جزئية النمط المعماري والسماح بالأبراج السكانية متعددة الطوابق بما يزيد على 5 طوابق، فضلا عن تخفيض الضريبة على المدخلات الأولية المتعلقة بالإنشاءات والبناء، علاوة على وضع إطار تسهيلات بنكية مخصص للقطاع السكني في المدينة الجديدة، بما يتيح تخفيض كلف شراء الشقق السكانية على المواطنين.

