هل تسهم الشراكة مع “الخاص” في الأبنية المدرسية بتجاوز تحديات القطاع؟

عاودت مقترحات وتوصيات سابقة لخبراء تربويين بتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال الأبنية المدرسية، الطفو على السطح من جديد، لكن هذه المرة بموجب احد محاور المبادرات والأولويات لقطاع التعليم خلال العام 2023 المرتبطة بالبرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي.
وفيما نص برنامج “التحديث الاقتصادي” للتعليم العام على تعزيز الاستثمار والشراكات مع القطاع الخاص، اشار هؤلاء الخبراء إلى اهمية تعزيز هذا المحور كونه يعد توجها استراتيجيا وخطوة في الاتجاه الصحيح.
وبينو   أن الشراكة مع القطاع الخاص في مجال مشاريع الأبنية المدرسية ستساهم في معالجة التحديات الكبيرة التي تواجه وزارة التربية والتعليم بهذا الشأن نتيجة الزيادة السكانية، وهجرة الطلبة من المدارس الخاصة الى الحكومية، فضلا عن الهجرات القسرية، وغيرها.
وأوضحوا ان هذه الشراكات من شأنها أن تسهم في تحسين المخرجات التعليمية وتمكين القطاع الحكومي المدرسي من الاستفادة من الإمكانات المالية، والإدارية، والتنظيمية، والفنية، والتكنولوجية الذي يتمتع بها القطاع الخاص.
وفي هذا الصدد، أكدت الامين العام لوزارة التربية والتعليم للشؤون الادارية والمالية الدكتورة نجوى القبيلات أن الوزارة تواجه تحديات كبيرة تتمثل بالزيادة السكانية، إضافة إلى وجود عدد من المدارس المستأجرة، وأخرى تقدم خدماتها بنظام الفترتين، فضلا عن مشكلة نزوح اللاجئين السوريين، ما أدى إلى ضغوطات إضافية كبيرة على المرافق والبنية التحتية للمنشآت التعليمية، واكتظاظ الغرف الصفية، فضلًا عن الحاجة الأساسية إلى تحسين البنية التحتية للمدارس.
ولتناول هذه التحديات ومواجهتها، بحسب القبيلات، قدرت وزارة التربية والتعليم حاجتها لإنشاء 600 بناء مدرسي جديد على مدى العقد المقبل، بما يتواءم مع الخطة الإستراتيجية للتعليم مع إطار العمل الدولي للتعليم 2030.
وقالت إن الوزارة قامت بإطلاق مشروع ريادي لإنشاء 14 مدرسة حكومية كمرحلة تجريبية أولية في مواقع تم اختيارها في كل من محافظة العاصمة، ومأدبا، والزرقاء، وذلك ليتم تنفيذها بأسلوب الشراكة بين القطاعين العام والخاص باستخدام نموذج التصميم، والبناء، والتمويل، والتشغيل، والصيانة والتحويل (DBFOMT).
وأضافت ان هذا المشروع يتطلب إشراك مستثمر من القطاع الخاص لتولي مسؤوليات تصميم المدارس وإنشائها وتشغيلها على مدى عدة سنوات قبل تحويلها إلى الوزارة، حيث سيتم استخدام مصادر الطاقة المتجددة البديلة لتوفير الطاقة الكهربائية لهذه المدارس، وستبقى الوزارة مسؤولة عن إدارة العملية التعليمية.
كما قامت الوزارة، وفق قبيلات، بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية (IFC) بدعم من البنك الأوروبي لإعادة التنمية والإعمار (EBRD)، بإعداد دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، ووثائق العطاء التي تم طرحها للجهات المتأهلة تأهيلًا أوليًا.
وبينت أن المشروع يهدف إلى توفير البيئة الأكاديمية، وتعزيز القدرات التعليمية للمعلمين والطلبة، ومواكبة التطورات التكنولوجية في استخدام مصادر الطاقة المتجددة والبرامج الأكاديمية، علاوة على دعم البنية التحتية التعليمية في جميع أنحاء المملكة.
وكانت غالبية المدارس الحكومية قد واجهت في بداية العام الدراسي الحالي تحديا في استيعاب الطلبة المنقولين من القطاع الخاص الى الحكومية، التي تعاني اصلا من اكتظاظ في غرفها الصفية، الامر الذي اضطر العديد منها إلى وضع طلبة على قوائم الاحتياط، أو ما يسمى “قوائم الانتظار”.
ويعد انتقال الطلبة من المدارس الخاصة الى الحكومية امرا روتينيا يحدث سنويا، اذ تتراوح اعداد المنتقلين بين 30 ألفا و50 ألفا، وتسببت جائحة كورونا وتفعيل نظام التعليم الالكتروني (عن بعد) بقفزة هائلة في أعداد المنتقلين خلال العامين 2020 و2021، حيث بلغ عددهم من الخاصة الى الحكومية في هذه الفترة نحو 200 ألف طالب وطالبة، وهو عدد لم يسبق تسجيله.
وبلغ عدد المنتقلين من المدارس الخاصة إلى الحكومية هذا العام أكثر من 30 ألفا، في حين بلغ عدد المنتقلين من المدارس الحكومية الى الخاصة نحو 21 الفا.
وبهذا الصدد، قال مدير ادارة التخطيط والبحث التربوي في وزارة التربية والتعليم سابقا الدكتور محمد أبو غزلة إن البيئات التعليمية المادية والمعنوية والصحية تلعب دورا أساسا في تحديد نوع ومستوى مخرجات العملية التعليمية.
وأوضح ابو غزلة ان المبادرات ركزت على الشراكة مع القطاع الخاص لاسيما في مجال مشاريع الأبنية المدرسية لمعالجة التحديات الكبيرة التي تواجه الوزارة في مجال البيئة المدرسية خاصة نتيجة الزيادة السكانية، وهجرة الطلبة من المدارس الخاصة الى الحكومية، والهجرات القسرية وغيره، والذي رتب التحول لنظام الفترتين في عدد كبير من المدارس وارتفاع في عدد الأبنية المدرسية المستأجرة.
واضاف ابو غزلة أنه آن الأوان لترجمة الشراكة الحقيقية بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص وفي جميع المجلات، فلم يخل أي توجيه ملكي أو خطاب أو برنامج عابر للحكومات أو تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي عن التعليم أو خطط التطوير القطاعية والتقارير الوطنية والدولية من أهمية تبني الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
كما أنه من المهم، بحسب ابو غزلة، أن يتم تعزيز مشاركة واستثمارات القطاع الخاص في مجال التعليم بجوانبه كلها، ومنها تطوير توظيف التكنولوجيا في التعليم مع أهمية الاستمرار في تطوير البنية التحتية للمدارس من إنشاء للأبنية والمرافق.
وقال أبو غزلة ان على الحكومة أيضا زيادة المخصصات المالية لإنشاء الأبنية المدرسية، بالإضافة الى تقديم القائمين على خطة الاتصال برامج توعية لحفزهم على الدعم والعمل على طمأنة المجتمع بأن هذه المبادرات لا تصب في خصخصة التعليم.
وشاركه الرأي الخبير التربوي الدكتور محمود المساد الذي قال إن أبرز التحديات التي تواجه وزارة التربية والتعليم في العقود الثلاثة الأخيرة تمثلت في الأبنية المدرسية، وهي تحديات تفاقمت مؤخرا، نتيجة الزيادة السكانية الطبيعية والهجرات من دول شقيقة متعددة.
وتابع أن هذا الأمر تسبب بازدياد نسبة الأبنية المدرسية المستأجرة ومدارس الفترتين، وهذا كله يؤثر على نوعية التعليم ومستواه، خاصة وأن امكانيات الوزارة محدودة ولا تستطيع أن تلبي كل احتياجاتها من الأبنية المدرسية.
وأشار المساد إلى أن نجاح هذه المبادرة يتوقف على شفافية المجتمع وتوجيهاته في تقديم عونه التطوعي لبناء المدارس الحكومية، وهذا يتطلب حملة توعوية مكثفة تشرح وتدعم هذه المبادرة – من خلال التواصل المباشر وغير المباشر – لتبين أن المدارس هي مساجد للعلم تخدم المجتمع وتعمل على تنويره واكتسابه للقيم الدينية.
بدوره، قال الخبير التربوي عايش النوايسة إن الشراكة بين القطاعين العام والخاص يعد توجها استراتيجيا وخطوة في الاتجاه الصحيح ويجب تعزيزه.
واضاف النوايسة ان هذه الشراكة ستساهم في ايجاد حل للتحديات التي تواجها “التربية” في هذا المجال، متمثلة بوجود اكتظاظ بالغرف الصفية وانتقال الطلبة من القطاع الخاص الى الحكومي بأعداد كبيرة، خصوصا في الفترة الاخيرة بسبب الجائحة واللجوء إلى نظام الفترتين، والمستأجرة لاستيعاب الاعداد المتزايدة من الطلبة وغيرها.
واشار إلى ان بناء المدارس بأسلوب الشراكة مع القطاع الخاص يعد امرا ايجابيا كونه سيسهم في تحفيز الاقتصاد وايجاد فرص عمل بالقطاع الخاص بالإضافة الى مساهمتها في حل المشكلات التي يواجهها القطاع التعليمي.

آلاء مظهر/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة