كيف يُعيد العرب هندسة سلاسل التوريد بعد تهديد مضيق هرمز؟


أ.د. عمر خليف غرايبة

بعد أسابيع من التصعيد الخطير بين إيران وإسرائيل، والذي صاحبه تهديد صريح بإغلاق مضيق هرمز، هدأت العاصفة نسبيًا، وعادت حركة الملاحة في الخليج إلى وتيرتها الطبيعية، لكن من يضمن أن لا تعود الحرب في لحظة؟ ومن يضمن أن لا يتحول المضيق، الذي يمر منه نحو 20% من النفط العالمي (17 مليون برميل يوميًا)، إلى ساحة اشتعال متكرر؟ الواقع يقول: التهدئة لحظة مؤقتة، والاستعداد ضرورة دائمة.

من هنا، يجب أن تنظر الدول العربية إلى ما حدث كدَرس لا كحدث عابر، وتعيد رسم خريطة سلاسل الإمداد والنقل والطاقة لتكون قادرة على الصمود مهما كانت الظروف، فلا يمكن أن يظل أمن الغذاء والطاقة والصناعة رهينة لممر مائي واحد مهما كان حجمه الاستراتيجي.

أول الإجراءات العاجلة تتمثل في تنويع مسارات الشحن والنقل، الموانئ المطلة على البحر الأحمر والبحر المتوسط، مثل العقبة (الأردن)، ينبع وجدة (السعودية)، الإسكندرية وبورسعيد (مصر)، تُعد بدائل ممكنة لكنها تحتاج إلى تحسين الربط البري والتنسيق الجمركي، تشير تقارير النقل إلى أن كفاءة هذه الموانئ يمكن أن تتحسن بنسبة 35% إذا تم تطوير البنية التحتية.

كما أن خطوط الأنابيب العابرة للمضيق أصبحت عنصرًا حاسمًا في المعادلة، فخط “شرق–غرب” السعودي (Petroline) ينقل فعليًا 5 ملايين برميل يوميًا من الخليج إلى البحر الأحمر، وهو ما يمثل أكثر من ربع إنتاج المملكة، أما المشروع العراقي لمد أنبوب من البصرة إلى العقبة، فيهدف لنقل مليون برميل يوميًا، ويُعد مشروعًا حيويًا لتقليل اعتماد العراق على الخليج.

وفي حال إغلاق المضيق، فإن وجود مخزون استراتيجي من السلع والطاقة يُشكل خط الدفاع الأول، وفق البنك الدولي، تمتلك مصر والسعودية مخزونًا من القمح يكفي 3 إلى 6 أشهر، والأردن 10 أشهر، في حين تفتقر معظم الدول العربية الأخرى إلى مخزونات كافية، كما أن احتياطات النفط متفاوتة بشدة بين الدول، مما يستدعي إنشاء مراكز تخزين إقليمية بإدارة عربية جماعية.

التكامل العربي في البنية التحتية اللوجستية لم يعد خيارًا نظريًا، تقرير للبنك الإسلامي للتنمية (2023) يشير إلى أن تكاليف النقل بين الدول العربية هي من الأعلى عالميًا بسبب ضعف التنسيق والربط البري، مشاريع مثل “الربط الخليجي” و”الشام الجديد” يمكن أن تخفف هذه التكاليف بنسبة 30% وتُسرّع التوصيل بنسبة 40%.

الاعتماد المفرط على الخارج، خاصة في الغذاء والدواء، يجعل من الدول العربية عرضة لأي اضطراب عالمي، فوفق منظمة الفاو، تستورد المنطقة العربية أكثر من 60% من غذائها، بينما تبلغ فاتورة استيراد الأدوية في بعض الدول أكثر من 80% من الاستهلاك المحلي، الحل يكمن في الاستثمار في الأمن الغذائي، والمصانع الحيوية، والطاقة الشمسية.

على الجانب السياسي، فإن الدبلوماسية الوقائية أكثر أهمية من ردود الفعل، يجب أن تبادر الدول العربية لتعزيز الحوار مع إيران ودول الخليج، وبناء تفاهمات لحماية الملاحة الدولية، لا من باب المجاملة بل من منطلق المصلحة الإقليمية العميقة.

كما يُستحسن تعزيز العلاقات مع مصادر بديلة للطاقة خارج الخليج، مثل الجزائر وليبيا ونيجيريا، التي تملك قدرة تصديرية تتجاوز 5.5 ملايين برميل يوميًا، إلى جانب توقيع اتفاقيات تخزين وتوريد مع دول البحر المتوسط كتركيا، واليونان، وقبرص، لتأمين الإمداد في حالات الطوارئ.

كل هذه الجهود لا تكتمل دون هيئة عربية لإدارة الأزمات والطوارئ اللوجستية، تعمل على المراقبة والتنسيق وتوزيع الموارد، يمكن لهذه الهيئة أن تُبنى تحت مظلة الجامعة العربية أو صندوق مشترك بالتعاون مع مؤسسات التمويل العربية والإسلامية.

في النهاية، ما حدث في الخليج ليس نهاية أزمة، بل بداية وعي جديد بضرورة التحرر من الارتهان، فالعالم لا ينتظر من يتكل على “تهدئة مؤقتة”، بل يمضي مع من يُخطط لاقتصاد مرنٍ متنوعٍ، يضمن لأمته أن تقف على قدميها مهما كانت رياح السياسة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.