انتقادات لمحدودية الاهتمام بغابات برقش في إربد.. و”السياحة” توضح

إربد – رغم ما تملكه غابات برقش بلواء الكورة في إربد، التي تمتد على مساحة تزيد على 20 ألف دونم من الأشجار الحرجية القديمة، فإنها بحسب معنيين ما تزال خارج خريطة السياحة المحلية، وسط غياب المشاريع الاستثمارية التي تجعل منها وجهة جاذبة للسياح، بينما تؤكد مديرية سياحة إربد المنطقة أن الغابات ذات أولوية لدى وزارة السياحة التي تعمل على تنفيذ مشروع خدمات للزوار في منطقة برقش، بالإضافة للعديد من الإجراءات.
ويُوجد في غابات برقش 47 نوعا من الأشجار الحرجية الطبيعية، والتي من أهمها: البلوط (الملول) وهو الشجرة الوطنية للأردن، والقطلب (القيقب – Maple)، والبطم الفلسطيني، والزعرور، والعبهر، والخروب، والشربين، والبلان، والدوم، والزان، والميس، والسرو، والسدر (النبق)، والصلمون، والسماق، والشوح، والصنوبر، وهي تشكل آخر امتداد لغابات الصنوبر في شمال الكرة الأرضية.
ووفق رئيس جمعية التنمية للإنسان والبيئة الأردنية الدكتور أحمد الشريدة، فإن التزايد المستمر في النشاط السياحي على غابات برقش، كونها أكبر غابة طبيعية ممتدة في الأردن وأصبحت واجهة للسياحة البيئية، يفرض العمل على إعداد خريطة طريق ومخطط شمولي لإدارة غابات برقش من جوانب النظم البيئية والسياحة المستدامة.
وأضاف أنه يجب وضع مخطط شمولي تشارك فيه الهيئات الرسمية المعنية والبلديات والجمعيات ومؤسسات المجتمع المحلي وناشطون في مجال تطوير السياحة البيئية في لواء الكورة، من أجل تطوير البنية التحتية، وإعادة تأهيل طريق من مثلث برقش حتى دوار الغزلان، وفتحه على سعته وإنارته.
وأشار الشريدة إلى أهمية توسيع جميع الطرق المؤدية إلى المناطق الأثرية والسياحية في لواء الكورة، مثل طريق السيد المسيح، وطريق وادي الريا وزقلاب، ومتابعة مشروع مركز زوار الكورة الذي تم استملاك 5 دونمات له بجوار طاحونة منذ 5 سنوات، لكنه ما يزال يراوح مكانه، إضافة إلى إعادة تشغيل طاحونة عودة، وإيصال التيار الكهربائي، وحفر بئر مياه للترويج السياحي.
عمليات تقطيع لبعض الأشجار
ولفت إلى أن الغابة تضم العديد من الأشجار التاريخية المعمّرة، من البلوط والملول والسنديان والقيقب والأبهر والشوح، إضافة إلى نباتات طبية وعطرية، وتتميز بارتفاعها عن سطح البحر بألف متر، ما يمنحها أجواء معتدلة على مدار السنة، لوقوعها بين الجبال والوديان والشعاب والسهول.
كما أشار الشريدة إلى أن الغابة تتعرض أحيانا لعمليات تقطيع جائرة لبعض الأشجار، كما تتعرض أحيانا لحرائق بفعل متنزهين أو مجهولين لا يخمدون النار عند مغادرتهم.
وتنظم العديد من مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات مبادرات في غابات برقش، كان آخرها مبادرة “سياحتنا بهمتنا”، وبالتعاون مع منصة “نحن” – المنصة الوطنية لتطوع ومشاركة الشباب – التي أطلقتها مؤسسة ولي العهد بدعم من اليونيسف، والتي تضمنت مسيرا بيئيا في غابة برقش بلواء الكورة غربي إربد، بمشاركة 30 طالبا وطالبة من طلبة الجامعات الحكومية والخاصة في إقليم الشمال.
وقال الشريدة إنه يتم تنظيم نشاطات بشكل شبه دوري في غابات برقش، تتضمن مسيرا على الأقدام في مسار “درب الحدارة” لمسافة 4.5 كيلومتر، وإن المسار يستغرق ما يقرب ساعتين ونصف ذهابا وإيابا وسط غابات برقش، التي تمتاز بأشجارها وتنوعها الحيوي من نباتات برية وأشجار وحيوانات برية وطيور، مما يجعلها المكان المناسب لقضاء أمتع الأوقات في وسط طبيعة ساحرة لا مثيل لها.
وأضاف أن النشاط يشارك فيه خبراء في الحياة الفطرية والنباتية والجيولوجيا والآثار والتراث الشعبي، لإضفاء بعد علمي على هذه الرحلة السياحية البيئية، وتوثيق المشاهدات من قبل الخبراء، إضافة إلى مواطنين ونشطاء من مختلف أنحاء المملكة، حيث تبدأ الرحلة من ساعات الصباح وتستمر إلى ساعات المساء، ويُرافقها بعد الانتهاء حفلات سمر داخل الغابة.
“خارج خريطة السياحة”
ومن وجهة نظر الصحفي ناصر الشريدة، “فإن غابات برقش، رغم وجود مسارات سياحية أوجدها ناشطون مثل درب الحدارة، فإنها ما تزال خارج خريطة السياحة الأردنية، ولا يوجد بها أي صناعة سياحية نفذتها وزارة السياحة والآثار إلى اليوم، خصوصا ما يتصل بمغارة برقش الممتدة على مساحة 4 كيلومترات مربعة، والتي تجمع بداخلها معالم غاية في الجمال من نوازل وصواعد بلورية ملونة تدهش الزائرين”.
وأضاف أن غابات برقش، التي تمتد على أكثر من 50 ألف دونم، تفتقر إلى مركز زوار وإلى تلفريك يكون امتدادا لتلفريك عجلون، لا سيما أن الغابة في بعض مناطقها المكسوة بمختلف أنواع البلوط والملول والقيقب والبطم، تسير بشوارعها مسافات طويلة وأنت تتفيأ ظلالها من شدة تشابك الأشجار.
وأكد أن غابة برقش تفتقر إلى شبكة شوارع صديقة للبيئة وحجرية تزيد من جمالها وروعتها، لكن في المجمل، فإنها ما تزال حاضنة لمختلف أنواع الحيوانات البرية والطيور والزواحف، ولو تم تأهيلها سياحيا لأوجدت مئات فرص العمل للشباب، خاصة في إقامة منتجعات ونزل بيئية تجذب سياح الأردن، معتبرا أن تأجيل تنفيذ مشاريع سياحية في غابات برقش يعود إلى عدم وجود مكتب للسياحة في الكورة يتابع تطويرها باستمرار.
إلى ذلك، قال خبير الآثار والأكاديمي الجامعي الدكتور إسماعيل ملحم إن غابات برقش تمتد على مساحة تزيد على 20 ألف دونم (20 كيلومترا مربعا)، وتجاورها العديد من البلدات كجديتا وكفر راكب وكفر الماء والإشرافية وزوبيا وغيرها، وتعد من أجمل الغابات الطبيعية المتبقية في البلاد.
وأشار إلى أن برقش تحتضن تنوعا بيئيا ونباتيا فريدا يجعلها من المناطق الأكثر غنى من حيث الغطاء النباتي والطبيعة البكر. ويقدر عدد الأشجار فيها بحوالي مليوني شجرة، وفق إحصائيات تقديرية. كما أنها تحتضن أشجارا معمرة يصل عمر كثير منها إلى حوالي 500 سنة، مما يعزز الفكرة بأنها تشكل ثروة طبيعية وتنوعا نباتيا فريدا. ويغلب على غابات برقش الأشجار الحرجية دائمة الخضرة.
وأكد ملحم أن هذه الغابات تُكوّن نظاما بيئيا متكاملا يساهم في تنقية الهواء، والحفاظ على التربة من الانجراف، وتوازن المناخ المحلي. كما تُعد مأوى لمجموعة كبيرة من الطيور البرية والزواحف والثدييات الصغيرة، ويتواجد بها حاليا حوالي 500 غزال تم جلب بعضها إلى الغابة عام 2022، وتكاثرت بسبب ملاءمة البيئة.
ومن الناحية الزراعية، قال ملحم إن غابات برقش تشكل مصدرا لحماية الأراضي الزراعية المجاورة من الانجراف، وتدعم التنوع الحيوي في المنطقة، مما يُغني الزراعة المحلية ويعزز التنوع البيئي. كما أن وجود بعض الأشجار المثمرة والأعشاب البرية مثل الميرمية والزعتر والعكوب يضفي بعدا اقتصاديا بيئيا يمكن استثماره في إطار الزراعة المستدامة.
من جهة أخرى، يُقدّر ثمار أشجار البلوط فيها سنويا بحوالي 15 ألف طن، وهو ما قد يفيد في إنتاج السماد وأعلاف الحيوانات والعلاجات التكميلية الغذائية.
أما من الناحية السياحية، فأشار ملحم إلى أن برقش تتميز بطبيعتها الخلابة وهدوئها الساحر ومناخها المعتدل في الصيف، مما يجعلها وجهة مثالية للسياحة البيئية والتخييم والسير في المسارات الجبلية، ويمكن اعتبارها من أندر المساحات الخضراء التي ما تزال تحتفظ بصفاء الطبيعة في الأردن، لذلك فهي وجهة سياحية متميزة.
مغارة برقش من أبرز المعالم
ومن المعالم المهمة فيها مغارة برقش، وهي تكوين جيولوجي طبيعي مذهل يعود إلى الحقب الجيولوجية الممتدة لملايين السنين، وتمتد المغارة لمئات الأمتار داخل الصخر الطبيعي في الجبل، وتزينها تكوينات صخرية رائعة من الصواعد والهوابط التي تشكلت عبر ملايين السنين. وتعد المغارة من أندر الكهوف في الأردن، لكنها لم تُستغل حتى اليوم في إطار سياحي منظم، باستثناء زيارات عشوائية.
وأكد ملحم أنه في ظل الاهتمام المحدود الذي تعانيه غابات برقش، من الضروري إطلاق مشاريع تنموية مستدامة تسهم في حماية البيئة وتوفير فرص اقتصادية للمجتمع المحلي، مشددا على ضرورة إعلان غابات برقش محمية طبيعية رسمية لحمايتها من التعدي والتحطيب الجائر وحرائق الصيف، وتطوير مغارة برقش كموقع سياحي جيولوجي من خلال تأهيل المداخل بطرق آمنة وتزويدها بالإضاءة وإنشاء مسارات آمنة داخلها وإطلاق مشروع مسارات سياحية بيئية داخل الغابة تشمل نقاط مشاهدة واستراحة وتدريب مرشدين محليين، بالإضافة إلى إقامة أكواخ خشبية بيئية للتخييم تتوافق مع شروط الحفاظ على البيئة.
وشدد على أهمية دعم مبادرات السياحة الزراعية والريفية، عبر إشراك المزارعين المحليين بمنتجات طبيعية تقليدية، وتشجيع حملات النظافة والتوعية البيئية، وإسهام بلديات الطوق في خطط التطوير والاستثمار والاستدامة باعتبارها مؤسسات مدنية ذات خبرة عالية.
بدورها، قالت مديرة سياحة إربد الدكتورة مشاعل خصاونة إن المنطقة تُعد من المواقع الطبيعية والسياحية ذات الأولوية لدى وزارة السياحة، التي تعمل على تنفيذ مشروع خدمات للزوار في منطقة برقش، وتحديدا في المنطقة المحيطة بموقع مغارة برقش.
وأكدت أن الهدف من المشروع هو تحسين تجربة الزائر من خلال تطوير مرافق خدمية تشمل وحدات صحية وأكشاك لبيع المنتجات المحلية، بما ينسجم مع البيئة ويحافظ على الغطاء الحرجي.
وأضافت الخصاونة أن الوزارة تولي اهتماما خاصا بتحسين مستوى النظافة في المنطقة، كونها من المناطق التي يرتادها الزوار بشكل دائم، وذلك بالتعاون المباشر مع البلديات ذات العلاقة، وتنفيذ مبادرات مع المجتمع المحلي لضمان بيئة آمنة ونظيفة لجميع الزوار، وبما يعكس صورة حضارية تليق بجمال غابات برقش.
وقالت إن الوزارة قامت برسم مسارات بيئية في منطقة الغابات، وتزويد هذه المسارات بعلامات إرشادية لإرشاد الزوار إلى الطرق الآمنة.
وبيّنت الخصاونة أن هذه المشاريع تأتي ضمن رؤية متكاملة لدعم السياحة البيئية والريفية، وبمشاركة المجتمع المحلي، مع التأكيد على التزام الوزارة بتحقيق التوازن بين التنمية المستدامة وحماية الطبيعة، مؤكدة أن المشاريع تعكس تطلعات المواطنين واحتياجاتهم، وفق ما تسمح به المخصصات المالية والموازنات.