نقص المياه يطيح بمشاتل زراعية في جرش ويفقد أصحابها مصادر دخلهم

جرش – اضطر أصحاب مشاتل زراعية في محافظة جرش إلى إغلاقها، بسبب نقص المياه وضعف الضخ من العيون والينابيع التي يعتمدون عليها في ري تلك الأشتال، رغم أنها تعد مشاريع تشكل مصادر دخل للعديد من الشباب المتعطلين عن العمل وكذلك عائلات، ممن يتخذون من ساحات وحدائق منازلهم مشاريع إنتاجية يعتاشون منها.

وأكد عاملون في مشاتل زراعية، أن سبب الإغلاق هو قلة المياه، حيث كانوا يعتمدون على مياه العيون والينابيع القريبة من منازلهم في ري المزروعات، إلا أن تداعيات التغيرات المناخية وقلة الهطول المطري أدت إلى تراجع كميات المياه بنسب كبيرة جدا، بينما ري المشاتل يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه لنجاح زراعتها ونموها بشكل مناسب للبيع.
فضلا عن ذلك، فإن من بين الأسباب الأخرى، زيادة الطلب على مياه الشرب وتراجع الكميات المتوفرة؛ حيث ارتفعت أسعار المياه التي تباع من خلال الصهاريج الخاصة، بسبب تراجع الكميات المتوفرة، مع عدم قدرة أصحاب المشاتل على شراء المياه من الصهاريج بأسعار مرتفعة، خصوصا أنهم يحتاجون إلى ري الأشتال مرتين يوميا، وتقدر تكلفة أثمان المياه عليهم بـ900 دينار شهريا.
المزارع بهجت البرماوي من قضاء برما، اضطر إلى إغلاق المشتل الزراعي الذي كان يديره هو وأبناؤه في ساحة منزله، مستغلا وجود منزله بالقرب من إحدى عيون الماء في قضاء برما، خصوصا أن كميات المياه المتوفرة تراجعت ولا تغطي حاجة الأشتال الزراعية، ومن المتوقع أن يتوقف تدفق المياه في الأسابيع المقبلة، نظرا لارتفاع درجات الحرارة وقلة تدفق المياه من العيون والينابيع بشكل عام، مما يشكل خطرا على الأشتال، الأمر الذي اضطره إلى بيعها وإغلاق المشروع وتجديده في السنوات المقبلة، اعتمادا على كمية المياه من العيون والينابيع.
يقول البرماوي إن المشاتل الزراعية أصبحت وجهة للتنزه في محافظة جرش، فضلا عن أنها مشاريع إنتاجية توفر منتجا زراعيا، وتستثمر مياه العيون والينابيع ومياه نهر وادي الذهب في جرش، وتوفر فرص عمل لآلاف الشباب المتعطلين عن العمل، لا سيما أنها أصبحت مقصدا للمواطنين والمزارعين على مستوى المملكة، ويرتادها الزوار من مختلف المحافظات، خاصة في هذه الفترة التي تعد ذروة موسم الإنتاج، إلا أن التغيرات المناخية انعكست سلبا على هذه الصناعة، وتسببت في تراجع الإنتاج وإغلاق أغلب المشاتل الزراعية بسبب مشكلة المياه.
مشاتل تعمل بكامل طاقتها
ووفق المهندس محمد القادري، صاحب مجموعة من المشاتل الزراعية في جرش، فإن المشاتل الزراعية تنتشر على طول الطريق الدولي الذي يربط العاصمة بمحافظتي جرش وعجلون، وبالقرب من مصادر المياه، في سبيل استثمار الميزات السياحية والمناخية والجغرافية لمحافظة جرش.
وقال إن المشاتل الزراعية كثيرة ومتعددة، وبعضها يعمل بكامل طاقته الإنتاجية في محافظة جرش، نظرا لطبيعة المحافظة الزراعية وقربها من العاصمة والمحافظات وسهولة الوصول إليها، حتى أصبحت مقصدا سياحيا زراعيا على مستوى المملكة، فضلا عن أنها محافظة زراعية وتحتاج إلى هذه المشاتل على مدار العام.
ولفت القادري إلى أنه من بين الأمور التي زادت الطلب على المشتل؛ التغيرات المناخية والتطورات الزراعية الحديثة، وتغيير الأنماط الزراعية من زراعات تقليدية إلى زراعات حديثة ومنتجة، وتعطي ثمارا ذات جدوى اقتصادية وتغطي تكاليف العمل، فضلا عن اعتماد هذه الأشتال على مصادر مائية عذبة ونظيفة، وهذا ينعكس على نوع وحجم الإنتاج.
ويعتقد القادري أن الاستثمار يتجه حاليا نحو استصلاح الأراضي وتحويلها من أراض بعلية وغير مستثمرة إلى أراض زراعية بمشاريع سياحية زراعية، للاستفادة من الميزات السياحية في محافظة جرش، وهذا يحتاج إلى توفر أنواع جديدة وحديثة ومطورة من الأشتال التي تتطابق مع التغيرات المناخية والجغرافية الحالية لضمان نجاح زراعتها.
وفي المقابل، وبجهود فردية وتكاليف بسيطة، تحولت أفكار شبان في محافظة جرش إلى مشاريع ريادية مدرة للدخل، أخرجتهم من أزمة التعطل وعناء البحث العقيم عن فرص العمل، بعد أن استغلوا ما توفر لديهم من مساحات، حتى وإن كانت بسيطة، حول منازلهم، وأنشأوا مشاتل زراعية خاصة، تضم مختلف أصناف الأشتال وأكثرها طلبا.
عدم القدرة على شراء المياه
عدي العياصرة، أحد الشبان الذي أنشأ مشروع مشتل زراعي، ولاقى نجاحا باهرا نظرا لحاجة المزارعين لأنواع وأصناف وأحجام مختلفة من الأشتال الزراعية، لا سيما مع التوجه لتغيير الأنماط الزراعية.
يقول العياصرة، عن مشروعه الذي أقامه قبل 8 سنوات، إنه يوفر حاليا 5 فرص عمل موسمية و3 فرص دائمة، بينما يشهد إقبالا جيدا نظرا لحاجة المزارعين للأشتال الزراعية على مدار العام.
وبين أنه اهتم في مشروعه بتوفير الأصناف الحديثة من الزراعة، ليلبي حاجة المزارعين الذين بدأوا يتوجهون لهذا النمط من الزراعة.
ويعتقد العياصرة، أن سبب نجاح مشروعه الذي أقامه بتمويل ذاتي متواضع، هو قربه من عين مياه دائمة الجريان وتوفر المياه للمشتل على مدار العام، ووجوده في منطقة زراعية فيها مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، ويحتاج فيها المزارعون إلى أصناف وأحجام وأشكال مختلفة من الأشتال على مدار العام.
وأوضح أنه قام بتقليل كميات الأشتال وبيعها بأسعار أقل من التكلفة، نظرا لقلة التزويد المائي من نبع المياه التي يعتمد عليها في ري المزروعات في بلدة ساكب، نظرا لعدم قدرته على شراء المياه من الصهاريج الخاصة، وتراجع كميات المياه بسبب التغيرات المناخية، مما يشكل خطرا على الأشتال التي تحتاج إلى الري بشكل متواصل للحفاظ عليها وضمان نموها وريها، فضلا عن أن هذا المشروع يوفر دخلا لأسرته لا يقل عن 300 دينار شهريا في السنوات السابقة.
وقبل بضع سنوات، توجه مئات من الشبان المتعطلين عن العمل إلى الاعتماد على أنفسهم في توفير فرص عمل، ومن أبرز الفرص الاستثمارية الجديدة المشاتل الزراعية، التي لا تحتاج إلى تمويل كبير، وتوفر فرص عمل ودخلا ثابتا، ويقف نجاحها على توفر كميات مناسبة من المياه التي تتوفر في العيون والينابيع المنتشرة بكثرة في قرى وبلدات جرش، خصوصا في قضاء برما ولواء المعراض وبلدة سوف، وهذه القرى تتميز بانتشار واسع لعيون وينابيع مياه في مواقع متفرقة وقريبة من الأحياء السكنية.
تنظيم عمل المشاتل ومساعدة أصحابها
الشاب محمد الغدايرة، هو الآخر وجد نفسه مضطرا، وبعد سنوات من التعطل وندرة فرص العمل، بأن يعتمد على نفسه بإنشاء مشروع يدر له دخلا.
يقول الغدايرة، الذي وجد في مشروع المشتل ضالته “جرش لا يتوفر فيها فرص عمل، ولا مشاريع استثمارية، وعلى الشباب الاعتماد على أنفسهم بإيجاد مشاريعهم الخاصة”.
وأوضح الغدايرة، وهو خريج كلية الزراعة “منذ سنوات لم أحصل على أي فرصة عمل، حالي كحال آلاف المهندسين الزراعيين وخريجي أقسام الزراعة في جرش، قمت بإنشاء مشروعي الصغير مستغلا وجود مساحة صغيرة من الأرض بجانب إحدى عيون المياه، الآن مشروعي ناجح وأساعد أهلي بجزء من مصاريف المنزل”.
بدوره، أكد مصدر مطلع في زراعة جرش أن عدد المشاتل الزراعية في محافظة جرش والمسجلة تجاريا ومرخصة لا يقل عن 70 مشتلا زراعيا، ويرتفع العدد بين الحين والآخر، وكل مشتل يحتاج إلى ترخيص وإجراءات قانونية عادية غير مكلفة، وإنما هدفها تنظيم عملها ومراقبتها ومساعدة أصحابها وإرشادهم زراعيا من قبل المختصين في زراعة جرش.
ولفت إلى انتشار المشاتل الزراعية المنزلية، إذ يوجد العشرات من هذه المشاتل في حدائق منزلية، وهي استثمارات بسيطة لأسر ذات دخل محدود، وفي حال توسعتها يتم متابعتهم وإلزامهم بالترخيص، غير أن أغلبها ما يزال في مراحل أولية وتحت التأسيس.

صابرين الطعيمات/الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة