مجلس النواب في دورته الأولى.. رقابة منخفضة وتشريع أقل وكتل مبعثرة

– فيما وضعت الدورة العادية الأولى لمجلس النواب العشرين أحمالها أمس، يرى مراقبون أن هذه الدورة لم تكن وفق طموحات الناخبين والمتابعين، ولم يتمكن النواب فيها من إعادة الاشتباك الإيجابي مع المواطنين، حيث شهدت ضعفا تشريعيا ورقابيا، وشحا في التأثير والحضور السياسي والوطني.
وكانت صدرت إرادة ملكية نهاية الأسبوع المنصرم قضت بفضها، وبذلك يكون المجلس المنتخب في العاشر من أيلول (سبتمبر) من عام 2024، أنهى الربع الأول من عمره الدستوري المقدر بأربع دورات عادية.
عطلة طويلة
وبهذا يدخل النواب اعتبارا من اليوم في “عطلة برلمانية” تستمر دستوريا حتى الأول من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، ويمكن أن تمتد حتى الأول من كانون الأول (ديسمبر) وهي عطلة طويلة تصل إلى خمسة أشهر وربما أكثر في حال لم تتم دعوة مجلس الأمة لدورة استثنائية خلال تلك الفترة.
وتقول المادة 78/ الفقرة 1 من الدستور: “يدعو الملك مجلس الأمة إلى الاجتماع فـي دورته العادية فـي اليوم الأول من شهر تشرين الأول من كل سنة، وإذا كان اليوم المذكور عطلة رسمية، ففي أول يوم يليه لا يكون عطلة رسمية، على أنه يجوز للملك أن يرجئ بإرادة ملكية تنشر فـي الجريدة الرسمية اجتماع مجلس الأمة لتاريخ يعين فـي الإرادة الملكية، على ألا تتجاوز مدة الإرجاء شهرين”.
وإذا حصل ذلك، فإن مجلس النواب الحالي سيكون قد سجل غيابا خلال عام واحد لأكثر من ستة أشهر كاملة، فالمجلس غاب لمدة شهرين وعدة أيام عن المشهد السياسي والتشريعي والرقابي بعد انتخابه في العاشر من أيلول (سبتمبر) الماضي، حيث عقد دورته الأولى في الثامن عشر من تشرين الثاني (نوفمبر)، وها هو الآن يرجح غيابه لمدة 5 أشهر أخرى.
وهذا الغياب المطول لمجلس الأمة بشقيه (النواب والأعيان)، سيبعده عن دوره الرقابي للحكومة، وعن التواصل المكثف مع المواطنين والرأي العام، وربما يبعد النواب عن الذاكرة الجمعية للناس، لذلك فإن إمكانية عقد دورة استثنائية للمجلس ستبقى قائمة وممكنة، خاصة أن المجلس الحالي لديه رغبة في إجراء تعديلات على نظامه الداخلي، وشكل لجنة خاصة لها الغرض، وبالتالي فإنه يمكنه استثمار انتهاء الدورة في إنجاز تعديل نظامه الداخلي، ومن ثم عقد دورة استثنائية لإقرار التعديلات.
وتقول المادة 82 الفقرة 1 منها: ” للملك أن يدعو عند الضرورة مجلس الأمة إلى الاجتماع فـي دورات استثنائية ولمدة غير محددة لكل دورة من أجل إقرار أمور معينة تبين فـي الإرادة الملكية عند صدور الدعوة، وتفض الدورة الاستثنائية بإرادة”، أما الفقرة الثانية من المادة فتقول: “يدعو الملك مجلس الأمة للاجتماع فـي دورات استثنائية أيضاً متى طلبت ذلك الأغلبية المطلقة لمجلس النواب بعريضة موقعة منها تبين فـيها الأمور التي يراد البحث فـيها”.
جردة حساب الدورة الأولى
عقد المجلس خلال دورته الأولى 22 جلسة تنوعت بين التشريع والرقابة، إذ أقرّ المجلس 15 مشروع قانون، تناولت ملفات اقتصادية وتنظيمية، أبرزها ما يتعلق بالشأن المالي وتنظيم المؤسسات العامة، وهي: الموازنة العامة للسنة المالية 2025، وصندوق التكافل للحد من المخاطر الزراعية، والإحصاءات العامة، واللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، والكهرباء العام، والتعاونيات، وتنظيم التعامل بالأصول الافتراضية، والبناء الوطني الأردني، وتنظيم مهنة المساحة والمكاتب العقارية، والإقامة وشؤون الأجانب، وإعادة هيكلة مؤسسات ودوائر حكومية، والطيران المدني، والجمارك، والعقوبات، والعمل الذي لم تكتمل دورته التشريعية إذ لم يتم إقراره من قبل مجلس الأعيان.
رقابيا، قدم النواب ما يقرب من 850 سؤالا للحكومة، ولم تتم مناقشة إلا 50 منها، ولم يعقد المجلس أي جلسة استجواب للحكومة خلال الدورة، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على قلة عدد الجلسات الرقابية، كما لم يعقد المجلس أي جلسة مناقشة عامة لقضية معينة، وإنما تم الاكتفاء بتحويل بعض الجلسات للحديث عن قضايا ملحة كقضية “خلية الصواريخ”.
وناقش النواب خلال عمر دورتهم العادية الأولى تقارير ديوان المحاسبة لعامي 2022 و2023، في خطوة إيجابية سجلت للمجلس واعتبرت تفعيلا للرقابة البرلمانية، بيد أن ذلك لم يكتمل؛ إذ بقيت الرقابة البرلمانية أقرب للشكلية في ظل غياب الاستجوابات تحت القبة.
كتل غير منسجمة
كان من بين الجلسات الـ22 التي عقدها مجلس النواب جلسات متواصلة امتدت لعدة أيام، أبرزها جلسة مناقشة الثقة بالحكومة، ومناقشة الموازنة العامة للدولة عن السنة المالية 2025، إذ منح المجلس في دورته الأولى حكومة الدكتور جعفر حسان الثقة بعدد أصوات بلغ 82 نائبا وحجب عنها 53 نائبا وامتنع نائبان عن التصويت.
وعند التصويت على الثقة، ظهرت بدايات الخلل الكتلوي إذ لم يكن تصويت أعضاء المجلس على الثقة بالحكومة منسجما كتلويا، باستثناء كتلة حزب جبهة العمل الإسلامي التي حجب جميع أعضائها الثقة عن الحكومة.
ولأن مجلس النواب ضم 6 كتل هي كتلة الميثاق، وجبهة العمل الإسلامي، وإرادة والوطني الإسلامي، وعزم، واتحاد الاحزاب الوسطية، وتقدم، إضافة إلى نائبين مستقلين، فقد ظهرت الفجوة بين أعضاء الكتل الحزبيين في الرؤى والموقف؛ إذ أظهرت نتائج التصويت أن 5 كتل برلمانية لم تنسجم في سلوك أعضائها التصويتي، فيما انسجمت بذلك كتلة واحدة فقط هي حزب جبهة العمل الإسلامي.
وتبين أن أعلى الكتل انسجاماً بسلوكها التصويتي هي كتلة عزم، حيث منح الثقة ما نسبته 88 % من مجموع أعضائها، وحجبها 6 %، وامتنع
6 %، وتلتها كتلة الميثاق حيث منح الثقة ما نسبته 86 % من أعضائها وحجبها 11 %، وامتنع 3 %، ثم كتلة تقدم التي منحت الثقة بنسبة 80 % وحجبت بنسبة 20 %، تلتها كتلة إرادة والوطني الإسلامي التي منحت الثقة بنسبة
70 % وحجبت بنسبة 30 %.
فيما منحت كتلة اتحاد الأحزاب الوسطية الثقة بنسبة 65 % من أعضائها وحجبت بنسبة 35 %، وظهر خلال التصويت كشف التباعد والتباين بين أعضاء الكتلة والحزب الواحد، ووضع علامات سؤال على قوة الأحزاب وتأثيرها وانسجامها تحت القبة.
لهذا كله يمكن توصيف الدورة العادية الأولى على مستوى الكتل بأنها شهدت غياب الكتل البرلمانية ذات البرامج، وبرز الأداء الفردي والمناطقي على حساب العمل البرامجي الجماعي، وفي المقابل أظهرت كتل المجلس مجتمعة في قضايا معينة انسجاما وخاصة تلك التي تتعلق بالشأن الوطني الداخلي أو دعم القضية الفلسطينية، إلا أن حضور المجلس السياسي بالمجمل كان باهتا، ولذلك فإن على المجلس خلال ما تبقى من دورات في عمره الدستوري تفعيل أدواته الرقابية، وتطوير بنيته الكتلوية والسياسية ليكون أكثر تأثيرًا في القضايا العامة، والتواصل مع الشارع واستعادة ثقة الناس بالمؤسسة التشريعية.