مناقشات الموازنة.. سيطرة الهم المعيشي والأسعار والرواتب

هيمن الهمّ المعيشي وارتفاع أسعار السلع والخدمات وتراجع القدرة الشرائية للمواطن، على خطابات النواب أثناء مناقشاتهم لمشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2026، متضمنة رسائل، عكست حجم الفجوة بين تطلعات المواطنين واستجابة الحكومة لهذه التطلعات.
نبرة الخطاب النيابي وإن كانت هادئة، اتسمت بوضوح انتقاداتها وتصاعد المطالبات بإعادة صياغة المقاربة الاقتصادية الرسمية، والتوقف عن تحميل المواطنين أعباءً إضافية، في ظل أوضاع معيشية باتت تضغط بقوة على الفئات الوسطى والفقيرة منهم.
تراجع القدرة الشرائية للمواطن
وهذا بدوره، دفع نوابا إلى الإفصاح بجلاء عن أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية، أنهك الأسر، محذرين من أن استمرار هذا المسار، قد يُفاقم الاحتقان الاجتماعي، ويؤثر على الاستقرار الاقتصادي، مطالبين بوقف أي نية لفرض أي ضرائب جديدة، واعتماد نهج جاد لمعالجة العجز في الموازنة، وإطلاق مشاريع تنموية حقيقية في المحافظات، ووقف المركزية المفرطة باتخاذ القرار الاقتصادي.
واعتبروا أن غياب تنمية متوازنة، سيكرّس شعور التهميش لدى مجتمعات الأطراف، مؤكدين أن فرص العمل للشباب لم تعد تُخلق عبر وعود أو مبادرات موسمية، بل عبر رؤية إنتاجية تستند للاستثمار وإطلاق مشاريع كبرى مستدامة.
وفي هذا الإطار، فقد كانت جلسة مجلس النواب التي ترأسها رئيسه مازن القاضي، وأدار جزءا منها النائب الأول خميس عطية والنائب الثاني إبراهيم الصرايرة، بحضور رئيس الوزراء د. جعفر حسان وفريقه الوزاري، وفيها شرع النواب بخطاباتهم لمناقشة “موازنة 2026″، بعد قراءة تقرير اللجنة المالية وتوصياتها بشان الموازنة.
النواب أشادوا بجهود جلالة الملك عبدالله الثاني في تعزيز موقع الأردن إقليمياً وجذب الاستثمار، معتبرين بأن الحراك الملكي الخارجي ضاعف من الاهتمام الدولي بالوزن السياسي والاقتصادي للمملكة، وهذا بدور يتطلب من الحكومة وفق خطاباتهم، أن يترجم داخلياً. غير أن نوابا ألمحوا لضعف قدرة مؤسسات تنفيذية، منتقدين بذلك بطء الأداء الحكومي، مشددين على دعم القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، ومطالبين بزيادة رواتب هذه الأجهزة وتطوير قدراتها، في ظل التحديات الإقليمية المتصاعدة وتنامي التهديدات على الحدود.
خطة تشغيل مرتبطة
بزمن محدد
وطالب أول المتحدثين النائب إبراهيم الطراونة، بوضع خطة تشغيل وطنية مرتبطة بزمن محدد، مع تحفيز القطاع الخاص، عبر إعفاءات مشروطة بالتوظيف، وتعزيز التدريب المهني المرتبط مباشرة بسوق العمل.
ودعا النائب زهير الخشمان، متحدثا باسم كتلة الأحزاب الوسطية والاتحاد الوطني الأردني، لتوفير فرص عمل للشباب، موضحا أن الميزانية يجب أن تبنى على زيادة الاستثمارات وعمليات التصديرـ بينما أكد النائب وليد المصري، باسم كتلة عزم النيابية، أهمية الاستمرار بتنويع مصادر الإيرادات لتعزيز الاستدامة المالية، مشيرا إلى أن هناك تقدما ملموسا في تخفيف العجز رغم التحديات.
وقال النائب عيسى نصار، باسم كتلة مبادرة، إن الموازنة ليست مجرد أرقام، بل أداة لتحقيق الاستقرار المالي، وضمان العدالة الاجتماعية، ورافعة للنمو الاقتصادي المستدام، مبينا أن أبرز ما يميز الموازنة، اعتمادها على تقديرات متوازنة للإيرادات والنفقات مع زيادة محدودة، ما يشكل فرصة إستراتيجية لإعادة ضبط أولويات الإنفاق، وتحويل التحديات إلى فرص للنمو والتنمية.
كما قالت النائب ديمة طهبوب، أنه يمكن وصف موازنة 2026 بأنها خطوة لضبط العجز المالي، وتهدف لإبقائه ضمن حدود مقبولة، مع تعزيز بعض جوانب الإنفاق التنموي لدعم النمو المستدام.
الأردن ركيزة استقرار
أساسية في المنطقة
عطية، قال إن مناقشة مشروع الموازنة تأتي في وقت حساس، مؤكدا ضرورة تحقيق تكافؤ الفرص، وتحدث في كلمته، عن زيارة الوفد البرلماني الأردني إلى بروكسل، مبينا أن اللقاءات مع برلمانيين أوروبيين ورؤساء لجان مؤثرة في البرلمان الأوروبي، كان قاسمها المشترك، الإشادة الكبيرة بدور جلالة الملك، وحنكته في التعامل مع قضايا المنطقة.
وأشار عطية إلى تأكيد الجانب الأوروبي على أن الأردن، ركيزة استقرار أساسية في المنطقة، وأن هذا الدور يرتبط مباشرة برؤية جلالة الملك وقيادته، خصوصاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وحماية المقدسات، والشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ومكافحة التطرف، ودعم مسارات التنمية.
وأضاف أن البرلمان الأوروبي، شدد على أن صوت جلالته يحظى باحترام واسع في مؤسسات القرار الأوروبية، وأن مواقف الأردن تُعد مرجعية في القضايا الإقليمية، ما يشكّل رصيداً وطنياً يجب استثماره بتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي مع أوروبا.
ولفت إلى أن الزيارة تجلى فيها التقدير للأردن بقيادته وشعبه، ما يحتم علينا مواصلة دعم مسيرة الإصلاح والبناء، والانطلاق نحو شراكات أوسع تخدم مصالح وطننا، وهو الأمر الذي أكدته النائب هالة الجراح في مداخلة لها في الموضوع عينه.
وقالت النائب رند الخزوز إن النفقات المرصودة في موازنة 2026 للمشاريع الكبرى تعبر عن رؤية اقتصادية شاملة، بينما بين النائب عوني الزعبي، أن المرحلة الحالية تستدعي خططا تستند لإجراءات عملية، تشمل التوسع في بناء المدارس، واستكمال مشاريع الطرق، وتعزيز أتمتة الخدمات، وضمان انتظام تزويد المياه.
وأكدت النائب تمارا ناصر الدين، أن المنطقة ما تزال تواجه تداعيات الظروف الاستثنائية التي مرت بها، وأن التقديرات المستقبلية تتطلب قراءة متأنية، مشددة على أن تعزيز القوة والاستقرار يقتضي استمرار مسارات التحديث وفق الرؤية الملكية.
وأشار النائب هايل عياش إلى أن رؤية الموازنة، تنطلق من بناء اقتصاد متين قادر على الصمود، يسانده قطاع عام مرن قائم على الكفاءة، مؤكدا أهمية توفير بيئة استثمارية جاذبة. بينما رأى النائب سامر الأزايدة، أن الأولويات الوطنية تتطلب قرارات حيوية، من بينها معالجة أوضاع عمال المياومة، وزيادة المخصصات الموجهة للمشاريع الاستثمارية.
وأشارت النائب نور أبو غوش إلى أن بناء الوطن، لم يرتكز على الوفرة المالية بقدر ما اعتمد على عزيمة أبنائه وإخلاصهم، مؤكدة أن مسيرة الدولة قامت على صدق العمل والالتزام بالمصلحة العامة.
وأكد النائب محمد السبايلة أهمية أن تعزز الموازنة النمو والإنتاج، وأن تعتمد سياسات تشجع الشراكة مع القطاع الخاص، وتمنح الشباب فرصا أوسع في سوق العمل.
ولفت النائب جميل دهيسات إلى أهمية أن يرتكز الاقتصاد على خدمة المواطنين وتحفيز الإنتاج والريادة، ودعم المشاريع الصغيرة. بينما قال النائب محمد عقل، إن مسارات التحديث الاقتصادي والسياسي والإداري، مترابطة ولا يمكن التقدم في أحدها دون الآخر، مؤكدا أن تجاوز التحديات الاقتصادية يتطلب استمرار الإصلاحات السياسية وترسيخها.
وقالت النائب نجمة الهواوشة إن التحديات الاقتصادية تستدعي الانتقال إلى مرحلة التنفيذ. فيما أشار النائب محمد المحاميد إلى أن التحديات الاقتصادية المتراكمة تستوجب حلولا مبتكرة.
وقال النائب عبدالناصر الخصاونة، إن ضبط الإنفاق لا يعني تخفيض الخدمات بل تحسين كفاءتها بأقل تكلفة ممكنة، داعيا إلى إعادة ترتيب الأولويات لتوجيه الإنفاق نحو التعليم والصحة والبنية التحتية الإنتاجية.
وقالت النائب دينا البشير، إن العالم يتجه نحو مهارات تقنية ومهنية هي: البرمجة، والذكاء الاصطناعي، وتصميم تطبيقات الطاقة المتجددة، والأتمتة الصناعية، موضحة أن مثل هذه الوظائف هي التي تولد دخلا وتحقق تنافسية.
إعادة النظر
في سياسات الاستدانة
وفي الإطار عينه، وجّه نواب انتقادات غير مباشرة لأداء وزارات، داعين لتحسين التعليم وتطوير المناهج والبنية التحتية المدرسية، وإعادة النظر في سياسات الاستدانة لتخفيف الدين العام، وفي الوقت ذاته، أثنى آخرون منهم على أداء رئيس الوزراء وجولاته الميدانية، معتبرين بأنها تجعل الحكومة على تماس مباشر مع المحافظات، لكنهم حذروا من أن الانطباع الميداني لا يكفي، ما لم يقترن بتنفيذ فعلي للبرامج والسياسات، كما دعوا للتوقف عن الاستدانة من الهيئات المالية الدولية وتخفيض الدين العام.
في مستهل الجلسة، تلا مقرر اللجنة المالية محمد البستنجي تقرير اللجنة وتوصياتها، وآليات رفع رواتب العاملين في القطاعين العسكري والمدني والمتقاعدين، بما يعادل التضخم التراكمي، وإعادة دراسة ضريبة المبيعات، بما يراعي أثرها على دخول المواطنين، وخفض كلف خدمة الدين العام، والاستفادة من التمويل الخارجي منخفض الفائدة، مع توقع انخفاض الفائدة نصف نقطة في 2025، وعدم فرض ضرائب جديدة، أو نقل سلع إلى شريحة ضريبية أعلى، وضبط صرف مخصصات الطوارئ البالغة 60 مليون دينار للضرورات فقط، وربط نمو النفقات الجارية في الشركات الحكومية بنسبة لا تتجاوز الـ25 % من نمو إيراداتها الفعلية.
كما دعت اللجنة إلى إنشاء صندوق استثماري للمتقاعدين والعاملين لتمويل المشاريع الكبرى، ومنها مشروع “عمرة”، ورصد مخصصات كافية لملف الرديات الضريبية، وتمديد قرار تحفيز التداول العقاري وإعفاء الشقق ذات المساحة 150 م² فما دون بنسبة 100 %، و50 % للمساحات الأكبر، وإلزام البنوك، بعكس قرار خفض الفائدة على القروض بالسرعة ذاتها التي تُعكس فيها الارتفاعات، واستمرار برامج البنك المركزي التمويلية منخفضة الفائدة.
وطالبت اللجنة بإجراء تقييم شامل لأثر وقف الرقابة المسبقة، واعتماد معايير واضحة لتصنيف الجهات الخاضعة للرقابة قبل الانسحاب من التدقيق المسبق، ودراسة كفاءة وحدات الرقابة الداخلية في المؤسسات الحكومية، وتنويع البرامج السياحية في المناطق الأقل إقبالاً، وربطها بالمبيت والطيران منخفض التكاليف، والتوسع في البرامج السياحية الثقافية الموجهة للزوار العرب، وإعداد خطة تطوير تدريجية للمواقع السياحية، وطرح مشاريع شراكة مع القطاع الخاص، وربط الجمعيات الحرفية بأنماط الزوار الأكثر حضوراً.
وشددت اللجنة على أهمية استمرار خفض الفاقد المائي، والحد من الاعتداءات على الشبكات، ودعم الجمعيات التعاونية والتصنيع الزراعي لتنشيط المجتمعات المحلية، وإجراء مسوح سنوية للأغنام لضمان وصول الدعم لمستحقيه، ودعم الزراعات البديلة وفق طبيعة المناطق، ومراقبة الإنتاج وتعويض أي نقص عبر نظام إنذار مبكر لتثبيت الأسعار، وتدريب وتأهيل المعلمين على برامج “بي تك” والتوسع بتطبيقها، وتوجيه الجامعات إلى اعتماد تخصصات تقنية ومستقبلية، واستمرار دعم صندوق الطالب الفقير.
التوسع بالتدريب المهني
كما دعت للتوسع في التدريب المهني والتقني وفق معايير دولية، بخاصة لسوق العمل الألماني، وتنظيم سوق العمل، وتصويب أوضاع المخالفين، ودعم ريادة الأعمال والابتكار، خصوصاً في قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، واستكمال خطة التحول الرقمي، وتوفير الخدمات الحكومية إلكترونياً بالكامل، وتطوير بنية تحتية للذكاء الاصطناعي، وتعزيز برامج تدريب طلبة تكنولوجيا المعلومات المنتهية بالتوظيف، وتوحيد برامج دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإطلاق برامج جديدة بعد دراسة تحدياتها، ودعم المشاريع الإنتاجية الريفية ضمن برنامج موحّد، وإنشاء وحدة لحماية المستثمر، خصوصاً للسلع المتداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي، ومتابعة نتائج زيارات جلالة الملك لتعظيم فرص الاستثمار، وإعداد تغذية راجعة لقانون البيئة الاستثمارية، وتقليل البيروقراطية بإعادة هندسة الإجراءات، وتعديل نظام البيئة الاستثمارية، بما ينسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي، وتقديم حوافز إضافية للمستثمرين في المحافظات، وتمديد إعفاء رسوم الأبنية 75 %، وزيادة مخصصات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية لتعزيز الجاهزية.

