تراجع المنح الخارجية.. إنذار مبكر للحكومة لتحفيز الاقتصاد والاعتماد على الذات

عمان- بعد أن سجل الأردن تراجعا حادا في حجم المنح الخارجية خلال الربع الأول من العام الحالي وصلت نسبته إلى 93 % حذر خبراء من مغبة استمرار تذبذب المنح الذي قد يؤثر سلبا على الموازنة العامة وبرامج الدعم الاجتماعي.

ودعا الخبراء إلى بلورة خطة وطنية طويلة الأمد تقوم على تعزيز الاعتماد على النفس وتنويع مصادر التمويل بما يحصن الاقتصاد الوطني من تقلبات الخارج.
ويرى الخبراء أن تذبذب مؤشر المنح يثير القلق حول تغير أولويات المانحين وتزايد التحديات الجيوسياسية التي تلقي بظلالها السلبية على الاقتصاد الوطني.
وأكد الخبراء في تصريحاتهم لـ”الغد” أن الحكومة بدأت باتخاذ إجراءات لتعويض هذا التراجع من خلال رفع الإيرادات المحلية والحصول على تمويلات بديلة، إلا أنهم شددوا على أن هذه الخطوات يجب أن تترافق مع إصلاحات اقتصادية هيكلية، وفي مقدمتها إصلاح النظام الضريبي وتحفيز النمو الاقتصادي الداخلي.
وكشفت أحدث البيانات الرسمية انخفاض المنح خلال الربع الأول من العام الحالي بما نسبته 93.2 % قياسا بالربع نفسه من العام الماضي إذ بلغت قيمة المنح الخارجية 3.4 مليون دينار، مقابل 49.6 مليون للفترة المقابلة من 2024، وفقا لبيانات وزارة المالية.
تأخر تحويلات المنح والحرب على غزة وتعليق المساعدات الأميركية
اعتبر الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة أن التراجع الكبير في المنح يعكس تحديات خارجية مرتبطة بسياسات المانحين والظروف الإقليمية، وتبدل الأولويات على الساحة الدولية، مشيرا إلى أن  الحكومة مستعدة لذلك وتعمل على تعويضه عبر تعزيز الإيرادات المحلية والتمويل الخارجي البديل.
وفسر المخامرة انخفاض حجم المنح الخارجية خلال الربع الأول من العام الحالي إلى جملة من الأسباب في مقدمتها تأخر وصول الدفعات الكبرى من المنح حيث أنه على الرغم من اعتياد انخفاضها في الربع الأول من العام إلا ان حجم الانخفاض كبير جدا ما يشير إلى تأخر كبير في تحويلات المانحين حيث لم تسجل أي منح في شهر آذار(مارس).  ويضاف إلى ذلك التوترات الجيوسياسية، كالحرب في غزة، مما أثر على أولويات المانحين الدوليين وتوجيه المساعدات نحو مناطق أخرى، إلى جانب إيقاف الإدارة الأميركية خلال الأشهر الماضية لجزء من مساعداتها الخارجية، مما أثر على التدفقات المالية إلى الأردن، لافتا إلى أن هناك نية أميركية لاستدامة المنح والمساعدات للأردن.
استجابة حكومية متعددة المسارات: إيرادات محلية وتمويلات دولية
بين المخامرة ، انه رغم  الانخفاض الكبير في المنح،  إلا أن الحكومة الأردنية اتخذت حسب التوقعات عدة إجراءات لتعويض العجز، ومنها زيادة الإيرادات المحلية حيث ارتفعت الإيرادات المحلية بنحو 150 مليون دينار خلال الربع الأول من 2025، مدعومة بارتفاع الإيرادات الضريبية (مثل ضريبة السلع والخدمات التي حققت 1.076 مليار دينار). ومن الإجراءات الأخرى الحصول على تمويل بديل حيث وقعت وزارة التخطيط اتفاقيات تمويلية مع جهات مثل البنك الدولي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي بقيمة 2.1 مليار دولار، تشمل قروضا ومنحا لمشاريع تنموية، إلى جانب ذلك ترشيد الإنفاق الحكومي حيث ناقش مجلس النواب خفض النفقات الجارية وإعادة توجيه الأموال نحو المشاريع الإستراتيجية مثل الناقل الوطني للمياه.
انعكاسات الانخفاض على الموازنة العامة: ضغط مالي ومشاريع مؤجلة
اما فيما يتعلق بتأثير تراجع المنح على الموازنة العامة، أوضح المخامرة أن ذلك من الممكن أن يساهم في زيادة العجز المالي حيث على الرغم من ارتفاع الإيرادات المحلية، فإن تراجع المنح يزيد الضغط على الموازنة، خاصة مع ارتفاع الدين العام إلى 118.4 % من الناتج المحلي الإجمالي ( ينخفض إلى 90.9 % باستثناء ديون الضمان الاجتماعي)، علاوة على إمكانية الدفع نحو تأجيل بعض المشاريع التنموية حيث قد تضطر الحكومة إلى إعادة ترتيب أولويات الإنفاق، مع التركيز على المشاريع ذات الأولوية القصوى.
ويضاف إلى ذلك إمكانية تأثيره السلبي على الدعم الاجتماعي حيث خصصت الموازنة زيادة في مخصصات شبكة الحماية الاجتماعية، لكن تراجع المنح قد يحد من قدرة الحكومة على توسيع هذه البرامج.
دعوات لتعزيز الاعتماد على الذات وإصلاح النظام الضريبي
من جانبه، قال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض إن انخفاض المنح الخارجية خلال الربع الأول من العام الحالي، يعيد التذكير بأهمية وضع الحكومة والقائمين على المشهد الاقتصاد الوطني بوضع خطة وطنية لتعزيز الاعتمادية على الذات، وتقليل الاعتماد على المنح والمساعدات الخارجية التي تشكل نحو 20 % من حجم الموازنة العامة لتفادي الوقوع في الأزمات والمتغييرات الدولية.
وشدد عوض على أن التحرك الفوري لمواجهة انخفاض المنح، يستوجب من الحكومة تركيز جهودها على زيادة معدلات النمو الاقتصادي وتحفيز الاستهلاك الداخلي، إضافة إلى تنفيذ إصلاحات جذرية لنظام الضريبي، ولا سيما على ضريبية الدخل التي ما تزال متدنية محليا، حيث أن نسبة تغطية هذه الضريبة لم تزد على 4 %، وهي أقل بكثير من النسبة العالمية التي تتراوح ما بين 8-10%، موضحا أنه رغم الإصلاحات الضريبية التي قادتها الحكومة مؤخرا، إلا ان قطاعات اقتصادية عدة ما تزال متجنبة ضريبيا.
وأشار عوض إلى أن الحكومة تحركت خلال الأشهر الماضية، للتعامل مع انخفاض المنح الخارجية، من خلال تشجيع المؤسسات والشركات الاقتصادية الكبرى، على مضاعفة حصص المسؤولية الاجتماعية، وذلك بهدف استدامة تغطية وتمويل المشروعات القائمة في قطاعات الصحة والتعليم، والمعتمدة على المنح.  ولفت عوض إلى أن تراجع المنح التي حصل عليها الأردن خلال الربع الأول بصورة كبيرة، مرتبط بقرارات الرئيس الأميركي في الشهر الأول من تسلم إداراته، والتي أوقف خلاله المنح والمساعدات الأميركية بشكل كلي.
توقعات بتدفق المنح في الفترات القادمة مع عودة الدعم الأميركي التدريجي
توقع عوض ان يرتفع تدفق المنح الخارجية خلال الأرباع القادمة من العام، خاصة مع تأكيد الإدارة الأميركية وقف تعليق المنح والمساعدات على عدد من الدول ومنها الأردن.
ورغم العودة المتوقعة للمنح الأميركية، إلا أن التحليلات بحسب عوض، تشير إلى أنها ستقتصر على المنحة الأميركية المقدمة للحكومة الأردنية والمؤطرة بالاتفاقية الأردنية الأميركية، ما يعني المنح والمشروعات التي تقدم للمؤسسات المجتمع المدني سواء شبه الحكومية أو الخاصة، غالبا ستبقى معلقة، ولذلك أثر سلبيا على الواقع التنموي المحلي ومعدلات البطالة، داعيا الحكومة في هذا الصدد لبذل جهد أكبر لمحاولة استعادة المنح والمساعدة كافة.
يشار إلى أن الحكومة الأردنية وقعت في عام 2022 مذكرة تفاهم مع الجانب الأميركي لمدة 7 سنوات، تغطي الفترة (2023-2029)، حيث قدم الجانب الأميركي بموجبها إلتزاما بتقديم مساعدات إجمالية خلال هذه الفترة بقيمة 10.15 مليار دولار، وبمعدل سنوي يبلغ 1.45 مليار دولار، بدأت منذ عام 2023، وبزيادة في حجم المساعدات السنوية بمبلغ 175 مليون دولار مقارنة بالمساعدات الُمقدمة بموجب مذكرة التفاهم السابقة 2018-2022 وذلك بهدف دعم  الجهود الحكومية في المضي قدما بتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي وخريطة تحديث القطاع العام.
تحولات جيوسياسية تعيد تشكيل الأولويات الدولية
بدوره، يرى المختص في الاقتصاد السياسي زيان زوانة أن الانخفاض الحاد في حجم المنح الخارجية التي تلقاها الأردن خلال الربع الأول من عام 2025، يعكس جملة من التغيرات الجيوسياسية المتسارعة، لا سيما في الولايات المتحدة وأوروبا والمنطقة الإقليمية.
وأكد زوانة أن الاعتماد المفرط عليها بات يشكل مصيدة خطيرة، كما هي الحال مع تراكم المديونية ومن هنا، ينبغي قراءة هذا التراجع الحاد كمؤشر إستراتيجي على تغيرات قد تطول لسنوات، وربما تستقر بشكل دائم، ما يفرض على الحكومة التحرك العاجل للخروج من هذه الدوائر المغلقة، وبناء نموذج اقتصادي أكثر استدامة وذاتية.
بحسب زوانة يبرز في سياق التغييرات الجيوسياسية المتسارعة على الساحة الدولية، التحول الذي يقوده الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي يسعى من خلاله إلى إعادة تشكيل الداخل الأميركي وصياغة علاقات بلاده الدولية، سواء مع الحلفاء التقليديين أو شركاء الإقليم، وفق رؤيته الخاصة.

عبدالرحمن الخوالدة/الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة