وادي الأردن: المسطحات المائية المكشوفة ما تزال “تصيد” الأطفال

الشونة الجنوبية – تخيم رهبة الموت حالياً على سماء بحيرة سد الكرامة الذي تم بناؤه ليضخ الحياة للأرض والإنسان، غير أنه بات شبحا يلتهم أرواح أبرياء كسائر المسطحات المائية في وادي الأردن، ليس لهم ذنب سوى أنهم أرادوا الترويح عن أنفسهم.
حادثة غرق الأشقاء محمد وطلال وسلمى وأنوار كانت الأكثر مأساوية وحزنا التي تشهدها المنطقة، أربعة أطفال في عمر الزهور من أسرة واحدة لقوا حتفهم لأنهم لم يجدوا أي حاجز يمنعهم من الوصول إلى مياه السد التي لا تبعد عن سكنهم سوى عشرات الأمتار.
ويروي شهود عيان أنه جرى الإبلاغ عن فقدان الأطفال بعد ظهر يوم أول من أمس، فانتشر الأهالي للبحث عنهم في رحلة استمرت قرابة خمس ساعات، حتى تم العثور عليهم غرقى في مياه السد على بعد أقل من 100 متر من بيت الشعر الذي يقطنونه، مؤكدين أنه جرى قبل فترة نقل 11 موظفا من كادر السد إلى بقية المواقع.
وتتكرر حوادث الغرق مع بداية كل صيف، تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير وغياب المتنفسات البديلة، ما يدفع الأطفال للتوجه نحو المسطحات المائية كالسدود وقناة الملك عبدالله والبرك الزراعية للهو واللعب، فيما يقضي عشرات الأطفال والشباب سنويا، حتى وصل عدد الوفيات العام الجاري إلى 6 حالات، اثنتان منها في قناة الملك عبدالله، وآخرها لطفل قبل أسبوعين.
ويقول جد الأطفال سليمان التعامرة، إن المناطق المحيطة بالسد تعد الملاذ الوحيد لمربي المواشي، الذين فضلوا الابتعاد عن المناطق السكنية، موضحا أن والد الاطفال هو أحد العشرات من الأسر التي تقطن المنطقة منذ سنوات.
ويؤكد أن حادثة الغرق ليست الأولى، إذ إن العديد من حوادث الغرق التي راح ضحيتها عدد من الشباب والأطفال، وحتى منقذون، كما حصل العام 2006 عندما حاول أحد غطاسي الدفاع المدني إخراج جثة غريق، لكنه لقي حتفه غرقا، لافتا إلى أن مثل هذه الحوادث ستتكرر إذا لم يتم اتخاذ إجراءات جدية للحد منها.
ويضيف التعامرة أنه ليس في مقدور الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات الوصول إلى المياه لو وجد سياج أو حاجز، مؤكدا أن جميع المناطق المحيطة بالسد غير مسيجة، ولا “توجد إشارات تحذيرية ولا حراس” كما تقول سلطة وادي الأردن.
ويوضح أن هذا الأمر، إضافة إلى ضعف الوعي لدى المواطن وخاصة الأطفال بخطورة السباحة في السدود، يعد من أهم أسباب وقوع حوادث الغرق، سيما وأن مياه السدود عادة ما تكون مليئة بالطمي، وهو ما يصعب على أي إنسان تحريك جسده للخروج منها، متسائلا عن جدوى بقاء السد إذا لم ينتفع منه نهائيا منذ إنشائه، لكون مياهه مالحة ولا تصلح للزراعة أو للري.
بدوره، يؤكد مدير مستشفى الشونة الجنوبية الدكتور فايز الخرابشة، خطورة السباحة في مياه السدود والقنوات والبرك الزراعية، كون مياهها غير صالحة وملوثة، وقد تتسبب بكثير من الأمراض، مشيرًا إلى أن حوادث الغرق في البرك الزراعية والسدود أصبحت ظاهرة تتكرر سنويا في مناطق الأغوار، لكثرة المسطحات المائية غير المحمية.
ويوضح أن غالبية حالات الوفاة تحدث لأطفال وأشخاص لا يجيدون السباحة، داعيا إلى أخذ الحيطة والحذر من هذه المسطحات، وتجنب الاقتراب منها وضرورة توفير سبل الحماية منها.
من جهته، يقول متصرف لواء الشونة الجنوبية الدكتور طايل المجالي، إنه جرى تشكيل لجنة تحقيق من الجهات ذات الاختصاص، وقامت بإجراء الكشف الحسي على موقع الحادثة، وأوصت بضرورة ترحيل جميع القاطنين في محيط السد، وتركيب سياج على كامل محيطه، ووضع لافتات تحذيرية، فضلا عن ضرورة تنظيم حملات توعوية للحد من الاقتراب من المسطحات المائية، مؤكدا أن معظم المناطق المأهولة والقريبة من المنطق السكنية مشيكة وتوجد عليها شواخص تحذيرية.
ويضيف المجالي أنه يتم عادة تنظيم جولات ميدانية وزيارات مكثفة من قبل كوادر سلطة وادي الأردن والإدارة الملكية لحماية البيئة؛ لمنع صيادي الأسماك من الدخول إلى مياه السد، لكن رغم ذلك “نشهد تجاوزات يومية ويتم ضبط العديد من الصيادين، وجميعهم يخاطرون بأنفسهم ويدخلون إلى أعماق السدود بقوارب بدائية”، بحسبه.
ويلفت إلى أن حوادث الغرق في السدود والبرك الزراعية وقناة الملك عبدالله تتكرر سنويا على الرغم من كل التحذيرات والمناشدات بضرورة عدم الاقتراب منها والسباحة فيها، خاصة خلال فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة الذي يغري الكثير من الأطفال والشباب بارتيادها.
من جانبها، تؤكد أمين عام سلطة وادي الأردن المهندسة منار محاسنة، أن السلطة تقوم عادة باتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة للحد من حوادث الغرق، سواء في السدود أو قناة الملك عبدالله أو المسطحات المائية، من خلال وضع لوحات إرشادية وتحذيرية، وإحاطة هذه المسطحات بأسيجة لمنع الوصول إليها، إضافة إلى تنظيم حراسة عليها على مدار الساعة، مشيرة إلى أن السدود تقع على مساحات كبيرة ولا يمكن السيطرة عليها بشكل كامل.
وتؤكد أن السدود والمسطحات المائية أنشئت لغايات تزويد الأراضي الزراعية بمياه الري، وهي غير مخصصة للسباحة، موضحة أن هناك العديد من المواطنين الذين يتخذون من حرم السدود مواقع لسكنهم، ما يجعلهم عرضة لحوادث الغرق.
وتلفت إلى أن السلطة قامت بوضع سياج ولوحات إرشادية وتحذيرية، إلا أنها عادة ما تتعرض “للاعتداء من قبل بعض المواطنين الذين يجهلون أهمية وجودها وبقائها”، مشيرة إلى أن تكرار حوادث الغرق يتطلب جهودا كبيرة من قبل كل الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بمن فيهم الأهالي للحد منها.

حابس العدوان/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة