ماذا سيتعلم أبناؤنا في خدمة العلم؟


محامي محمد صدقي الغرايبة

=

في ميادين التدريب، تبدأ الحكاية مختلفة تماماً عمّا اعتدنا عليه في حياتنا اليومية. هناك، لا مكان للترف ولا للدلال، ولا وقت للمزاجية أو التساهل؛ فكل تفصيلٍ محسوب بدقة، وكل لحظةٍ لها قيمتها ومعناها.

في خدمة العلم، يتعلم أبناؤنا أن للنوم موعداً، وللاستيقاظ فجراً التزاماً، ولتناول الطعام نظاماً، وحتى للاستحمام والذهاب إلى الطبيب بروتوكولاً لا يُكسر. يدخلون الميدان ويغادرونه وفق طقوس صارمة، لأن الانضباط هو اللغة الأولى هناك.

سيتعلم شبابنا أن ترتيب السرير، وتلميع الحذاء، والمحافظة على النظافة، ليست مجرد عادات منزلية، بل دروس في الرجولة والاعتماد على النفس. سيتعلمون أن الدلال انتهى، وأن قوة الشخصية تبدأ من تفاصيل صغيرة تُصنع في كل صباح.

وفي المعسكر، يلتقي الأردني بابن عمّان والطفيلة والرمثا والكرك والبادية والشمال والجنوب… غرباء لا يجمعهم نسب ولا جوار، لكنهم يصبحون عائلة واحدة تحت راية الوطن، يتعلمون كيف يطيعون الأوامر، وكيف يتعايشون معاً رغم اختلافاتهم.

هناك، يدركون أن الوقت أثمن من الذهب: ساعة للنوم، ساعة للاستيقاظ، ساعة للغذاء، وكل دقيقة لها قيمتها. وهناك أيضاً، يتخلون عن هواتفهم ووسائل التواصل وعن نزوات “الوجبات السريعة”، فيتعلمون كيف يرضون بما يُقدَّم، وكيف يعيشون بما هو متاح، لا بما يشتهون.

لكن أهم الدروس ليست في الانضباط العسكري وحده، بل في معنى الوطن. هناك، يتعلم أبناؤنا أن الأردن ليس بطاقة هوية تحمل رقماً وطنياً، وليس مجرد كلمة في نشيد أو شعار؛ بل هو تراب غالٍ، وتاريخ مجيد، وهوية ضاربة في عمق الجغرافيا والتاريخ.

إن خدمة العلم ليست تدريباً عسكرياً فقط، بل هي مدرسة للوطنية، تزرع في شبابنا الانضباط في القول والعمل، وتعيد تشكيل شخصياتهم لتكون أكثر صلابة وانتماءً. هناك، يصبح الأردني صورة حية لهويته الوطنية، كما أرادها الآباء والأجداد منذ تأسيس الدولة وحتى اليوم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.