الأردن بين الافتراء والحقيقة… الأفعال تُخرس الأصوات // همام الفريحات

 

في وقت تتزايد فيه الحملات الظالمة على الأردن ويتعالى فيه صوت الافتراء والتشكيك، يتعرض الوطن لهجوم خسيس يستهدف مواقفه الثابتة وتاريخه المشرف، هجوم لا يستند إلى منطق ولا إلى ضمير، بل إلى نوايا خبيثة تحاول النيل من كرامة الدولة وقيادتها وشعبها، خاصة بعد أن وقف الأردن بصلابة وشجاعة في وجه العدوان على غزة، فكان أول من أرسل طائرات الإغاثة وأول من حمل راية الشرف والمروءة في زمنٍ عزّ فيه الرجال، لكن الأردن لم يتعود الرد بالكلام، بل بالأفعال، ولم يعرف التراجع أمام العواصف، بل كان دومًا صخرة تتكسر عليها الأكاذيب والمؤامرات.

منذ مئة عام، منذ الثورة العربية الكبرى وتأسيس الإمارة، لم يتغير موقف الأردن من قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وقف الأردنيون في الخنادق، وسقط شهداؤهم على تراب القدس، واحتضنوا المهجرين، وفتحوا أبوابهم للجرحى واللاجئين، لأن فلسطين ليست بالنسبة للأردنيين حدودًا على الخريطة، بل شقيقًا في القلب وتاريخًا في الذاكرة وواجبًا لا يسقط بالتقادم، ومع اشتداد الحصار والجوع في غزة،تحرّك الأردن دون انتظار،بل انطلقت طائراته فوق البحر والحدود تحمل المساعدات في واحدة من أعظم العمليات الإنساني بـ125 إنزالًا جويًا مباشرًا، و266 إنزالًا بالتنسيق مع دول شقيقة، وعبر التنسيق مع جمهورية مصر العربية الشقيقة53 طائرة إلى مطار العريش، وأكثر من 5063 شاحنة نقلت 72 ألف طن من المساعدات، في واحدة من أضخم العمليات الإنسانية.

قدّمت المستشفيات الأردنية خدماتها لأكثر من 75 ألف مراجع، وأجرت ما يزيد عن 30 ألف عملية جراحية، بجهود أكثر من 200 طبيب و400 ممرض. كما قُدّم 267 طرفًا صناعيًا، وأصدر جلالة الملك قرارًا بعلاج ألفي طفل من غزة على نفقة المملكة في بادرة إنسانية ليست غريبة على قائدٍ لطالما جعل من القضية الفلسطينية أولوية وطنية وقومية وأخلاقية.

فقد كانت القيادة الهاشمية في الخط الأول فجلالة الملك عبدالله الثاني شارك شخصيًا في قيادة طائرة إنزال جوي فوق غزة، في رسالة صريحة أن القائد يقف في الميدان لا خلف المكاتب، فيما أوصل ولي العهد الأمير الحسين المساعدات إلى مطار العريش، وشاركت الأميرة سلمى في الانزلات الجوية .

ما جلالة الملكة رانيا العبدالله فقد حملت صوت الأمهات والضحايا إلى المنابر العالمية ووقفت في المنتديات الدولية تتحدث بجرأة عن العدوان الإسرائيلي على غزة، فوصفت بصدق ما يتعرض له الأطفال والنساء من قصف وتجويع وإبادة ممنهجة، ورفضت الصمت الدولي المريب، فدوّى صوتها في ضمير العالم، ولم يكن جلالة الملك بعيدًا عن هذه الجبهة، بل كان في المؤتمرات والمناسبات الرسمية والدولية صوت العقل والحق، يحذّر من استمرار العدوان ويدعو إلى وقف الحرب ومعالجة الأسباب الجذرية، وفي كل لقاء ومؤتمر من واشنطن إلى بروكسل إلى نيويورك كان اسم فلسطين حاضرًا في كلماته، وكان التحذير الأردني الصادق هو الصوت الذي سبق التغيّر في نبرة العالم، التي بدأت تعي أن ما يجري في غزة ليس دفاعًا عن النفس بل كارثة إنسانية لا يمكن تبريرها، وأن من يقف معها هو الذي يقف مع العدالة والكرامة الإنسانية، وقالها جلالة الملك عبدالله الثاني بوضوح لا يحتمل التأويل: “سنواصل إرسال المساعدات إلى أهلنا في غزة بكل الوسائل الممكنة، ولن نتركهم وحدهم في الميدان.”

جلالة الملك لم يكن في موقع المراقب، بل في موقع القائد الحقيقي الذي يتحرك من مبدأ المسؤولية لا المصلحة، فوقف وقال كلمته بوضوح، لم تكن هذه مجرد كلمات، بل تجسدت في طائرات أقلعت بأمره، وفي أفعال صنعت الفارق على الأرض، وفي كرامة ظلّ يحملها هذا الوطن رغم كل الضغوط

ولمن يهاجمون الأردن ويسخرون من مواقفه نقول، نحن لا نبحث عن تصفيق ولا ننتظر شهادة من أحد، من يعرف الأردن يعرف أنه لا يساوم على الكرامة، ولا يتراجع عن الحق، ولا يبيع مواقفه، أنتم تتحدثون ونحن نعمل، أنتم تطعنون ونحن نُسعف الجرحى، أنتم تصمتون ونحن نُسقط الغذاء من السماء، وبيننا وبينكم التاريخ، والشعوب، والحقائق التي لا يمكن تزويرها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة