هل باتت دمشق وتل أبيب على أعتاب اتفاق سلام برعاية أميركية؟

في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة، عاد الحديث مجددا عن إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام سوري-إسرائيلي، مدفوعا بجملة من المتغيرات الجيوسياسية، من بينها عودة دول عربية إلى التعاطي مع النظام السوري بعد عزلة طويلة فرضتها سنوات الحرب، فضلا عن التوجه إلى توسيع نطاق ما يسمى “اتفاقيات أبراهام” لتشمل دولا عربية أخرى.
ومع أن الفكرة لم تعد مستبعدة كما في السابق، إلا أن محللين يرون أن تحقيقها على أرض الواقع ما يزال محفوفا بعقبات داخلية وإقليمية معقدة.
ويوم الجمعة الماضي، كشفت إحدى فضائيات الاحتلال نقلا عن مصدر سوري لم تُفصح عن هويته، أن سورية والكيان الصهيوني بصدد التوصل إلى اتفاق سلام شامل بحلول نهاية العام 2025، في تطور وصفته القناة بـ”الاختراقي” في مسار العلاقات بين الجانبين.
ووفقا للمصدر، فإن الاتفاق المزعوم يتضمن تحويل مرتفعات الجولان إلى ما يسُمى “حديقة سلام”، تكون منزوعة السلاح وخاضعة لترتيبات أمنية خاصة، في خطوة يُفترض أن تمهد لتطبيع كامل للعلاقات بين دمشق وتل أبيب.
وأضاف، إن الاتفاق ينص على انسحاب تدريجي لقوات الاحتلال من الأراضي السورية التي احتلتها بعد اقتحام المنطقة العازلة في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، بما في ذلك قمة جبل الشيخ، ذات الأهمية الإستراتيجية العالية.
ولم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من الجانب السوري أو الإسرائيلي بشأن هذه المزاعم، التي أثارت جدلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الأوساط السياسية والإعلامية نظرا لحساسية الملف، خصوصا ما يتعلق بهضبة الجولان المحتلة، التي تُعد من أبرز رموز الصراع العربي–الإسرائيلي، وسبق أن رفضت دمشق على مدى عقود تقديم أي تنازلات بشأنها.
وجاءت هذه التسريبات في وقت تتكثف فيه المباحثات الإقليمية حول توسيع دائرة اتفاقيات التطبيع المعروفة بـ”اتفاقيات أبراهام”، والتي بدأت عام 2020 برعاية أميركية وشملت حتى الآن عدة دول عربية.
وطُرح اسم سورية مؤخرا ضمن سياق هذه التحركات، في ظل تغيرات داخلية وإقليمية متسارعة، ومؤشرات على إعادة التموضع السياسي للنظام السوري بعد أكثر من عقد من العزلة.
تحديات سورية داخلية
وكانت إسرائيل وسعت نطاق عملياتها العسكرية داخل الأراضي السورية خلال الأعوام الماضية، تحت ذريعة التصدي للنفوذ الإيراني، وفرضت أمرا واقعا في الجنوب السوري، خصوصا في المناطق القريبة من الجولان.
ويرى مراقبون أن التحكم الإسرائيلي بالأجواء السورية ووجوده العسكري جنوبا يمنح تل أبيب موقعا تفاوضيا أقوى في أي مسار سلام محتمل.
في المقابل، تواجه سورية تحديات داخلية هائلة، تشمل أزمة اقتصادية خانقة، وبنية تحتية مدمرة، وانقسامات سياسية واجتماعية عميقة، ما يجعل من مسار “السلام مع إسرائيل” قضية شديدة الحساسية داخليا، وقد تُقابَل برفض شعبي إن لم تتوافر ضمانات واضحة تُعيد كامل الحقوق السورية، وتضمن عدم المساس بالسيادة الوطنية.
ويرجحون أن أي اتفاق من هذا النوع -إن صحت التسريبات- سيتطلب ضمانات دولية صارمة وموافقة موسكو وطهران نظرا لدورهما الحاسم في الملف السوري، كما سيتطلب توافقا داخليا يصعب تحقيقه دون إصلاح سياسي واسع يسبق أو يترافق مع المسار التفاوضي.
صعوبة التغيرات الجذرية
في هذا الصدد، يرى الباحث والمحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة، أن المنطقة قد تشهد تحولا مهما في طبيعة العلاقات الإقليمية، إلا أنه حذر من المبالغة في التوقعات بشأن إحداث تغييرات جذرية في المدى القريب.
ولفت السبايلة إلى أن التعقيدات المحيطة لا تقتصر على العلاقة الثنائية بين سورية ودولة الاحتلال فحسب، بل تمتد لتشمل مشهدا إقليميا أكثر تشابكا.
وأشار إلى أن ثمة مؤشرات تدل على أن الأمور قد تتجه نحو تغيير نوعي في التعاطي الإسرائيلي مع الجغرافيا السورية، معتبرا أن ما يجري يمثل لحظة مفصلية قد تسهم في إعادة تشكيل التوازنات، خصوصا إذا أدرجت التطورات ضمن مسار توسيع “اتفاقيات أبراهام”.
وبحسب رؤيته، فإن انتقال دولة الاحتلال إلى التفكير في سورية ضمن معادلات سياسية واقتصادية أوسع يُعد تطورا لافتا، وقد يحمل فرصا جديدة في حال نُفذت خطوات تتجاوز الإطار التقليدي للاتفاقيات الإبراهيمية.
وعلى الرغم من هذه الإمكانات، شدد السبايلة على أن نجاح مثل هذا التحول يبقى رهينا بعدة عوامل، أبرزها مدى قدرة الأطراف المعنية على إدارة التغييرات بحكمة وتأنٍ، مشيرا في الوقت ذاته إلى بعض المؤشرات الإيجابية التي بدأت تبرز في أداء الإدارة السورية الجديدة، والتي قد تتيح مجالا للتفاهمات، خصوصا في ما يتعلق بالملفات الاقتصادية ذات الطابع الإقليمي.
وأشار إلى أن الفرص المتاحة ما تزال في طور التشكل، وأن السير في هذا المسار قد يحتاج إلى وقت وإرادة سياسية قادرة على تجاوز التحديات البنيوية.
واعتبر أن أي اتفاق مستقبلي لا بد أن يتجاوز الطابع الرمزي أو السياسي، ليُلامس مجالات التعاون العملي والتنمية المستدامة.
وخلُص إلى أن المشهد لا يخلو من التعقيد، لكن وجود ديناميكيات متحركة في الإقليم قد يفتح الباب أمام مقاربات جديدة، مشددا على أن التحول المنشود، وإن لم يكن سهل التحقيق، بات مطروحا كاحتمال قابل للنقاش أكثر من أي وقت مضى.
اتفاق وارد برعاية أميركية
بدوره، أكد رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات أن احتمال التوصل إلى اتفاق سوري–إسرائيلي برعاية الولايات المتحدة ليس مستبعدا، إلا أنه أشار إلى غموض كبير يحيط بجوهر مثل هذا الاتفاق.
وتساءل عما إذا كان ذلك سيشمل التنازل عن هضبة الجولان أو الانسحاب من الأراضي التي احتلتها دولة الاحتلال مؤخرا، معتبرا أن مثل هذه التنازلات قد تُثير تداعيات داخلية معقدة.
وأوضح شنيكات أن أي اتفاق من هذا النوع، إن لم يستند إلى أسس واقعية ومتينة، قد لا يصمد طويلا، بل وربما يُشعل فتيل صراع داخلي في سورية، لا سيما في ظل هشاشة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقال: إن النظام السوري الجديد ما يزال في طور إعادة التشكل، ويواجه تحديات عميقة تتعلق بإعادة البناء وإصلاح الدولة بعد أعوام من الحرب والدمار التي أضعفت البنية المؤسسية وشردت المجتمع، ما يجعل من ملف “السلام مع إسرائيل” ملفا ثانويا لا يحتل الأولوية بالنسبة للسوريين في هذه المرحلة.
وأشار إلى أن سورية اليوم غارقة في ملفات معقدة، أبرزها البطالة والفقر وارتفاع المديونية واختلالات في الموازنة العامة، فضلا عن الحاجة إلى مصالحة داخلية تُعيد الحد الأدنى من التماسك الاجتماعي.
وفي ظل هذه الظروف، يرى شنيكات أن الانخراط في عملية سلام مع دولة الاحتلال قد لا يجد حاضنة شعبية، ما لم يتم بناؤه على أسس تحترم السيادة السورية وتراعي التوازنات الداخلية.
ونبه إلى أن دولة الاحتلال تدرك حجم الأزمة الداخلية السورية، وتُحاول استثمارها سياسيا وعسكريا، من خلال تكثيف الضغط في الجنوب السوري، حيث تمتلك نفوذا جويا وعسكريا واضحا.
واعتبر أن تل أبيب قد تسعى، عبر هذا الواقع، إلى فرض اتفاق يُلبي مصالحها بالدرجة الأولى، إلا أن أي اتفاق لا يحظى بشرعية داخلية سورية حقيقية، سيبقى عرضة للانهيار في أول اختبار سياسي أو أمني.
وحذر شنيكات من أن فرض اتفاق غير متوازن قد يُنتج رفضا شعبيا وحتى مؤسساتيا داخل سورية، ما قد يُربك عمل الحكومة الجديدة ويُقوض قدرتها على تثبيت أي مخرجات سياسية.
وأضاف: “حتى وإن بدا مثل هذا الاتفاق فرصة لإسرائيل، إلا أن محاولة استثماره في ظل وضع سوري مأزوم قد تنقلب لاحقا بنتائج عكسية، ليس على سورية فقط، بل على استقرار المنطقة بأسرها”.