العلاج النفسي بين التدخل النمطي والفهم السياقي: نحو مقاربة شمولية إنسانية

د. عاطف قاسم الشواشرة
د. عاطف القاسم
أخصائي نفسي اكلنيكي
رئيس جمعية العلوم النفسية/الأردن
في عالم يزداد فيه الضغط النفسي وتتسارع فيه وتيرة الحياة، هل لا يزال دور الأخصائي النفسي يقتصر على تقديم التدخل النفسي وفق النظريات النفسية كافياً؟ أم أن الدور الحقيقي للأخصائي النفسي بات يتطلب ما هو أكثر إنسانية وعمقاً؟
مع ازدياد الوعي المجتمعي بأهمية الصحة النفسية، تبرز الحاجة إلى إعادة التفكير في الطريقة التي يُمارَس بها العلاج النفسي. فالكثير من الممارسات التقليدية تركز على تصنيف الاضطرابات ورصد الأعراض وتقديم التدخلات وفق وصوفات نظرية معلّبة من ثقافات أخرى، وكأن الفرد مجرد حالة سريرية معزولة عن ثقافتها وسياقاتها الاجتماعية. لكن الحقيقة أكثر تعقيداً، وأكثر إنسانية.
إن الأخصائي النفسي الحقيقي لا يُختزل دوره في تقديم التدخلات النفسية وفق تصنيفات جاهزة، أو في رصد الأعراض السطحية للمشكلة فحسب، بل تكمن مهارته الفعلية في قدرته على تأمل كل حالة بوصفها تجربة إنسانية فريدة، لها سياقها الخاص وظروفها المتشابكة. إن المقاربة النفسية الناجعة لا تقتصر على أدوات القياس أو النظريات المجردة، بل تنفتح على الواقع بكل تعقيداته، لتقرأ خلف السلوك والتعبير النفسي طبيعة العلاقات، وحدود الثقافة، ومحددات البيئة ، إنها مقاربة تُمكّن الإنسان من استعادة توازنه الحقيقي ضمن شروط حياته الفعلية، وليس في فراغ نظري،
ومن هذا التأمل الكلي تولد المعالجة التي لا تكتفي بإعادة الوعي والاتزان النفسي للفرد، بل تراعي إمكاناته وموارده، وتبحث عن بناء حلول قابلة للتطبيق، منسجمة مع مجتمعه وبيئته، وهذا هو جوهر العمل النفسي المسؤول: فهم الإنسان في سياقه، لا في معزل عنه ، وبهذا يجب أن يتجاوز التدخل النفسي النفسي الحقيقي التصنيفات الجاهزة، ويغوص في عمق التجربة الشخصية لكل حالة. فكل إنسان يأتي محمّلاً بسياقه الخاص: تاريخه، علاقاته، بيئته، وثقافته. ومن دون فهم هذا السياق، تبقى أي قراءة نفسية ناقصة، وأي علاج غير مكتمل.
وبهذا المعنى، يصبح العمل النفسي مسؤولية معرفية وأخلاقية، لا تسعى فقط إلى تخفيف المعاناة، بل إلى تمكين الفرد من استعادة توازنه ضمن شروط حياته الواقعية، في توافق مع ذاته ومجتمعه