المقال السادس : زوال دولة اسرائيل من منظور اسلامي/ الدكتور فخري بني نصر

بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى:
{وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْـمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [الإسراء: ٤ – ٨]. صدق الله العظيم
هذا وعد من الله سبحانه وتعالى لدولة بني اسرائيل هو الافساد والعلو بالأرض ,فقد أخبر الله تعالى في هذه الآيات الكريمة أن بني إسرائيل سيفسدون في الأرض مرات عديدة ويتجبرون فيها ويقتلون الناس ويهدمون المباني والمساجد واماكن العبادة ، وقد حصل ذلك منهم في الزمن الماضي فأرسل الله عليهم ملوك وجبابرة فاستباحهم واستأصل شأفتهم وأذلهم وقهرهم جزاء وفاقاً، ثم رد الله لبني إسرائيل قوتهم ومدهم بالمال والقوة والجبروت كأول مرة فعتوا كسابق عهدهم، وحصل منهم إفساد في الأرض كالإفساد الأول أو يزيد، فأرسل الله عليهم من فعل بهم وقتلهم وشردهم وهزمهم وقهرهم، ودب اليأس في قلوبهم، بين لهم الله عز وجل أنه سيرحمهم إن تابوا وأنابوا فقال تعالى: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ (الإسراء:8)، وحذّرهم إن هو أنعم عليهم بطاعتهم له أن يعودوا إلى الإفساد مرة أخرى؛ لأن هلاكهم في ذلك، فقال عز وجل: (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا (الإسراء:8.
أي إن عدتم إلى الإفساد وقهر العباد عدنا إلى إذلالكم, ومع هذا التحذير والإنذار نجد أنهم يعودون لهذا الإفساد في القرن الحادي والعشرين ويقتلون ويقهرون الشعب الفلسطيني والأطفال والنساء العزل دون ذنب , وسيعيد الله عليهم سوء العذاب من قبل عباد الله المومنيين والمسلمين وجزء من هؤلاء العباد هم المجاهدون في مدينة غزة ، قال الله تعالى ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ)آل عمران112(
أن الله سبحانه وتعالى ناصر القوم المسلمين الموحدين المومنيين بالله الامرين بالمعروف والناهين عن المنكر على اليهود الظالمين مها علو وعتو، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان البخاري ومسلم وهو قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) :” لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يقول الشجر والحجر : يا مسلم ، يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فأقتله إلا الغرقد فإنه من شجر يهود”. والغرقد شجيرة صغيرة كثيفة الأغصان تزرع الآن في كل أنحاء فلسطين ولا يزال أهل النقب بفلسطين يسمونها ( الغرقد) ، ولها أسماء أخرى في بقية أنحاء فلسطين ، ويزرعها اليهود بأيديهم.
ولكن لن يكون هذا النصر إلا إذا أخذ المسلمون بأسبابه، وسعوا لحصوله، فإن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولو أن الله تعالى نصر المسلمين مع ما هم عليه من التفريط والإهمال، لكان ذلك لهم ولجميع الأمم فتنة؛ لأن نصر المسلمين يكمن في تمسكهم بدينهم وعبادتهم لربهم قال تعالى): وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ )الحج:40. وقال تعالى: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ )الصافات:173 وقال تعالى: وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139.
وهناك تفسير حديث للآية الكريمة قد يحدث وقد لا يحدث يقول : ان الافساد الثاني لبني إسرائيل، مدفوعين بالرغبة في تقرير أن القرآن يبشر بأن زوال «إسرائيل» واقع لا محالة؛ وأن الآيات الكريمة نبوءة قرآنية حتمية بتدمير المسلمين لـ«دولة اليهود»؛ وأن الإفساد الثاني هو الذي نعيشه الآن مع الاحتلال الصهيوني لبلاد فلسطين وما اقترن به من إفساد وإهلاك للحرث والنسل، وأن المسلمين هم الذين سيسوؤون وجوه اليهود، وسيدخلون المسجد الأقصى كما دخلوه أول مرة، وسيتبروا ما علا اليهود تتبيراً، و يقول الدكتور مصطفى مسلم (1) في كتابه «معالم قرآنية في الصراع مع اليهود» – رسم لمستقبل الصراع سيناريو يتصل بظهور المسيح الدجال ملكاً لليهود في «إسرائيل»، ونزول عيسى عليه السلام للقضاء عليه وعلى أتباعه؛ ما يعني أن الاحتلال الصهيوني لفلسطين سيستمر إلى أن تبدأ أشراط الساعة الكبرى في الظهور، وأن على المسلمين أن يقطعوا الأمل في تحريرها قبل قيام الساعة، الشيء الذي يوحي للقارئ أن أي محاولة لدحر الاحتلال مغالبة للقدر، واستعجال للنصر قبل أوانه.
فبعد أن تحدث عن الطرف اليهودي تساءل عن الطرف الآخر في معادلة الصراع، أين هو؟ فقدم جواباً مفاده أن أبناء الصحوة الإسلامية سيبتلون ابتلاء شديداً وفقاً لسنة الله في ابتلاء من يدعي الإيمان، فإذا تمحصت صفوفهم مكن الله المخلصين منهم «في رقعة من الأرض ليقيموا عليها حكم الله… ومن بين صفوف هؤلاء تنطلق كتائب جند الله إلى اليهود لتقع الملحمة الكبرى، وينزل نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام ليكون في طليعة هذه الكتائب وقائدها في المعركة الفاصلة في باب اللد» , ويشير بـ«المعركة الفاصلة في باب اللد» إلى ما جاء في الحديث من أن عيسى عليه السلام إذا نزل في آخر الزمان سيقتل ملك اليهود (المسيح الدجال) بباب لد في فلسطين .
وفي موضع آخر ذكر أن «قدر الله الكوني سيقع لا محالة، وهو إفساد بني إسرائيل في الأرض للمرة الثانية ليأتي بعد ذلك جند الله الموحدون، وعلى رأسهم المنقذ المسيح عيسى ابن مريم صلوات الله وسلامه عليه، ليقضي على مملكة الباطل، وأهل الفساد والشر، فيقتل بحربته ملكهم المتوج من قبل المفسدين في الأرض المسيح الأعور الدجال، هذه نهاية الفساد ليقوم بعد ذلك حكم الله في الأرض، ويعيش الناس بسلام في ظل الإسلام»[2].
ومن مؤيدين هذا التفسير الشيخ عبد المعز عبد الستار من علماء الازهر كتب مقال ونشر بمجلة الأزهر، بعنوان «سورة الإسراء تقص نهاية إسرائيل»، قال في مقدمة المقال: «أطبق المفسرون على أن ذلك الفساد والإفساد وقع منهم مرتين في الماضي قبل الإسلام, والذي يعنيني أن أكشف عنه وأن أثبته في هذا البحث أمران: الأول أن هاتين المرتين لم تكونا قبل البعثة، وإنما هما في الإسلام. الثاني أن المرة الأولى كانت على عهد رسول الله وأصحابه، والآخرة هي التي نحن فيها الآن، والتي سنسوء فيها وجوههم، وندخل المسجد كما دخلناه، وندمر فيها ما علواً تدميراً», على هذا الرأي سار الشيخ متولي الشعراوي في تفسيره، حيث أكد أن الإفساد الثاني لبني إسرائيل هو «ما نحن بصدده الآن، حيث سيتجمع اليهود في وطن واحد ليتحقق وَعْد الله بالقضاء عليهم وهذا هو المراد من قوله تعالى: {فَإذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } [الإسراء: 104]، أي: مجتمعين بعضكم إلى بعض من شَتّى البلاد، وهو ما يحدث الآن على أرض فلسطين»[3].
وبه جزم عبد الكريم الخطيب في تفسيره المسمى «التفسير القرآني للقرآن»، فقال: «إننا لنقطع عن يقين أن بني إسرائيل معنا اليوم، واقعون تحت قوله تعالى: {فَإذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْـمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء: ٧] وإذن فالجولة التالية بيننا وبين بني إسرائيل، هي لنا، وسندخل المسجد إن شاء اللّه كما دخلناه أول مرة، وسنخزي القوم ونعرّيهم من كل ما لبسوا من أثواب الزهو والغرور وسنقضي على هذه الدولة المولودة سفاحاً فلن تقوم لها قائمة إلى يوم القيامة»[4].
وبسبب علو اليهود في أرض فلسطين بما لم يبلغوا قط مثله خلال عشرين قرناً قبل قيام «إسرائيل»، إذ أصبح لهم كيان مزود بكل وسائل التدمير والإرهاب والاستعلاء، مقال الدكتور محمد المجذوب «إلى اعتبار الآخرة من المرتين هي التي نعاصرها اليوم ونعيش مآسيها» وبهذا التفسير جزم الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي في كتابه «الشخصية اليهودية من خلال القرآن»، حيث رجح «أن الإفساد الثاني لبني إسرائيل هو ما يقوم به اليهود الآن، وأننا نحن الذين نعيش إفسادهم الثاني، وأن هذا الإفساد يتمثل في كيانهم الذي أقاموه في فلسطين، وفي تحكمهم وسلطانهم وعلوهم وتجبرهم الذي يبدو أوضح ما يكون في هذه الأيام»[5].
ويقرر الدكتور مصطفى مسلم أن المرة الثانية لإفساد بني إسرائيل «بدأت بذورها من بداية مؤتمر اليهود في بازل بسويسرا عام 1897م، والتي وضعوا فيها المخطط المدروس لإفساد العالم، وأعلن فيها هرتزل وضع اللبنة الأولى في دولة إسرائيل ومنذ ذلك الوقت إلى الآن وعلو بني إسرائيل في تزايد مستمر»[5].
أن الأسلوب الذي حكى الله به الإفسادين يدل على الاستقبال، «فإذا لاحظنا أن الله ينص على أنه قضى أنهم يفسدون في الأرض مرتين؛ فإذا جاء وعد أولاهما كان كذا، وإذا جاء وعد الآخرة كان كذا.. دل ذلك على أن المرتين غير ما سبق..، وأنهما يقعان في المستقبل بالنسبة لمن أنزل عليه الكتاب»، وكلمة «وعد» التي استعملها الله في قوله «فإذا جاء وعد» «لا تأتي لشيء يسبق الكلام بل لشيء يأتي من بعد.. إذن فلم يكن ذلك في زمان بختنصر». وكذلك كلمة «(إذا) الموجودة أولاً هي ظرف لما يُستقبل من الزمان، أي بعد أن جاء هذا الكلام» (6).
وهذا الكلام إنما يصح مستنداً للتفسير المذكور لو كان المراد بـ«الكتاب» في قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} [الإسراء: ٤]، هو القرآن؛ وهذا ما حاول أن يوهمنا به عبد المعز عبد الستار بقوله: «يقعان في المستقبل بالنسبة لمن أنزل عليه الكتاب»، ولكن المفسرين أطبقوا على أن المراد به التوراة، وأضاف بعضهم جواز أن يراد به اللوح المحفوظ، فلا يكون في هذا الكلام مستمسك لهم؛ لأن مرتي الإفساد ستقعان في الزمان المستقبل بالنسبة لزمان نزول التوراة.
أن الإفساد لم يقع من بني إسرائيل في الماضي مرتين فقط؛ فقد «أفسدوا من قبل سبعين مرة، فالمرتان المعنيتان في الآية وقعتا بعد». وهذا ليس بشيء؛ فإن ما قيل عن إفساد بني إسرائيل في الماضي؛ أي قبل نزول القرآن، يقال عنهم أيضاً بعد نزوله، فقد أفسدوا أيضاً بعد ذلك مرات عديدة، ومن المعلوم أن الإفساد الوارد في النبوءة لا يراد به أي إفساد، وإنما المراد به الإفساد العام الظاهر، كالخروج الجماعي عن التوحيد وعبادة الأوثان، أو قتل نبي، أو ما شابه ذلك، وليس المراد به الإفساد الفردي الذي يتكرر مرات عديدة كل يوم.
وللدكتور طارق السويدان اجتهاد آخر في تعيين مرتي الإفساد في الآيات، لم يأخذ فيه بإجماع الأقدمين، ولا برأي المعاصرين، ولكن رأيه يفضي إلى نفس النتيجة من الآثار المتوقعة لتفسير المعاصرين، خاصة وأنه قرر بدوره بناء على قوله تعالى: {وَإنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [الإسراء: ٨]، وأحاديث ظهور الدجال، ومقاتلة المسلمين لليهود أن الحرب ستستمر سجالاً بين المسلمين واليهود في فلسطين إلى أن ينزل عيسى عليه السلام.
وقد لخص الكدتور طارق السويدان رأيه هذا في قوله: «لكنني أرى – والله تعالى أعلم – أن المرة الأولى هي التي نعيشها اليوم، وهي العلو الأول، وسيأتي على دولة اليهود هذه عباد لله يخرجونهم من فلسطين، غير أن اليهود سيتجمعون وينصرهم العالم ويمدهم بالأموال، وينصرهم اليهود المنتشرون في باقي العالم، فيكونون أكثر نفيراً بالنصرة العالمية لهم، فينتصرون علينا وبعدها يأتي وعد الآخرة أي المرة الثانية، والتي سنتغلب فيها نهائياً على اليهود ونخرجهم إلى غير رجعة من أرض المقدس ويظل الأمر كذلك إلى حين خروج المسيح الدجال الذي يؤيده اليهود آنذاك، فيسيطر على الأرض ومنها فلسطين، وتكون نهايته على يد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في مدينة اللد في فلسطين قبيل قيام الساعة، والله أعلم»[7].
منذ تواترت نصوص القرآن الكريم التي تثبت زوال إسرائيل، وأنها دولة لا بقاء لها، وأن عُلُوَّهم محكوم عليه بالفناء والزوال، وأنها أسرع دول التاريخ زوالًا؛ لأنها دولة قائمة على الظلم والاغتصاب، والظلم لا يدوم ولا بقاء له , وأن زوال إسرائيل من الوجود وعد ربانيٌّ، وأمر إلهيٌّ، تكفَّل به رب العالمين؛ ولذا فهو حقيقة لا شك فيها، ويقين لا مِراء فيه، وهذا اليقين، وتلك الحقيقة، متجذرة ومتأصلة في وجدان الفريقين، ولا يماري فيها الطرفان من اليهود والمسلمين، ولكن غرور الباطل، وسكرة القوة تُعمي الأبصار، وتطمِس البصائر، وزوال إسرائيل حتمية قرآنية، توراتية واقعية، أكدها القرآن الكريم، وتوراة اليهود حتى التي حرفوها، وكل الحقائق والوقائع على الأرض تُثبت صدق هذه النبوءة، وحتمية هذه القضية وهناك بعض النقاط تشير الى زال دولة اسرائيل منها :
أولًا: هشاشة دولة إسرائيل: دولة الاحتلال تحمل في جسدها أعراض زوالها، وجراثيم فنائها، وأمراض خطيرة تعجِّل بزوالها، وعلى الرغم من ذلك لا يفتأ البعض من ترويج شائعات مكذوبة عن عبقرية اليهود، وتقدمهم، وسبقهم، وتحضرهم، وهذا عكس الحقيقة تمامًا، والسؤال الذي يفضح هذه الشائعات، ويدحض هذه الأكاذيب؛ هو: هل تستطيع إسرائيل أن تعتمد على نفسها، وتقوم على ساقها، دون دعم من الغرب؟ والإجابة واضحة ومعلومة للجميع! بل إن إسرائيل مع الدعم الهائل واللامحدود من أوروبا وأمريكا في معركة طوفان الأقصى عجزت عن القضاء على المقاومة، وعجزت عن احتلال قطاع غزة المحاصَر منذ قرابة عَقدين من الزمان، فكيف لو كانت إسرائيل بمفردها دون دعم خارجي؟ وضعف إسرائيل وهشاشتها ليس تحليلًا سياسيًّا، ولا رأيًا علميًّا، بل هو قضاء إلهي لا مردَّ له، فقد فرض رب العالمين على اليهود التِّيهَ، والشَّتات، وأوجب عليهم الذل والصَّغار، والْمَسكنة والمهانة أينما وجدوا، وحيثما ثقفوا، والواقع يُثبت ضعفهم وجُبنهم وخَورهم، وأنهم لا شيء بدون الاستعمار الغربي، وأن إسرائيل ألعوبة في يد الغرب، فهي يده التي يبطش بها، وآلته التي يفتك بها، وهي ضالته التي ينشدها في دوام استعماره، واستمرار تنكيله ببلاد الإسلام؛ يقول ربنا سبحانه وتعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران: 112]. وكذب المنهزمون نفسيًّا، والمخدوعون عقليًّا، والمنبطحون فكريًّا الذين يروِّجون لأكذوبة التفوق اليهودي، فلو رفع الغرب دعمه عن إسرائيل، لسقطت بين عشية أو ضحاها، ولخارت قواها، ولعجزت عن الوقوف ساعة من نهار.
ثانيًا: زوال إسرائيل حتمية قرآنية: تواترت نصوص القرآن الكريم التي تثبت زوال إسرائيل، وأنها دولة لا بقاء لها، وأن عُلُوَّهم محكوم عليه بالفناء والزوال، وأنها أسرع دول التاريخ زوالًا؛ لأنها دولة قائمة على الظلم والاغتصاب، والظلم لا يدوم ولا بقاء له، وقد مضت سنة الله في الكون بالقضاء على الظالمين، حتى لو كانوا مسلمين، فما بالك لو كانوا يهودًا محتلين، غاصبين محاربين لدين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ قال الله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: 4 – 8].
ويقول الإمام ابن كثير في تفسيره لقول تعالى: إنه قضى إلى بني إسرائيل في الكتاب؛ أي: تقدم إليهم وأخبرهم في الكتاب الذي أنزله عليهم، أنهم سيفسدون في الأرض مرتين ويعلون علوًّا كبيرًا؛ أي: يتجبرون ويطغَون ويفجرون على الناس؛ ويُبين الشيخ الشعراوي رحمه الله المجمل ويوضح المبهم، في تفسيره لهذه الآيات فيقول: وبعد أن أسكنهم الله الأرض وبعثرهم فيها، أهاج قلوب أتباعهم من جنود الباطل، فأوحَوْا إليهم بفكرة الوطن القومي، وزيَّنُوا لهم أولى خطوات نهايتهم، فكان أن اختاروا لهم فلسطين ليتخذوا منها وطنًا يتجمعون فيه من شتى البلاد.
وقد يرى البعض أن في قيام دولة إسرائيل وتجمُّع اليهود بها نكاية في الإسلام والمسلمين، ولكن الحقيقة غير هذا؛ فالحق سبحانه وتعالى حين يريد أن نضربهم الضربة الإيمانية من جنود موصوفين بأنهم: {عِبَادًا لَنَا} [الإسراء: 5] يلفتنا إلى أن هذه الضربة لا تكون وهم مُفرَّقون مُبعْثرون في كل أنحاء العالم، فلن نحارب في العالم كله، ولن نرسل عليهم كتيبة إلى كل بلد لهم فيها حارة أو حي، فكيف لنا أن نتتبعهم وهم مبعثرون، في كل بلد شِرْذمة منهم؟ إذًا؛ ففكرة التجمُّع والوطن القومي التي نادى بها بلفور، وأيَّدتْها الدول الكبرى المساندة لليهود والمعادية للإسلام، هذه الفكرة في الحقيقة تمثل خدمة لقضية الإسلام، وتُسهِّل علينا تتبعهم، وتُمكِّننا من القضاء عليهم؛ لذلك يقول تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [الإسراء: 104]. أي: أتينا بكم جميعًا، نضمُّ بعضكم إلى بعض، فهذه إذًا بُشرى لنا معشر المسلمين بأن الكَرَّة ستعود لنا، وأن الغلبة ستكون في النهاية للإسلام والمسلمين، وليس بيننا وبين هذا الوعد إلا أن نعود إلى الله، ونتجه إليه؛ كما قال سبحانه: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام: 43].
وهنا قد يرِد سؤال على ذهن البعض عن تاريخ الإفسادين، هل هما قبل الإسلام، أم بعد الإسلام؟ وهل إفساد بني إسرائيل الحالي، وعلوهم وظلمهم الواقع والمشاهد حاليًّا من الإفسادين أم لا؟ ويجيب القرآن الكريم هؤلاء المتعبين إجابة تبرد قلوبهم، وتملأ باليقين أرواحهم، بأن رب العالمين تكفل بالقضاء على بني صهيون مثنى وثلاث ورباع، وأكثر من ذلك كلما عادوا إلى الفساد والظلم؛ قال تعالى: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8] وإن عدتم بني صهيون إلى الظلم، عُدنا عليكم بالعقوبة؛ قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: “وإن عدتم إلى المعاصي عُدنا عليكم بأشد مما أصابكم يعني من القتل والسبي”. ولقد صدقت النبوءة ووقع الوعد، فسلط الله على بني إسرائيل مَنْ قَهَرَهم أول مرة، ثم سلط عليهم من شردهم في الأرض، ودمر مملكتهم فيها تدميرًا , ويعقب السياق على النبوءة الصادقة والوعد المفعول، بأن هذا الدمار قد يكون طريقًا للرحمة؛ {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} [الإسراء: 8]، إن أفدتم منه عبرة، فأما إذا عاد بنو إسرائيل إلى الإفساد في الأرض، فالجزاء حاضر والسنة ماضية، {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8]، ولقد عادوا إلى الإفساد، فسلط الله عليهم المسلمين، فأخرجوهم من الجزيرة كلها، ثم عادوا إلى الإفساد، فسلط الله عليهم عبادًا آخرين، حتى كان العصر الحديث، فسلط عليهم هتلر، ولقد عادوا اليوم إلى الإفساد في صورة إسرائيل، التي أذاقت المسلمين العرب أصحاب الأرض الويلات، وليسلطن الله عليهم من يسومهم سوء العذاب تصديقًا لوعد الله القاطع، وفاقًا لسنته التي لا تتخلف، وإن غدًا لناظره لقريب.
ويقول الشيخ اسعد التميمي رحمه الله : منذ سنوات وأنا أبشر الناس بالنصر المرتقب الذي بشرت به الآيات والأحاديث، وكانت العلامة عندي هي تحول الشباب في بلاد المسلمين إلى الإسلام فجأة. وجاء الموضوع الأول تحت عنوان( الإسراء وعلاقته بقضية المسلمين في الأرض المباركة ) ليتحدث عن الصراع الذي دار مع النبي صلي الله عليه وسلم مع اليهود ونكثهم الدائم لعهودهم، وتحدث عن قدسية المسجد الأقصى.
وعن تكريم المولي عز وجل للرسول حادث الإسراء يقول: إن سورة الإسراء قد خلدت علاقة المسلمين بالمسجد ، وإن المسجد للمسلمين حيث أسرى بنبيهم إليه ، وتقرر السورة بركة أرض الشام، ومنها أرض فلسطين ، وتبدأ بعد ذلك في الحديث عن الفساد والعلو ليهود والتدمير الذي سيلحق بهم، وأنهم سينازعون المسلمين أرض الإسراء والمسجد الأقصى .
وفي ثنائية عجيبة يمزج الشيخ ما بين الإفساد الأول والإفساد الثاني، حيث يقول المولي عز وجل في سورة الإسراء:(وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا) الإسراء : 4 – 5 ، وتتحدث عن إفسادين وعلو واحد كبير لليهود ، فهل مضى هذان الإفسادان قبل نزول الآية أم أنهما آتيان؟
ومما لا شك فيه فإن اليهود دمروا أكثر من مرة قبل الإسلام، وقبل نزول الآيات، فقد سباهم البابليون، ودمرهم الرومان، وذلك أنه منذ أن غضب الله عليهم نتيجة سوء تصرفهم وحقدهم على الله وأنبيائه، جعلهم يتصرفون تصرفا يلجئ البشرية إلى إذلالهم وضربهم. يقول الله تعالى في سورة البقرة [ الآية 61 ] ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) . ثم تقرر آية أخرى في سورة أخرى أن العذاب سيستمر في اليهود والتدمير لهم إلى يوم القيامة ( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب )
الأعراف : 167 , إذن لا غرابة في أن يكون الإفساد والعلو ثم التدمير لمرتين بعد نزول الآيات، والواقع أن المتعمق في الآيات يجد أن المرتين اللتين أشارت إليهما آيات الإسراء في علو يهود وإفسادهم ثم تدميرهم هما بعد نزول آيات الإسراء .
وهذا هو السبب في أنه لم تنجح المحاولات لتثبيت دولة اليهود، وذلك أنه منذ سنة 1948م، وكل محاولة للصلح وتثبيت دولة اليهود يفشلها اليهود أنفسهم، وذلك لأن اليهود لا يعالجون أي أمر إلا بالحقد والتآمر والخديعة . ويقرر الله أن لا عقل عندهم فيقول (لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) [الحشر : 14] . وذلك كله يجري حتى يأتي اليوم الموعود يوم تتخلص المعركة من الأيديولوجيات المنافية للإسلام .
ثم يستعرض الشيخ جملة من القضايا الهامة منها في الموضوع الثاني مثل وجود الوطن البديل لليهود، واضطهاد الدول الغربية لليهود عبر التاريخ القديم والتاريخ الحديث، الألمان والتاريخ المعروف، الإنجليز، فرنسا ، النمسا والمجر ، أوربا الشرقية ,ومقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال عبر ثورة 1921 ، و1929 ، 1933 ، و1936 ، و1939 .
وفي الختام نقول ان : ان حتمية النصر من خلال آيات أخرى، (ان الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ) (الأنفال : 36 ) ولكن الله يمهل ولا يهمل ، والأمة حينما وصلت إلى حالة اليأس إلى سنة من سنن الله مع المسلمين إذ حين تصل الأمة إلى حالة اليأس يأتيها نصر الله (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) [يوسف :110]
مع أطيب تحياتي لك دكتور فخري
وجزيل الشكر على محاولة جمع التأويلات لما ورد في القرآن الكريم وما يتردد بين النصوص حول موضوع زوال بني إسرائيل…
لعلك تتريث وتتعمق أكثر فهناك تأويلات أخرى مثل تأويل الدكتور محمد حسن ددو وغيره.
وهناك تأويلات عددية حسابية لكثير من الباحثين تستحق النظر والأخذ والرد.
فالموضوع بصراحة كل من خاض فيه كان يسبح في محيط عميق واسع.
ثم استخدام مصطلح علو اليهود . والقوم المسلمين . وحكى الله . تحتاج منك لنظر .
وما يتعلق بصيغة الاستقبال . تصور أنك تقرأ القرآن بعد هزيمة بني إسرائيل فماذا سيكون التأويل لقضية المرات ؟
فما يتعلق بتأول الغيبيات من القرآن الكريم أمر يحتمل الكثير من الخطأ والصواب.
احترامي لك عزيزي وأرجو الله لنا ولكم الهداية والسلامة.