
=
الشرق الأوسط بين إيران وإسرائيل: صراع الهيمنة، وتصفية الحسابات على حساب فلسطين
✦ مقدمة
في منطقة تزدحم بالتاريخ، وتختنق بالجغرافيا، يقف الشرق الأوسط اليوم على حافة تحوّل استراتيجي كبير، تدفعه قوى إقليمية متنافسة، وتسحقه حسابات دولية متغيرة. في قلب هذا المشهد، يتصدر الصراع الإيراني–الإسرائيلي سباق السيطرة على القيادة الإقليمية، وسط تراجع واضح لمركزية القضية الفلسطينية، التي تحوّلت من قضية تحرر إلى ورقة مساومة، ومن رمز وحدة إلى ضحية دائمة.
في هذا المقال، نقرأ المشهد المعقّد عبر ستة محاور مترابطة: من تحليل الصراع ذاته، إلى مواقف الدول، مرورًا بالاتفاقيات الجديدة، وانتهاءً بمن الرابح… ومن الخاسر الحقيقي.
⸻
✦ أولًا: الصراع الإيراني–الإسرائيلي… من مواجهة أيديولوجية إلى سباق نفوذ
منذ سقوط الشاه وقيام الجمهورية الإسلامية عام 1979، تحوّل خطاب إيران تجاه إسرائيل من التحالف السري إلى العداء العلني. دعمت طهران فصائل مقاومة في لبنان وفلسطين، وشكلت جبهات متقدمة عبر حزب الله في الشمال، وحماس والجهاد في الجنوب.
بالمقابل، ردّت إسرائيل بتكثيف العمليات الجوية في سوريا، والضغط السياسي والدبلوماسي لتحجيم الدور الإيراني، متذرعة بالخطر النووي والتهديدات الصاروخية.
لكن الواقع يقول إن الطرفين يستخدمان الصراع أداة لتعزيز نفوذهما الإقليمي:
• إيران توظف فلسطين لكسب شرعية شعبية عربية وإسلامية.
• وإسرائيل توظف “التهديد الإيراني” لكسب دعم أميركي وخليجي واسع.
وفي كل الأحوال، يظل الفلسطينيون وقودًا لهذه الحرب التي لا تُخاض من أجلهم.
⸻
✦ ثانيًا: الأردن… توازن مرّ بين الجبهات
الأردن، الجار المباشر لإسرائيل وسوريا والعراق، يقف في موقع جيوسياسي شديد الحساسية.
• يخشى من تسلل النفوذ الإيراني عبر الجنوب السوري.
• يقلق من السلوك الإسرائيلي المتغطرس في القدس، حيث يحتفظ بدور تاريخي كوصيّ على المقدسات.
• ويعارض أي “صفقة كبرى” تُهمّش القضية الفلسطينية، التي تشكل صمام أمان ديموغرافي وأمني للمملكة.
بين تنسيقه الأمني مع واشنطن وتل أبيب، وموقفه الرافض لأي مساس بالحقوق الفلسطينية، يقدّم الأردن نموذجًا لدولة تحاول النجاة بالتوازن، لا بالمواجهة.
⸻
✦ ثالثًا: اتفاقيات التطبيع… اختراق سياسي أم عبور فوق الجراح؟
اتفاقيات أبراهام (2020) غيّرت خريطة التحالفات الإقليمية. ما كان قبلها مستحيلًا أصبح واقعًا سياسيًا جديدًا:
• تطبيع بين إسرائيل ودول خليجية، دون أي مقابل حقيقي للفلسطينيين.
• خطاب جديد يبرّر التقارب باعتباره “تحالفًا ضد التهديد الإيراني”.
• واحتفاء غربي بهذه الخطوة بوصفها “سلامًا من دون حرب”.
لكن هذه الاتفاقيات حملت في طيّاتها رسائل خطيرة:
• أن فلسطين لم تعد شرطًا لأي اتفاق إقليمي.
• وأن إسرائيل تستطيع قطف ثمار التطبيع دون إنهاء احتلال.
وهكذا، اختارت بعض الأنظمة العربية تجاوز التاريخ، متناسية أن الشعوب لا تنسى.
⸻
✦ رابعًا: سوريا… الساحة الصامتة لصراع صاخب
لم تكن سوريا يومًا بعيدة عن خطوط المواجهة. لكن منذ الحرب الأهلية، تحوّلت إلى ساحة مفتوحة لكل الصراعات:
• إيران تمركزت عسكريًا في الجنوب، وبنت شبكات ميليشياوية لحماية نفوذها.
• إسرائيل شنّت مئات الضربات الجوية، مستهدفة قواعد ومستودعات عسكرية إيرانية.
• روسيا تراقب، وتوازن، وتفاوض على نار باردة.
• أما الأردن، فقد بدأ يرى في الجنوب السوري خطرًا حقيقيًا على أمنه، لا سيما مع تصاعد عمليات التهريب المنظمة.
هنا، تصبح سوريا أكثر من ساحة حرب: إنها مرآة للصراع الإيراني-الإسرائيلي، ومعركة مؤجلة بغطاء إقليمي ودولي.
⸻
✦ خامسًا: المقاومة الفلسطينية… بين المبدأ والمصلحة
لطالما تغنّت إيران بدعمها “غير المشروط” للمقاومة الفلسطينية. وفعليًا، كانت حماس والجهاد أكثر المستفيدين من الدعم المالي والعسكري الإيراني، خاصة بعد انسحاب دول عربية من مشهد الدعم.
لكن هذا الدعم لم يكن بلا ثمن سياسي:
• فقد أُقحمت المقاومة في ملفات إقليمية لا علاقة لها بفلسطين.
• ووجدت نفسها أحيانًا تُستخدم كورقة ضغط في مفاوضات الملف النووي الإيراني، أو لتأديب أطراف عربية.
• ما أضعف من صدقيتها، وشوّه صورة الكفاح الفلسطيني النقي.
وهكذا، دخلت فصائل المقاومة في تناقض خطير بين السلاح والتحالف، وبين الاستقلالية والانتماء.
⸻
✦ سادسًا: من الرابح؟ ومن الخاسر؟
إذا أردنا أن نلخّص المشهد، فإن:
• إيران ربحت نفوذًا إقليميًا، لكنها لم تحرر القدس.
• إسرائيل عززت مكانتها الدبلوماسية، لكنها لم تحقق أمنًا مستدامًا.
• العرب تراجعوا استراتيجيًا، وتشتتوا سياسيًا.
• والفلسطينيون، كالعادة، هم الخاسر الأكبر: محاصرون، منقسمون، تُستخدم دماؤهم، ثم تُنسى قضيتهم على طاولات المفاوضات.
⸻
✦ خاتمة: بين الصراع والاستغلال… هل هناك مخرج؟
في هذا الشرق الأوسط المنهك، تبدو فلسطين مثل حجر ثقيل على طاولة مقامرة إقليمية. يتقاذفها المتصارعون، كلٌ حسب مصلحته.
لكن التاريخ أثبت أن القضايا العادلة لا تموت. وأن الشعوب، وإن صمتت طويلًا، لا ترضى أن تُباع حقوقها للأقوى.
ربما آن الأوان لظهور مشروع عربي مستقل، يعيد الاعتبار لفلسطين لا كورقة مساومة، بل كقضية تحرر، وحق لا يُنسى، وعدالة مؤجلة… لكنها قادمة