يسار خصاونه في ضمير الزمن/ ايمن الصمادي

بقلم: أيمن الصمادي/ رئيس ملتقى ألوان الثقافي

اليوم، وبعد ليلتين من البكاء، استطعت أن أقول لعيني: قفا قليلا، كي أكتب حرفا بدل دمعة، أيبكي الرجال يا صديقي أبا أكاد؟ نعم، على مثلك إن العين لتدمع.عرفت يسار قبل ثلاثين سنة، منذ بداية عام 1993 وقد زارني يومها في مكتبة ألوان في عجلون، وكان يريد طباعة كتابه الأول “في ضمير الزمن” وأعجبت بكتابته كثيرا وكتبت له جزءا من مقدمة الكتاب الذي كان محوره طهارة النفس ومحاربة الظلم.أسس يسار معنا ملتقى ألوان الثقافي، وبدأت بيننا صداقة منذ ذلك الحين، شاركنا يسار في كل الأمسيات والنشاطات، ومشى معنا مشوارنا، حتى أنه أحب عجلون وطرقاتها أكثر من أهلها.زرت بيته كثيرا، وقدمني إلى أهله كواحد من أفراد أسرته، فعرفتهم جميعا منذ طفولتهم.يسار ابن الأصول زارني أكثر من مرّة، ولكنه دائما كان يدخل بيتي أعمى ويخرج أبكماً.يسار الشهم أبو الفزعات، دلوني على أشعث أغبر في الغور أو في أي قرية نائية استنجد بيسار في نص الليل وأغلق بوجهه الباب ولم يحمله في سيارته حتى يثبت له حاجته.يسار الكريم الذي كان يتستر بالسخاء، فما زراه ضيف إلا أكرمه.يسار الراضي بقضاء الله ،، كان يدرك أن الساعة إذا جاءت فما يغني عن الموت الدواء.يسار العفيف الذي كانت تعف نفسه عن كل صغيرة تحط من قدر الرجال.يسار أبو الهيبات،، الذي اذا دخل على القوم وسلم عليهم ،،، شعرت أن أسدا يصافحهم ويجلس بينهم.يسار المتواضع الذي كان يحرص كل تكبيرة أن يمرّغ خده بالتراب خشية وذلا لله تعالى.يسار القوي الذي حمل كل من عرفه على كتفه،،، لكننا لم نقو على حمل أوجاعه والآمه.يسار الهش الرقيق الذي يبكي لحزن طفل يتألم.يسار صوت الناس الذي نجح بمحبتهم، لأنه كان يقول:” يباع صوت العبيد في سوق النخاسة، أما الحرّ فلا يشترى”.نحن لا نكتب عن يسار النائب، فهناك الآف النواب الذين يمرون من غير عد، نحن نكتب عن يسار الإنسان.يسار العربي، الذي ظلت فلسطين في وجدانه، واذكر كيف نزلت دموعه عندما أسمعته أول مرّة قصيدة تميم ” في القدس”.يسار المعلم الكبير الذي أعطاه الله الحكمة ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، ليجسد يعضا منها في كتابة الثاني “أجنحة الحكمة”، ولطالما عرفه الناس بكلامه الذي يفيض أدبا وحكمة.يسار البار بوالديه، الذي خبرته عن قرب وهو يعتني بهما ويطعمهما بيديه، ويحرص أن يجلس والده المرحوم الشيخ المهيب الجليل محمد عبد الوالي الخصاونه معنا، لندرك أن يسار ورث هذا الخلق النبيل كابرا عن كابر.يسار ابن النعيمة البار، والذي يشهد الله أنه ما ذكر أحد من أهلها إلا بالخير، فلم أجده يفرق بين أحدهم، فكلهم أهله، هو ابن لواء بني عبيد، وابن كل الأمكنة في كل المحافظات، فإذا ما ذهبت إلى أي مكان ستجد ليسار بيتاَ.يسار المثقف الذي كان يصمت ويستمع إذا نطق الرجال، وإذا صمت الرجال نطق.يسار القارئ النهم، فما تذكر كتاباً من أمهات الكتب إلا وتجد يسار سبقك إليه.يسار الأنيق حتى في مرضه، ما رأيناه يوما إلا بكامل أناقته وكأنه على موعد دائم مع العمل أو الضيوف.يسار صاحب الذاكرة الخارقة، تجده يعرف كل الناس باسمائهم ويعرف قدرهم، يرفع صغيرهم ويجل كبيرهم، فإذا قدمك للآخرين قدمك بأبهى الكلمات وأجل الصفات، حتى تحسب نفسك أمير القوم.يسار صاحب البيت الكبير بأهله، تسنده أختي أم أكاد ” بنت رجال وبنت عشيرة” تقف على باب بيتها مرحبة بضيوفه وهي تقول لهم: “تفضلو، أهلا وسهلا، أبو أكاد عالطريق شوي وبيكون معكم”.يسار ما مد يده يوما للحرام كما خبرته، حتى أنه رفض أن يأخذ حبة لوز قطفتها عن شجرة على قارعة الطريق بالقرب من قلعة عجلون بدعوى أن صاحبها قد لا يسامح.يا يسار: نحن نحفظ للناس كرامتهم ونقدر من يؤدي أمانته.ولكن: كيف يهنأ السارقون والفاسدون؟!!يا يسار: (هم كبار البلد وكراسيه)ليسوا كذلك،،،فليأخذوا كراسيهم معهم إلى قبورهم إن كانت تنفعهموما ينفع الناس غير عملهم ومحبتهم لللآخرين والشعور معهم والإحساس بالآمهم والدفاع عن حقوقهمأنت الكبير في حياتك وموتك، فقد كنت وجع الناس في النعيمة وعجلون والكورة والغور وكل القرى.ويسار … سماه والده يسارا ليكون يساراَ للناس، يسهل عليهم وييسر أمورهم، حتى صار الاسم والموصوف واحدا، فمن عرف أيسر من يسار بين الناس، فليرفع يده.في آخر زيارة له إلى منزلي، استأذنني ليسلم على والدي ووالدتي وقد جاوزا الثمانين، يقول شقيقي: اعطى رقم هاتفه لأمي وقال لها: ” يا أمي أي شيء بتحتاجيه الك أو لأي حدا بخصك رني علي أي وقت”، ولذا ليس غريبا أن والدتي كانت تسألني عن أخباره دائما وتدعو له في كل صلاة مع دعواتها لأولادها، وظل والدي يقول لي دائما ” يابه أبو أكاد زلمه قد حاله بنشد فيه الظهر”.

يا صديقي، هل تذكر آخر قصة رويتها لي عن الشيخ الجليل في دير الليات الذي مد لك يده مصافحا وقال لك: “عاهدني بالله إن سبقتني للجنة أن تأخذني معك”، ويا يسار، أصدقك القول، في آخر زيارة لي في بيتك وقد أنهكك المرض وأبيت إلا أن تجلس معي رغم أنك لم تغادر غرفتك منذ أشهر، ولم تقو على الوقوف على قدميك، والألم يعتصرك، كنت أود أن آخذ هذا العهد منك، ولكني خجلت.يا يسار: خذ ما تبقى من عمري وأعطني عشر محبة الناس لك.يا يسار: لا أظنك تنسى العهد الذي بيننا ،، فإذا التقينا ذلك اليوم، مد يدك وخذني معك.في طريقك إلى جنات الخلد إن شاء الله تلوح لنا بيدك كأنك تستودعنا السلامةرافقتك السلامة والرحمة والمغفرةوبحفظ الله يا صديق روحيمع السلامة

 

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة