ندوة تناقش كتاب الدروبي “مجامع اللغة في دمشق وعمان في عهود الهاشميين”

عقد مجمع اللغة العربية الأردني في مقره، ندوةً علميةً لمناقشة كتاب: “مجامع اللغة العربية في دمشق وعمان في عهود الهاشميين”: (1338-1443هـ / 1918-2021م)، الصادر عن وزارة الثقافة الأردنية، لأستاذ الأدب العربي في جامعة مؤتة الدكتور سمير الدروبي.
شارك في النقاش، إلى جانب مؤلف د. الدروبي، كل من الدكتور همام غصيب، والدكتورة خلود العموش المشاركة في علم اللغة والنحو في الجامعة الهاشمية، بحضور الأمين العام الدكتور محمد السعودي وعدد من الأعضاء العاملين وجمهور من المفكرين والمهتمين.
استهل الدكتور الدروبي الندوة بذكر بعض الأسباب والدوافع التي حدت به لتأليف الكتاب، ولخصها بالاهتمام البحثي بموضوع التعريب والترجمة، والعناية بمجامع اللغة العربية نشأة وتاريخاً وإنجازاً وأهدافاً، وشيوع بعض الأفكار الخاطئة عن المجمع العلمي العربي بدمشق الذي أنشئ في عهد الحكومة الفيصلية، وتناقل بعض المؤرخين معلومات خاطئة عن المجامع، وتشكيك بعض الباحثين الأردنيين بوجود مجمع في عهد الإمارة وأنه لم يقم أصلاً، وعدم معرفة رجال المجامع العربية بمجمع الإمارة وجهوده، ومحاولة الكشف عن دور مجمع الإمارة في النهضة اللغوية، والرغبة بالمشاركة العلمية في مئوية الدولة الأردنية. وأشار إلى تنوع وتعدد المصادر والوثائق التي رجع إليها ليرى هذا المنجز النور.
وتأتي أهمية هذا البحث من أن الدراسات السابقة في موضوع المجمع، لم تكشف الظروف السياسية والملابسات التاريخية التي نبت المجمع في أرضها، ولم يكشف بعض الباحثين عن الدوافع التي حدَت بمحمد كرد علي لطرح فكرة إنشاء المجمع على الحكومة العربية، فضلاً عن تسليم أغلب الباحثين بأن الضائقة المالية هي التي أدت إلى تعطيل المجمع. كما يسعى البحث إلى الكشف عن دور السياسة، ومواقف الأحزاب السياسية التي أدت إلى تجميد المجمع، ووقف دوره العلمي.
وتناول الدكتور غصيب الإنجاز الكبير الذي نهض به المؤلف، وقدم أمثلة على ما جمعه بالوثائق والمصادر والمعلومات؛ أبرزها ما كتبه باستفاضة عن “المجمع العلمي العربي في الشرق”؛ أي مجمع عمّان الذي أصدر الأمير عبد الله (الملك المؤسس عبد الله الأول طيب الله ثراه) إرادته الأميرية “المطاعة” بتأسيسه في 17/7/1923. فما كنا “نعرفه” عنه قبل صدور هذا السفْر القيم لم يتعد بضعة سطور أو بضع صفحات على الأكثر، ملأى بالأخطاء!
وركز غصيب في حديثه حول مجْمع عمّان على درسين بليغين من هذه الإرادة؛ الأول: أن اللغة العربية كانت من أولى الأولويات لدى الملوك الهاشميين. والثاني: أن مجْمع عمّان -بعد معاينة قائمة الأعضاء- استطاع أن يجمع بين جنباته المشرق العربي بأسره!
وتابع: “أما ما أتحفتنا به، الدكتور سمير، في الفصول الثلاثة الأولى (ص 15-207) من الجزء الثالث من هذه الموسوعة، فقد جب كل ما سبقه في هذا الموضوع على الإطلاق. ذلك أنه غاص في بحار الوثائق والمصادر الأصلية، واستخرج الأصداف واللآلئ والتفصيلات وتفصيلات التفصيلات، وصنف كل ذلك باقتدار وإتقان، ووضعه في سياقاته التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. فأتى بما لم تأت به الأوائل.
وانتقل غصيب إلى المحور الرئيسي، وهو موضوع “حملة “مجمعنا الحالي” لتعريب التعليم العلمي الجامعي، لأنه كان شاهد عيان في هذه الحملة، أما المطلب الأول، فمعني بتعريب العلوم عند العرب قديمًا وحديثًا، والمطلب الثاني يعنى بالصدى والتقويم للمرحلة الأولى من عملية التعريب. وتابع: المطلب الأول، إذن، يمهد للثاني؛ مرسخًا أهمية الترجمة العلمية في حضارتنا العربية الإسلامية وعراقتها. لكنه لم يكتف بإنجازات العصور الذهبية الأولى أيام الرشيد والمأمون و”بيت الحكمة”؛ بل نظر أيضًا في المحاولات المذهلة في هذا المجال أيام محمد علي باشا الكبير، بعد اندحار حملة نابليون بونابرت على مصر، وما تبع ذلك من حركة مباركة في المحروسة نفسها وفي لبنان. ولم يتردد المؤلف في الإشارة إلى المؤتمرات الكثيرة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي التي دعت إلى “تعريب العلوم” بالخطب الرنانة. وحسبه أنه وضع حملة مجمعنا لتعريب العلوم في سياقها التاريخي الحضاري الثقافي.
وبين أن المؤلف انتقل بكل سلاسة إلى حملة مجمعنا لتعريب التعليم العلمي الجامعي. وهي حملة امتدت بين العامين 1979 و1997، أصدر المجمع خلالها اثنين وعشرين مجلدا ضخما في فروع علمية مختلفة.
وقدمت الدكتورة خلود العموش قراءة ضافية للكتاب؛ إذ عرضت مشكلة الدراسة وأهميتها، ومحتوياتها، وأفكارها، وتوقفت طويلاً مع سؤال المنهج الذي اعتمدت عليه الدراسة.
ووقفت عند المحطات البارزة في الدراسة، وأبانت عن جَلَد الباحث وصبره وأناته في تناول مفرداتها، وحسن تتبعه للمسائل، وأنه لم يقتصر على التوثيق، بل تعداه إلى التحليل والمناقشة وموازنة الآراء، وعالج قضاياها بأمانة علمية عزّ نظيرها، وموضوعية فائقة، وقدم صورة أمينة لفترة مبكرة شهدت أحداثاً عظاماً، وشهدت اضطرابات سياسية، وضاعت كثير من وثائقها، وغابت شخوصها.
وقالت إن هذه الدراسة ستعد مرجعاً أميناً ودقيقاً يأوي إليه الباحثون الذين يسعون إلى الكشف عن سؤال البدايات في نشأة المجمع العلمي العربي بدمشق، والمجمع العلمي العربي في إمارة شرق الأردن العام 1923، ثم مجمع اللغة العربية الأردني في عمان العام 1976، وإنجازات هذه المجامع، والتحديات التي رافقت نشأتها.
والباحث الدروبي قد قام بعمل فريق من الباحثين؛ إذ إن تتبع رحلة المجامع اللغوية في عهود الهاشميين في دمشق وعمان لم يكن عملاً سهلاً، بل اكتنفته مصاعب جمة، ليس أقلها ضياع كثير من البيانات، وتناقض الأقوال في كثير من المسائل. لكنه تغلب عليها بروح الباحث المحقق الشجاع.
وأشارت، في نهاية عرضها، إلى جملة من التوصيات التي يمكن الأخذ بها في الطبعات المقبلة.

الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة