رئيس جامعة عجلون الوطنية يكتب حزيران المجد… بين العرش والجيش والثورة

=
حزيران المجد… بين العرش والجيش والثورة
بقلم الأستاذ الدكتور فراس الهناندة – رئيس جامعة عجلون الوطنية
في حزيران، لا تشرق الشمس على ثرى الأردن كما تشرق في سائر الأيام…
بل تُطلُّ بإشراقٍ مختلف، محمّلةً بعبق التاريخ، وزهو الإنجاز، وسنا المجد الممتد من سيف الثورة إلى عرش القيادة، مرورًا بشجاعة الجندي الأردني النبيل.
في حزيران، تتفتح الذاكرة الوطنية كما تتفتح زهور الروابي بعد المطر، وتخفق القلوب بعشقٍ لا يعرف الخفوت، إذ يهلُّ علينا المجد من ثلاثة أبواب خالدة:
عيد الجلوس الملكي، حيث السيادة والشرعية والحنكة؛
ويوم الجيش، حيث البطولة والرجولة والانتماء؛
وذكرى الثورة العربية الكبرى، حيث الفكرة والقضية والرسالة.
ثلاث محطات، تسكن الوجدان، وتكتب في سجل الوطن سطور العز والشرف والكرامة، وتجدد في كل عام عهد الولاء، وميثاق الانتماء، ووهج الكبرياء الأردني الأصيل.
في الجلوس الملكي، لا نحتفي فقط بتسلُّم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين سلطاته الدستورية، بل نستحضر مسيرة قائدٍ اختار أن يكون في الصفوف الأولى من ميادين الشرف، وعلى جبهات البناء. قائدٌ حمل الأمانة وارتقى بها، فصار رمزًا للنهضة، وضميرًا للأمة، وصوتًا للحق في محافل العالم، حيث تبقى القدس وفلسطين في قلب كل خطاب، وفي صميم كل موقف.
ويوم الجيش، ليس مجرد تاريخٍ نُدوّنه في مفكرة الوطن، بل هو عنوانٌ لهويتنا، ومرآةٌ لأخلاقنا، وذاكرةٌ محفورةٌ ببطولاتٍ لا تُنسى.
هو اليوم الذي نقف فيه احترامًا لأبناء الجيش العربي المصطفوي، أولئك الذين نسجوا الكرامة بدمائهم، وكتبوا على بوابات النصر: “هنا مرّ الأردنيون… فانتصر الحق وتراجع الظلم”.
هو الجيش الذي لم يكن يومًا أداة قمع، بل راية عزّ، ودرع أمن، وجدارًا منيعًا في وجه كل من سولت له نفسه المساس بالأردن، أو النيل من أشقائه.
أما الثورة العربية الكبرى، فهي البوصلة التي أعادت للأمة العربية وجهتها، فكانت شرارتها الأولى صرخةً في وجه الطغيان، وإعلانًا لميلاد مرحلة جديدة من السيادة والحرية.
ثورةٌ لم تكن لحظة غضب، بل مشروع تحرر وكرامة، انطلقت من مكة، وتجلّت في الكرك والسلط والطفيلة وعجلون واربد، لتُبشّر بعصرٍ جديد تقود فيه العروبة سفينتها.
ومن رحمها وُلِدت الدولة الأردنية، فحمل الهاشميون شعلة الثورة، ورسخوا دعائم الدولة، وأسسوا لنموذج فريد في الحكم الرشيد والارتباط العضوي بالشعب.
حزيران، إذًا، ليس شهرًا كبقية الشهور… بل هو فصلٌ وطنيٌّ كامل، تُروى فيه قصة وطن، وتُستعاد فيه حكاية شعبٍ ما انكسر، وما انحنى، وما خذل العهد.
وفي جامعة عجلون الوطنية، حيث الفكر نبضٌ، والمعرفة رسالة، والانتماء منهج، نغرس في طلبتنا قيم هذه المناسبات، ونعلمهم أن المجد لا يُورّث بالأقوال، بل يُصنع بالأفعال.
نُعلّم أبناءنا أن حبّ الوطن ليس ترفًا عاطفيًا، بل عقيدة راسخة، ومسؤولية واعية، تبدأ من مقاعد الدراسة ولا تنتهي إلا بحفظ الأمانة، وحمل الرسالة، والمضي على درب من سبقونا بالعطاء والتضحية.
فلنقرأ حزيران كما يليق به…
لا كتقويم نُقلّب صفحاته، بل كذاكرةٍ وطنية حيّة، نغرف منها معنى الثبات، وسرّ البقاء، ودروس الوفاء.
حزيران هو المجد حين يُكتب بالعرش والجيش والثورة… وهو الأردن حين يتجلّى في أبهى صوره.