مؤتمر عجلون 1917 صفحة منسية في تاريخ الأردن السياسي

المحامي الدكتور هيثم عريفج
بقلم المحامي الدكتور هيثم منير عريفج
قد لا يعلم كثيرون من أبناء الأردن عن مؤتمر عجلون الذي عقد سنة 1917، رغم أنه يعد من المحطات المبكرة والمهمة في التأسيس السياسي الوطني، ومن العلامات الأولى لتشكّل الموقف الأردني تجاه الثورة العربية الكبرى والهوية العربية المستقلة ، في ذلك العام وفي خضم الحرب العالمية الأولى وتراجع القبضة العثمانية، إجتمع عدد من وجهاء وزعماء العشائر الأردنية في قلعة الربض في عجلون، ليعلنوا ولاءهم للثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف الحسين ، ويؤكدوا وحدة الصف الوطني في وجه التتريك والاستبداد.
عقد المؤتمر في قلعة الربض التي كانت ترمز للسيادة والمقاومة أواخر عام 1917، بدعوة من شخصيات بارزة في شمال الأردن، وعلى رأسهم الشيخ علي الكايد الشريدة. وكان المؤتمر بمثابة منصة لتوحيد الصفوف، وتنظيم العمل المشترك مع قوات الثورة التي كانت تتقدم من الجنوب.
شارك في المؤتمر عدد من كبار الزعماء العشائريين من مختلف مناطق الأردن، مثل الشيخ مثقال الفايز من بني صخر، والشيخ سليم الشقيرات من السلط، ووجهاء من عشائر العدوان، الحويطات، بني حسن، بني خالد وعشائر عجلون من مسلمين ومسيحيين ، وغيرهم من الشخصيات الوطنية.
ورغم أن الشيخ راشد الخزاعي الفريحات، أحد كبار رجالات جبل عجلون في تلك الفترة، لا يذكر اسمه صراحة في المصادر المتوفرة عن المؤتمر، إلا أن عقد المؤتمر في قلعة الربض، وفي منطقة كانت تعد مركز نفوذه وزعامته، يجعل من المرجح جداً أنه شارك فيه أو كان ممثلاً فيه بصفته زعيماً لعجلون وشيخاً للفريحات. وتاريخ الشيخ راشد الخزاعي يشهد بمواقفه المؤيدة للثورة العربية الكبرى، وباحتضانه للحراك القومي العربي في شمال الأردن.
أبرز مخرجات المؤتمر كانت :
إعلان ولاء عشائر الأردن للثورة العربية الكبرى.
تأكيد الارتباط القومي مع مشروع الدولة العربية.
تسهيل عبور قوات الثورة في المناطق الأردنية.
إنشاء لجان محلية تنسق مع رجال الثورة وتنقل المطالب الوطنية.
وعلى الرغم من الأهمية السياسية لهذا المؤتمر، إلا أنه بقي مهمشاً في الروايات الرسمية، وغائباً عن مناهج التعليم والذاكرة الجمعية.
ربما يعود ذلك لافتقار التوثيق التفصيلي، أو لهيمنة الروايات المركزية في التاريخ العربي الحديث التي ركزت على العواصم الكبرى وأهملت الحراك الشعبي المحلي.
لكن مؤتمر عجلون لم يكن فعلاً معزولاً، بل كان انعكاساً لحالة وطنية ناضجة، ووعياً سياسياً مبكراً في مناطق الريف الأردني، يجب إبرازه واستعادته، وقد آن الأوان أن يعاد الإعتبار لهذا الحدث التاريخي، عبر التوثيق، والتعليم، وإحياء ذكره تقديراً لتضحيات من وقفوا إلى جانب مشروع التحرر العربي. فمثل هذه المؤتمرات كانت اللبنة الأولى في بناء الدولة الأردنية، وهي تؤكد أن العشائر الأردنية لم تكن فقط حاضنة اجتماعية، بل كانت أيضاً فاعلاً سياسياً مبكراً في بناء الاستقلال والهوية العروبية .