“الديانة الإبراهيمية”.. غطاء ناعم لمشروع خطير // د. باسم القضاة

في ظل التحولات السياسية المتسارعة التي تشهدها المنطقة، ومع تصاعد موجات “التطبيع” العلني مع الكيان الصهيوني، خرج علينا مصطلح جديد يُروّج له إعلاميًا وسياسيًا تحت اسم “الديانة الإبراهيمية”. مصطلحٌ ظاهره التعايش، وباطنه التذويب والتفكيك، يُسوَّق له باعتباره دعوة للسلام والتسامح، لكنه في حقيقته – كما يراه كثير من المفكرين والمختصين – ليس سوى غطاء ناعم لمشروع اختراق فكري وثقافي، يخدم مصالح الاحتلال الإسرائيلي، ويهدد خصوصيات العقائد السماوية، وعلى رأسها الإسلام.

ديانة أم فخ سياسي؟

الديانة الإبراهيمية، كما تُطرح اليوم، ليست دينًا جديدًا بالمعنى التقليدي، لكنها إطار فكري/روحي يُراد من خلاله الجمع بين الإسلام والمسيحية واليهودية تحت مظلة واحدة، وتذويب الفوارق العقائدية باسم “الإنسانية المشتركة”، و”السلام الديني”، و”أبناء إبراهيم”.

لكن المفارقة أن هذا الطرح لم يظهر إلا في سياق سياسي مشبوه، يترافق مع صفقات تطبيع، وصمتٍ مريب تجاه الجرائم الإسرائيلية، ومشاريع “سلام” لا تراعي الحد الأدنى من العدالة أو الحق التاريخي للشعب الفلسطيني. فهل هي مصادفة؟ بالطبع لا.

القدس ليست مشاعًا دينيًا

واحدة من أخطر تجليات هذا الطرح هي محاولة تحويل القدس من مدينة لها خصوصيتها الإسلامية والمسيحية إلى “أرض مشتركة روحية” لجميع الأديان، مما قد يُضعف المطالبة الإسلامية بها، ويمهّد لتدويلها أو سلبها من سياقها العربي والإسلامي.

هنا لا بد من التأكيد على أن القدس ليست مجرد مساحة جغرافية رمزية، بل هي محور عقيدة، ووقف إسلامي، ومسرى نبي، وقبلة أولى، لا يمكن التفاوض عليها أو تشاركها باسم التسامح الديني الزائف.

الدين ليس أداة ترويج

استخدام الدين كوسيلة سياسية يُعد من أخطر الأدوات التي يلجأ إليها المحتل أو المهيمن، لأنه يضرب في عمق الوجدان. حين يُطلب من المسلم أن يتخلى عن تفرده العقدي لصالح “قواسم مشتركة”، فإننا لا نكون أمام مشروع سلام، بل أمام محاولة لإعادة صياغة العقيدة الإسلامية بما يخدم مصالح غير المسلمين، وتحديدًا الصهاينة.

الإسلام يرفض الدمج لا التعايش

الإسلام لم يكن يومًا دين كراهية أو إقصاء، وقد شهد له بذلك مفكرو الغرب قبل مفكري الشرق. لكن الإسلام – في ذات الوقت – دين قائم بذاته، كامل في تشريعه، واضح في عقيدته، لا يقبل التذويب أو الدمج تحت أي مسمى، سواء كان سياسيًا أو روحيًا.

الأصالة لا تتنازل

دعونا نسأل: لماذا لا تُطرح هذه “الديانة الإبراهيمية” من داخل المجتمعات الغربية؟ لماذا لا يُطلب من الكنائس أو المعابد اليهودية التنازل عن عقائدها؟ لماذا الضغط دائمًا على المسلمين؟
الجواب واضح: لأن المطلوب هو ترويض العقل المسلم، وتجفيف منابع المقاومة، وفتح أبواب التطبيع بكل أشكاله – الروحي والثقافي والسياسي – تحت شعارات سلام وهمي.

في الختام…

نحن لسنا ضد التعايش، ولسنا ضد الحوار الحضاري، بل نحن دعاة سلام وعدالة. لكن السلام لا يُبنى على التزوير، والعدالة لا تُصنع بالتذويب، والقدس لا تُصان عبر بيوت روحية ثلاثية، بل تُصان عندما نرفض المساس بعقيدتنا، ونتمسك بثوابتنا، ونواجه الزيف بالحقيقة.

الديانة الإبراهيمية كما تُطرح اليوم ليست طريقًا للسلام.. بل طريقًا لمسخ الوعي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة