موسم التمور في وادي الأردن.. شريان حياة يطفئ حرارة الجوع

وادي الأردن – مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة خلال أشهر الصيف الحارة، ينطلق آلاف الشباب والشابات بوادي الأردن للعمل في مزارع النخيل مع بدء موسم قطاف التمور، الذي بات يشكل فترة مفصلية ينتظرها آلاف العمال الزراعيين بفارغ الصبر.
ففي الوقت الذي ينقطع العمل بالقطاع الزراعي وتتراجع مداخيل الأسر وتزداد نسب الفقر والبطالة، يمثل العمل في موسم حصاد التمور مصدر رزق رئيسا لشريحة عريضة من سكان الوادي وفرصة لتحسين أوضاعهم المعيشية.
ويبين عدد من المعنيين أنه وبعد توقف عن العمل استمر نحو أربعة أشهر، يعود آلاف الشباب والشابات إلى العمل مجدداً مع بدء موسم إنتاج التمور، وهو أحد أهم القطاعات الزراعية في الوادي الذي بات يوفر فرص عمل مجدية تساعد الأسر على تحسين أوضاعها الاقتصادية، مضيفين “في ظل الأوضاع الصعبة التي تعاني منها الأسر نتيجة انقطاع أبنائها عن العمل مع انتهاء الموسم الزراعي في أيار (مايو) الماضي، يأتي موسم إنتاج التمور كطاقة فرج وطريق نجاة ينقذهم من الفقر والعوز”.
ويصف عاملون أنهم يبدؤون العمل في مزارع النخيل كل صباح بتفان وحماس كبيرين رغم حرارة الأجواء، لافتين إلى أن عملية قطف وجمع التمور تتطلب مهارة، وفي بعض الأحيان جهدا بدنيا شاقا لجمع التمور الناضجة بعناية، ما يوفر لهم فرص عمل كثيرة بعدما اكتسبوا خبرات ومهارات خلال سنوات من العمل.
تقول أم محمد التي أمضت أكثر من 10 أعوام في قطف التمور “هذا الموسم هو كل شيء بالنسبة لي ولعائلتي ننتظره من عام لآخر، فهو بمثابة عيد بالنسبة لنا، فالأجر الذي نتقاضاه خلال هذه الفترة يساعدنا على سد ديوننا وتلبية احتياجات أولادنا”، مضيفة “العمل صعب والأجواء حارة، لكن ما إن أبدأ بجمع التمور حتى أشعر بفرحة كبيرة لأنني أرى ثمرة تعبي وجهدي، فقطاف التمور يعد جزءا من حياتي اليومية”.
أما مريم (30 عاما)، التي تعمل في فرز وتعبئة التمور، فتقول “العمل في فرز التمور أقل صعوبة من القطف، لكنه يتطلب تركيزاً وصبراً، هذا الموسم يمنحني الفرصة لأوفر بعض المال لمساعدة عائلتي، ما يمنحني القوة لمواصلة العمل”، مشيرة إلى أن موسم قطاف التمور يمثل دفعة اقتصادية قوية للعديد من الأسر العاملة في القطاع الزراعي، خاصة أن هذا الموسم يأتي خلال فصل الصيف الذي يتوقف فيه الإنتاج الخضري في وادي الأردن، والذي يعد أهم مصادر الدخل للأسر.
ويبين عاملون أن غالبية المزارع ومراكز التدريج والتعبئة والتغليف بدأت العمل فعليا باستقبال الآلاف من الشابات والشباب لعمليات جمع التمور أولا بأول قبل أن تلفحها الشمس الحارقة، مؤكدين أن زيادة الطلب على الأيدي العاملة خلال هذه الفترة ستدفع المزارع والشركات لدفع  أجور مجزية للعمال، ما يمكنهم من تغطية نفقاتهم الأساسية وتوفير بعض المال لمواجهة متطلبات الحياة الصعبة.
يقول مسؤول إحدى مجموعات العمل، شاكر الخنازرة “إن موسم التمور يعد أحد أهم المواسم التي توفر فرص عمل مجدية للشابات والشباب الباحثين عن عمل، وذلك في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها الأسر، خصوصاً مع انقطاعها عن العمل في القطاع الزراعي، حيث يأتي موسم إنتاج التمور لينقذهم من الفقر والعوز”.
ويضيف “هذا الدخل الإضافي غالباً ما يساعد على تسوية الديون أو شراء مستلزمات الأسر الضرورية أو التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة وتحسين ظروف السكن بدفع كلف الطاقة وشراء المبردات”، موضحا أن أجرة العامل تتراوح بين 12 و18 ديناراً يومياً، وهو مبلغ جيد في ظل الظروف الحالية، لا سيما أن معظم الأسر في وادي الأردن تفتقر إلى أدنى مقومات العيش الكريم.
ويرى عدد من أصحاب مزارع النخيل “أن موسم قطاف التمور يتطلب إدارة عملية الحصاد بكفاءة عالية لضمان جودة التمور، وأحيانا نواجه صعوبات في توفير الأيدي العاملة الكافية في وقت الذروة”، مشيرين إلى أن قطاع النخيل يستوعب عددا كبيرا من أبناء الوادي الذين يعملون في العمليات كافة بدءا من القطاف ووصولا إلى شحن المنتج للأسواق.
ويقول المهندس محمد السلامات “إن ما حققته زراعة النخيل من نجاحات وطلب متزايد على المنتجات، أدى إلى إقبال كبير على الاستثمار في هذا المجال، ما أبرز الحاجة إلى المزيد من الكوادر العاملة من الشباب والشابات”، مضيفا أن الاستثمار في زراعة النخيل آمن وناجح وجدواه الاقتصادية عالية، ما انعكس على ديمومة الحاجة إلى العمالة، كما أن المردود المادي الجيد يسمح للمزارع بدفع المستحقات المالية للعمل في وقتها بعكس الزراعات التقليدية.
ويبين المهندس عبد الوالي الفلاحات، أن التوسع في زراعة النخيل بأصنافه المتعددة بات ركيزة مهمة للنهوض بالمجتمعات المحلية لما يوفره من آلاف فرص العمل الدائمة والموسمية، إذ تستمر الأعمال في مشاغل التعبئة والتدريج والتوضيب لحوالي ستة أشهر، منوها إلى أن قطاع التمور يعتمد بشكل شبه كامل على العمالة الأردنية التي باتت تمتلك الخبرة والمهارة اللازمة التي دفعتها لتكون ركيزة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، لا سيما أن القطاع يضم العديد من العمليات الزراعية التي تحتاج إلى عمالة معظمها أردنية، سواء كانت دائمة أو موسمية.
ويلفت إلى أن قطاع التمور يلعب دورا كبيرا في تمكين المرأة، إذ إن ما يزيد على 50 % من العاملين في قطاع التمور من النساء، ومعظمهن من طالبات الجامعات أو معيلات لأسرهن، منوها إلى أن عددا كبيرا من الأسر بوادي الأردن تعتمد بشكل شبه كلي على العمل بالقطاع لتأمين دخل مهم يساعدعم على النهوض بواقعهم المعيشي في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
ويقول رئيس جمعية التمور الأردنية الدكتور أنور حداد “على الرغم من التحديات التي يواجهها القطاع، مثل ارتفاع كلف الإنتاج ونقص العمالة الماهرة وشح المياه، يظل موسم قطاف التمور بارقة أمل لعمال الزراعة”، موضحا أن إسهام العمالة الأردنية بشكل مباشر في إنتاج إحدى أهم الثروات الزراعية الأردنية، التي اكتسبت شهرة على المستويين الإقليمي والعالمي لجودتها، يجدد نشاطهم ويمنحهم شعورا بالإنجاز والأهمية.
ويضيف “رغم أن العامل الأردني بات يشكل حجر الزاوية للقطاع، إلا أنه ما يزال يحتاج إلى عدد أكبر من العمالة المتخصصة والقادرة على تلبية الاحتياجات المتزايدة، ما يتطلب العمل بشكل جدي على توفير عمالة”، مؤكدا أهمية تقديم المزيد من الدعم والحماية لهذه الفئة المهمة من المجتمع، سواء من خلال تحسين أجورهم أو توفير ظروف عمل أكثر أماناً، لضمان استمرار هذا القطاع الحيوي وازدهاره.
ويشير رئيس جمعية التمور التعاونية الزراعية، رائد الصعايدة، إلى أن ما يزيد على 60 % من العمالة الموجودة في قطاع النخيل هم من أبناء المجتمع المحلي، معظمهم من الإناث، لافتاً إلى أن أعداد العمال الأردنيين في ازدياد مستمر نظراً للحاجة المتزايدة للعمالة في القطاع. ويقدر عدد العاملين الأردنيين بأكثر من 10 آلاف عامل، معظمهم من الفتيات اللواتي يعملن في مشاغل التدريج والتعبئة والتغليف.

حابس العدوان/الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة