عيد العمال حماية اجتماعية لا مجرد إجازة

المحامي الدكتور هيثم عريفج
يحتفل العالم في الأول من أيار من كل عام بعيد العمال، وهو يومٌ عظيم لا ينبغي أن يُختزل في كونه مجرد عطلة رسمية أو مناسبة للإجازة أو السفر . بل هو مناسبة لتكريم أيادي ساهمت في تشييد الأوطان، وبذلت الجهد من أجل التنمية، وهو تذكير بالتضحيات الجليلة التي قدمها العمال في سبيل نيل حقوقهم، وحقنا جميعًا في حياة كريمة.
لم يكن عيد العمال يوما صدفة أو طقساً رمزياً، بل هو ثمرة نضالات صعبة بدأت في أواخر القرن التاسع عشر، عام 1886 في مدينة شيكاغو الأميركية، حين خرج آلاف العمال للمطالبة بتحديد ساعات العمل اليومبه بثماني ساعات . قوبلت مطالبهم بالقمع، وسقط منهم شهداء واعتُقل كثيرون، لكن دماءهم زرعت بذوراً تحوّلت لاحقاً إلى حقوقٍ واعتراف عالمي بكرامة العامل.
إن العمال ليسوا فقط جزءاً من عجلة الاقتصاد، بل هم عصب التنمية الحقيقي. ففي الأردن، كما في كل دول العالم، يشكل العمال عنصراً محورياً في الناتج المحلي الإجمالي. فهم من يشيدون البنى التحتية، ويعمرون المؤسسات، ويساهمون في الزراعة، والصناعة، والنقل، والتعليم، والصحة، وغير ذلك من القطاعات. لا يوجد مشروع وطني ناجح دون سواعدهم. ففي كل مصنع، مدرسة، مستشفى، حقل، وشارع، هناك قصص لعمالٍ بسطاء، لكن أدوارهم عظيمة. هم الجنود المجهولون الذين يجعلون الحياة ممكنة.
وإذا كان من واجبنا الاحتفال بعيد العمال، فإن أولى صور الإحتفال والوفاء لهم هي السعي لضمان حماية اجتماعية عادلة وشاملة. فالعمال يواجهون تحديات حقيقية: ضعف الأجور، غياب التأمين الصحي، المخاطر المهنية، وعدم الاستقرار الوظيفي. الحماية الاجتماعية لا تعني مجرد رواتب تقاعدية، بل تشمل التأمين ضد البطالة، والتأمين الصحي، وتعويضات الإصابات، وضمان الحد الأدنى للأجور، وساعات عمل عادلة، وبيئة عمل آمنة، وتشريعات تضمن المساواة وعدم التمييز.
على الحكومة وأصحاب العمل والنقابات التعاون لتحقيق تمكين النقابات العمالية للدفاع عن حقوق العمال دون عوائق، وتطوير برامج التدريب لرفع كفاءة العمال وتمكينهم من مواكبة التطورات التقنية، وإشراك العمال في صنع السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تمسّهم مباشرة.
ليكن الأول من أيار مناسبةً لمراجعة التزاماتنا تجاه من يبنون الوطن بحرفيتهم وتضحياتهم. فلنُحول الشعارات إلى أفعال، ونضمن أن يكون كل عامل محمياً، مُكرَّماً، وقادراً على العيش بكرامة.
عيد العمال يجب أن يكون يوم وفاء لا يوم إجازة. وفاء لسواعد تبني وتنتج، ولتاريخ من النضال، ولحاضر يفرض علينا جميعاً مسؤولية النهوض بواقع العمال. فالوطن لا يُبنى بالخطط فقط، بل يُبنى بالعمل، والعمل لا يثمر دون حماية العامل.
كل التحية لكل يد تعمل، وكل جبين يتصبّب عرقاً من أجل وطنٍ أفضل.
وكل عام وعمال الأردن والعالم بألف خير.