مصر والأردن .. مسار إستراتيجي وعلاقات استثنائية/ ماجد منير

من القاهرة إلى عَمّان، يتشكل مسار إستراتيجي، من نموذج علاقات عربية فريدة من نوعها، بين مصر والأردن، على مستوى القيادة السياسية في البلدين من ناحية، وعلى المستوى الشعبي من ناحية أخرى، وهي العلاقة التي تبدو نموذجًا يُحتذى به، في ظل ما يمر به الوضع العربى والإقليمى من ظروف وتحديات كبرى.

إن نظرة إلى طبيعة التنسيق والتشاور المستمر، وتوافق الرؤى والمصالح المشتركة، وإدراك التحديات والقواسم المشتركة، وتعزيز التعاون بين مصر والأردن، من شأنه أن يفسر لماذا أصبحت هذه العلاقات «استثنائية» فى جوهرها، ملهمة فى تفاصيلها، تمثل حصنًا آمنًا، ليس للقاهرة وعمّان فقط، وإنما للمنطقة العربية بأسرها، استنادًا إلى ما للدولتين الشقيقتين من رصيد تاريخى واهتمام مشترك، وروابط وأخوة، ودعم غير محدود لقضايا الأمة العربية.

فى رأيي، ثمة محاور رئيسية تكشف عمق العلاقة الوطيدة بين الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأخيه العاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى، هذه المحاور وضعت خصوصية إستراتيجية، ودشنت نموذجًا راسخًا ومختلفًا أيضًا للتعاون المثمر بين دولتين محوريتين فى عالم مضطرب، وإقليم غير مستقر، ووطن عربى يقاوم من أجل البقاء، ويواجه خطر الإرهاب والتدخلات الأجنبية المستمرة، ومحاولات إسقاط الدولة الوطنية، والعبث بمقدرات الشعوب.

يمثل الأمن القومي المحور الرئيسي في هذه العلاقة الاستثنائية بين مصر والأردن، فالمتابع لما شهدته المملكة الأردنية الشقيقة من إجراءات حاسمة، وقرارات مصيرية اتخذها العاهل الأردني للحفاظ على استقرار بلاده، سيجد أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، كان أول مَن بادر بتأييد ومباركة كل ما اتخذه شقيقه الملك عبدالله من قرارات، معلنًا، وبشدة، وقوف مصر، حكومةً وشعبًا، إلى جانب الأمن القومى الأردنى، باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى، فيما حملت رسالة الملك عبدالله إلى الرئيس السيسي، تأكيدًا مماثلًا، على دعم الأردن الشقيق لكل القضايا التى تمس الأمن القومى المصري، وفى القلب منها قضية السد الإثيوبى.

إن هذا التضامن المشترك من أجل حفظ الأمن القومى لكلا البلدين، يؤكد، بما لا يدع مجالًا للشك، بُعد نظر القيادة السياسية فى البلدين، وإدراكهما أن ما يربط بلديهما، من أواصر وعلاقات وقواسم مشتركة، هو قاطرةٌ لعمل عربى مشترك، يحفظ الأمن القومى، ليس للقاهرة وعمّان وحدهما، وإنما لكل العواصم العربية.

ويتجلى المحور الثانى، لتلك العلاقة الاستثنائية، فى تعزيز التعاون الثنائى على جميع الأصعدة، فى مجالات عدة؛ كالنقل والتبادل التجارى والربط الكهربائى والاتصالات، ومنها ما يتعلق بتبادل الخبرات فى التخطيط والآثار والإسكان، وغيرها من المجالات، فى إطار اللجنة العليا المصرية الأردنية المشتركة، التى انعقدت دورتها التاسعة والعشرون فى عمان، فى الثلث الأخير من شهر مارس الماضى، بحضور رئيسى وزراء البلدين؛ مصطفى مدبولى وبشر الخصاونة، لتوطيد أطر التعاون والتنسيق التام بين حكومتى البلدين، بتوجيهات ودعم مباشر من الرئيس عبدالفتاح السيسي، والملك عبدالله الثاني.

ويمثل تطابق وجهتى النظر المصرية والأردنية، تجاه القضية الفلسطينية، محورًا مهمًا من محاور العلاقة الإستراتيجية بين القاهرة وعمّان، فكلاهما يؤكد دائمًا أن غياب الحل العادل والشامل لهذه القضية من شأنه استمرار التوتر فى المنطقة، كما يشددان على حل الدولتين، الذى تقوم بمقتضاه الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة على التراب الوطنى الفلسطيني، على حدود ما قبل 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

سيكون من المهم بالنسبة لمصر والأردن أن يتواصل بينهما التنسيق والتشاور والتعاون الإستراتيجى فى تلك العلاقة الاستثنائية، ليشكل ذلك المسار «القاهرة ــ عمان»، حماية لأمنهما القومى، الذى هو بالطبع جزء أصيل من الأمن القومى العربى، وليكون نموذجًا ملهمًا لما ينبغى أن تكون عليه العلاقات بين الأشقاء، وليكون توافقًا يجسد خصوصية تلك العلاقة، كما وصفه الرئيس عبدالفتاح السيسي في رسالته لأخيه العاهل الأردنى بمناسبة ذكرى مرور 100 عام على تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، بقوله: «لقد ثبت، بما لا يدع مجالا للشك، أن التوافق الإستراتيجى بين مصر والأردن قادر على التعاطى مع كل التحديات، ذلك التوافق النابع من أواصر العلاقات التاريخية الممتدة بين البلدين».

حفظ الله مصر والأردن، ووفق زعيمي البلدين لما فيه صالح شعبيهما والأمة العربية.

 

ماجد منير/ رئيس تحرير بوابة الاهرام المصرية

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة