منتدى أستانا الدولي 2025: كازاخستان تبني جسورًا عالمية ونموذجًا ملهمًا لتعزيز التنمية الشاملة

=

بقلم: الدكتور عبد الرحيم عبد الواحد


كاتب ومحلل في شؤون التنمية والسياسة الدولية

 

أستانا – دبي: في زمن تعصف فيه الأزمات العالمية بمفاصل الاستقرار الاقتصادي والبيئي، تبرز بعض الدول التي تسعى لإعادة تعريف دورها في النظام العالمي، لا من خلال القوة الصلبة، بل عبر الدبلوماسية الحوارية والمنصات التشاركية. كازاخستان، الدولة الواقعة في قلب آسيا الوسطى، تُقدّم في هذا السياق نموذجًا ملهمًا عبر منصة منتدى أستانا الدولي.

وهنا لابد لنا من التأكيد على أن منتدى أستانا الدولي ليس مجرد مناسبة سنوية؛ بل هو تعبير استراتيجي عن طموحات كازاخستان للتموضع كمركز محوري للحوار العالمي حول مستقبل الاقتصاد، البيئة، والدبلوماسية الدولية، وذلك في عالم تتزايد فيه الحاجة إلى التعاون العابر للحدود لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، ويُمثّل منتدى أستانا منصة فريدة من نوعها في آسيا الوسطى، حيث يلتقي صّناع القرار الدوليون، والمبتكرون، والمفكرون، والمستثمرون، لمناقشة حلول التحديات العالمية المشتركة.

 

  لماذا الاهتمام بمنتدى أستانا؟

في عالم يزداد فيه الانقسام، يشكل منتدى أستانا محاولة جادة لخلق فضاء جديد للحوار، يتجاوز الأطر التقليدية للسياسة والاقتصاد، ويركز على الحلول الواقعية، كما أن دخول كازاخستان بقوة في ملف التنمية المستدامة يطرح تساؤلًا مهمًا: هل يمكن لدول غير مصنفة كقوى كبرى أن تقود حوارات عالمية؟ الإجابة هي: نعم، ولكن بشرط أن تدمج الطموح بالرؤية، والدبلوماسية بالنتائج.

ويمكننا القول ومن خلال متابعاتنا لانطلاق المنتدى في صورته الأولى تحت اسم “منتدى أستانا الاقتصادي”، في يونيو 2008، فإنه يهدف إلى تعزيز الحوار بين القادة السياسيين ورجال الأعمال لإيجاد حلول للتحديات العالمية، ومعالجة أربع قضايا عالمية رئيسية: السياسة الخارجية، والأمن والاستدامة، والطاقة والمناخ، والاقتصاد والمالية، بل يمكن القول بأن هذه الركائز هي جوهر مهمة المنتدى المتمثلة في مواجهة التحديات من خلال الحوار نحو التعاون والازدهار والتقدم.

 

جسر بين الشرق والغرب

ونؤكد من خلال تجاربنا الإعلامية مع الشأن الكازاخستاني منذ أكثر من 12 عاما، بأن لدى كازاخستان تاريخٌ طويلٌ في تعزيز العلاقات الدولية البناءة، حيثُ كانت بمثابة جسرٍ بين الشرق والغرب، ورغم اختبار هذه السياسة بثباتٍ في عام 2022، فقد أثبتت مرونتها وفعاليتها على المستويين الإقليمي والدولي، في الوقت الذي نأمل فيه أن تؤسس دورة المنتدى 2025 جسورًا جديدة وتُعزيز الروابط، في محاولة للتغلب على التحديات الجماعية التي تواجهها، وأيضا رسم طريقٍ جديدٍ للمضي قدمًا – دبلوماسيًا واقتصاديًا وسياسيًا وتنمويا.

ونعتقد جازمين بأن دوافع وأهداف كازاخستان من وراء تبني مثل هذه المنتديات العالمية، هو المحافظة أولا على علاقات جيدة مع دول العالم، وثانيا إيمانها العميق بوجود حاجة ملحة لإيجاد حلول وشراكات عالمية جديدة تحافظ على أهم جوانب العولمة، مع مواجهة التحديات التاريخية التي تواجه دول العالم قاطبة.

ولا يغيب عن الجهات المنظمة للمنتدى رسم خارطة طريق داخلية تتمثل في ترسيخ مكانة كازاخستان كقائد إقليمي ودولة “وسطى” مؤثرة، وتعزيز الشراكات والتعاون، وجذب الاستثمارات إلى البلاد، وتطوير وتعميق العلاقات مع الجهات الدولية الرئيسية المعنية، وضمان أن يُنظر إلى المنتدى على أنه ذو أهمية عالمية ووثيقة الصلة.

 

رؤى استراتيجية

كما نرى من جانبنا بإن كازاخستان لم تغفل أبعاد السياسة الخارجية في رؤيتها لأهداف المنتدى، حيث لعبت كجسر بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، وتبني سياسة خارجية متعددة الاتجاهات، وذلك في ظل مناخ عالمي يتزايد فيه الاستقطاب وعدم اليقين، تلتزم كازاخستان التزامًا كاملاً بلعب دور فاعل كعضو في المجتمع الدولي، بالعمل مع شركائها في جميع أنحاء العالم لدعم الحوار والسلام والتعاون.

وتوضح الممارسات والرؤى الاستراتيجية لسياسة كازاخستان، مدى التزامها بدعم التعاون العالمي والحوار مع شركائها حول العالم، ويؤكد ذلك ما يوفره المنتدى من سبل جديدة لدعم التعاون العالمي والتعددية والحوار، في سعيها لبناء صداقات جديدة وتوطيد جسور التواصل القائمة مع شركائها.

ومن جانبنا نأمل أن يوفر المنتدى لجميع المشاركين وسائل جديدة لتحديد الحلول للتحديات العالمية الرئيسية والعمل على تنفيذها، في الوقت الذي نبني فيه حقبة جديدة من التعاون العالمي، إضافةً مساعدة المنتدى في تحديد فرص النمو والاستثمار ذات المنفعة المتبادلة مع شركائها وأصدقائها، الجدد والقدامى.

 

منصة حوار عالمي

منتدى أستانا 2025، الذي انطلقت نسخته الأولى تحت اسم “منتدى أستانا الاقتصادي”، في يونيو 2008، ، لم يعد مجرد تجمع للنخب الاقتصادية، بل تحوّل إلى مختبرٍ عالمي للأفكار والمبادرات، يجمع بين صناع القرار، والاقتصاديين، والباحثين، والمبتكرين، وحتى الناشطين الشباب، وفي نسخة 2025، المنتظر أن تُعقد يومي 29 و30 مايو المقبل تحت رعاية الرئيس قاسم جومارتتوكاييف، سوف يقدم نهجاً شاملاً تُحقق جمهورية كازاخستان من خلاله سبقاً جديداً على المستوى الإقليمي والدولي وتُرسي مفاهيم جديدة تساهم بشكل كبير في إعادة إحياء الحوارات العالمية المهمة وتعزيز الحلول التعاونية لأكثر قضايا العالم إلحاحًا.

ويُتوقع أن يُسلط المنتدى الضوء على قضايا تمثل أولوية قصوى على الأجندة العالمية منها تعزيز الحوار بين القادة السياسيين ورجال الأعمال لإيجاد حلول للتحديات العالمية، ومعالجة أربع قضايا عالمية رئيسية: السياسة الخارجية، والأمن والاستدامة، والطاقة والمناخ، والاقتصاد والمالية، بل يمكن القول بأن هذه الركائز هي جوهر مهمة المنتدى المتمثلة في مواجهة التحديات من خلال الحوار نحو التعاون والازدهار والتقدم.

وهنا يطرح السؤال المهم ممثلا في :ما الذي تريده كازاخستان من المنتدى؟ وهنا نحن وانطلاقا من متابعاتنا للشأن الكازاخي والعالمي نقول، بأن كازاخستان تهدف استراتيجيا إلى تعزيز التعاون متعدد الأطراف، وذلك عبر استضافة ممثلين من أكثر من 70 دولة، تسعى كازاخستان إلى ترسيخ مكانتها كمركز للوساطة والدبلوماسية الاقتصادية، وكذلك جذب الاستثمارات، حيث يشكّل المنتدى نافذة لعرض المشاريع الاستراتيجية في البلاد، من الطاقة الخضراء إلى الزراعة الذكية، وسط اهتمام متزايد من المستثمرين الدوليين، وفي الوقت نفسه تسعى كازاخستان إلى تحقيق قيادة إقليمية ذكية، وذلك في ظل غياب منصات حوارية مماثلة في آسيا الوسطى، وهنا تستغل كازاخستان هذا الفراغ لتعزيز نفوذها الإقليمي، وطرح نفسها كجسر بين الشرق والغرب، وأخير تهدف الجمهورية الكازاخية إلى تحفيز الابتكار المحلي، انطلاقا من قناعات أبرزها بأن المنتديات ليست فقط للمستثمرين الأجانب، بل أيضًا لدعم النظم الابتكارية المحلية من خلال ربط الجامعات، ومراكز البحوث، والشركات الناشئة.

 

تحديات وطموحات

وفي ظل هذا الزخم من الأهداف، تواجه كازاخستان عبر تبني منصة منتدى أستانا، العديد من التحديات، وأبرزها:

  • محدودية الحضور الإعلامي الدولي للمنتدى مقارنة بمنتديات عالمية مثل”دافوس”.
  • صعوبات في تنفيذ التوصيات على أرض الواقع ما لم تُربط بخطط زمنية وتمويل فعلي.
  • توتر البيئة الإقليمية المحيطة، خصوصًا في ظل النزاعات الجيوسياسية المتصاعدة، والتي قد تُعيق مسار التعاون الإقليمي.

 

جدارة في مواجهة التحديات

وفي غضون أعوام قليلة، أثبت منتدى أستانا الدولي نفسه كمنصة معترف بها لإعادة إشعال التعددية، وتسهيل الحوارات عبر الحدود، وتطوير نهج عملية لمواجهة التحديات العالمية الأكثر إلحاحًا، فيما يواصل المنتدى، الذي يستضيف قادة ومبتكرين عالميين، مهمته في تعزيز التعاون رفيع المستوى ودفع الحلول الدبلوماسية القابلة للتنفيذ.

فعلى قاعدة اليقين بقوة التحولات المنظورة في المشاهد الإقليمية والدولية، تستحق الدورة الجديدة من منتدى أستانا الدولي 2025، أن ينتقل في نجاحاته الى حقبة جديدة، بنهج شامل يُخاطب مقتضيات جمله من التحديات كما هي في رؤية كازاخستان 2050.

وخلال السنوات الماضية من عمر المنتدى، يمكن القول بأنه حقق مهمته الجوهرية في إرساء ركائز مفاهيم عصرية عديدة، بحيث أصبح منصة عالمية لمناقشة التحديات التي تعيشها دول العالم وإيجاد الحلول التي تساهم في تحقيق الرفاهية والاستقرار للدول وشعوبها، مما ساهم في اعتماد منتدى أستانا الدولي، باعتباره منصة حوارية لمعالجة التحديات العالمية الرئيسية، مُعطيًا الأولوية للتعاون ركيزةً أساسيةً لنظام دولي فعّال.

وختاما نقول، بأن منتدى أستانا 2025 فرصة مهمة ليس فقط لكازاخستان، بل لكل دولة تسعى إلى أن تكون جزءًا من الحلول العالمية بدلًا من أن تبقى على هامش الأحداث. المنصات التشاركية مثل هذا المنتدى ليست رفاهية سياسية، بل ضرورة وجودية في عالم متعدد الأزمات.

كما نؤكد على أنه إذا أرادت كازاخستان أن تتحول من “منصة حوار” إلى “قوة ناعمة مؤثرة”، فعليها أن تستثمر نتائج المنتدى في سياسات ملموسة، وشراكات دائمة، وأن تجعل من أستانا عاصمة لحوارات المستقبل، لا فقط لاستضافة المؤتمرات، ونورد فيما يلي بعض النقاط التي تمثل وجهة نظر كتاب هذا المقال:

  • يجب على كازاخستان استثمار نجاح المنتدى في بناء تحالفات طويلة الأجل مع الدول النامية والصاعدة.
  • تشجيع المشاركة الشبابية والنسائية في حوارات المنتدى لدعم شمولية التنمية.
  • تطوير مؤشرات أداء واضحة لقياس أثر مخرجات المنتدى على الواقع السياسي والاقتصادي.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة