معالجة ملف الغارمات تكريم حقيقي للمرأة من الجانب الاقتصادي // : الدكتورة سعاد ياسين

=

يعد ملف الغارمات من الملفات المجتمعية التي تتطلب المزيد من البحث لأنها من الملفات التي من المتوقع أن تزداد خطورتها مع تعقيد الحياة اليومية، وتجد العديد من النساء أنفسهن في السجن بعد عدم قدرتهن على دفع فواتيرهن. وعليه سوف اتناول هذا الملف من الجانب الاقتصادي أولاً والقانوني والإنساني والأسري والدولي لأهميته الكبرى وتأثيره على الأسرة بأكملها.

لذلك سعت الكثير من الدول الى إيجاد حلول مناسبة ومبادرات تمكن الغارمات اقتصاديا واجتماعيا من حيث تجفيف منابع الغرم، والحد من دخول غارمات جدد للسجون، وخفض عدد قضايا الغارمات بالمحاكم بالاضافة الى رؤية توعوية شاملة تحقق التنمية المستدامة والشمول المالي.

ونظراً للظروف الاستثنائية وغير المسبوقة التي مر بها العالم أجمع، والتي كان من أهم اسبابها تفشي فيروس كورونا والتي ادت الى زيادة الأوضاع سوءا وسببت أزمة اقتصادية كبيرة، مما نتج عنه ألغاء معظم دول العالم خارج الشرق الأوسط عقوبة حبس المدين، ليس لأنها قاسية للغاية وتنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان فحسب، بل لأنها أيضا لا تؤدي إلى السداد.

وفي هذا الإطار ومن أجل التخفيف على هؤلاء النسوة المُثقلة أكتافهن بالأعباء الاقتصادية والأسرية حيث ستواجه بالديون العديد من المشكلات والضغوط في حياتها بمجرد تحريرها من السجن. وتشمل هذه المشكلات النفسية الحزن والقلق والخوف من المستقبل، والصعوبات الاجتماعية مثل التفكك الأسري والشعور بالعزلة عن المجتمع، والقضايا الاقتصادية المختلفة، خاصة إذا كانت الأم هي العائل الرئيسي لدخل الأسرة.

وفي هذا السياق ،أثبتت مملكة البحرين ريادتها وأسبقيتها وحرصها الدائم على تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعيبفضل التوجيهات الملكية السامية من لدن صاحب الجلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفةعاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاهلتعزيز منظومة الأمان الاجتماعي وتوفير سبل العيش الكريم للمواطنين، باعتبارها محور التنمية الشاملة وغايتها وبالتوافق مع برنامج عمل الحكومة لتحقيق الأمن الاقتصادي الاجتماعي المستدام والرؤية الاقتصادية 2030 نحو بناء “مجتمع عادل ومزدهر ومتكاتف لأجل سلامة البحرين”، وإسهام في مساعدة المتضررين وسداد ديون الغارمات، إلى جانب الإسهامات التنموية والتطوعية للشركات الوطنية والمجتمع المدني. على أسس من الاستدامة والتنافسية والعدالة،

فكان دعم بنك البحرين والكويت، البنك الرائد في مجال الخدمات المصرفية للأفراد والمؤسسات في مملكة البحرين، بمبلغ مائتي ألف دينار بحريني تبرعاً لمشروع “سهم الغارمين” لتسديد ديون 50 معسر ومعسرة أنداك، بالتعاون مع صندوق الزكاة والصدقات بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف ومركز دعم المرأة بالمجلس الأعلى للمرأة، يعكس رغبة البنك المستمرة في دعم كافة المبادرات الحكومية وغير الحكومية التي تهدف إلى تعزيز التماسك الاجتماعي وتأمين الاستقرار والتنمية في المجتمع البحريني. مع الإشادة بالدور القوي الذي يلعبه صندوق الزكاة والصدقات عن طريق مساعداته القيمة لمختلف الفئات المحتاجة.

كما يقوم مركز دعم المرأة التابع للمجلس الأعلى للمرأة بمتابعة احتياجات المرأة البحرينية والتأكد من تلبيتها بأكبر قدر ممكن من الفعالية، وتُثمن هذه التحركات من قِبل التوجيهات الخاصة بصاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المفدى رئيسة المجلس الأعلى حفظها الله ورعاه للمرأة في التنسيق لسداد الديون والمبالغ المالية المستحقة على النساء البحرينيات اللاتي صدرت بحقهن أحكام قضائيةضمن القوائم التي نشرتها وزارة الداخلية بشأن تطبيق “فاعل خير”.فإن الدور الإنساني الكبير لصاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة في كافة المواقف ينعكس في هذه التعليمات حرصها الحقيقي على ضرورة توجيه الدعم والمساعدة للمتضررين.

ومن جانب اخر وسيراعلى ذات النهج وداخل حدود المملكة  الأردنية الهاشمية،تُعد فكرة حبس النساء أمرًا مكروهًا من قِبل الأردنيين المحافظين، الأمر الذي أدى إلى حالة من التعاطف مع “النساء الغارمات”، وبقيادة العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني حفظه الله ورعاهوالذي دعا المواطنين إلى القيام بتحرك جماعي وتكاتف الجهود والمشاركة الشعبية لمساعدة النساء الغارقات في الديون أو اللواتي في وضع مالي صعب وتلبية لهذه الدعوة انتشرت مؤسسات تمويل الأعمال الصغيرة في الأردن على مدى السنوات الـ 14 الماضية استجابة للدعوات الرامية إلى تمكين المرأة وزيادة استقلالها المالي. وقد استفاد من هذا التحول الاجتماعي المذهل الأشخاص المحرومين في المناطق النائية والريفية على وجه الخصوص.

وأعلن رئيس الحكومة الأردنية عمر الرزاز عن تخصيص مبلغ 750 ألف دولار من الموازنة لصندوق الزكاة الأردني لحل مشكلة الغارمات، مع تشديد الشروط على المقترضات وصناديق الشركات الدائنة.

وقامت وزارة التنمية الاجتماعية مع وزارة العدل ومديرية الامن العام بتوقيع اتفاقية تعاون بشأن سداد ديون النساء الغارمات ضمن مبادرة هيئة الهلال الاحمر الاماراتي لتسديد القروض والديون عن الغارمات الاردنيات والتي تجاوز مبلغها الاجمالي 2 مليون درهم اماراتي بواقع 400 ألف دينار أردني.

ومن جانبها أصدرت الدولة المصرية قانون رقم 152 لسنة 2020 بشأن تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر حوافز وإعفاءات وامتيازات ضريبية استفادت منها النساء بشكل كبير. وبناءًا على هذا القانون وبحسب الهيئة العامة للرقابة المالية، فقد استحوذت المرأة على النصيب الأكبر من التمويل متناهي الصغر، في عام 2020 نحو 1.97 مليون مستفيدة بنسبة 63.74%، وبأرصدة تمويل قدرها 8.19 مليارات جنيه، ساهمت تلك الأرقام -إلى حدٍّ كبير- في تعزيز النمو الاقتصادي للمرأة، والحد من وطأة الفقر، الذي يعرض فئة عريضة منهن إلى الاستدانة ومن ثم دخول السجن.

فقرار العفو عن الغارمين والغارمات قرار اجتماعي يحمل في طياته رؤية إنسانية وخصوصا أن هؤلاء الغارمين والغارمات لم تكن العقوبات الموقعة عليهم من العقوبات التي يخل الغارم أو الغارمة منه، بل إنها ناتجة عن صعوبات الحياة وهو ما يوجب على الجميع التحلي بالمسؤولية المجتمعية لحماية هؤلاء المتعثرين وحماية أسرهم جميعا

بقلم: الدكتورة سعاد ياسين – رئيس مجلس إدارة مركز الياسين للتدريب

البحرين

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة