قمة الدوحة.. ما القرارات المتوقعة للجم الكيان؟

– تتجاوز أهمية القمة العربية– الإسلامية الطارئة والمرتقبة في العاصمة القطرية الدوحة، مجرد كونها اجتماعا استثنائيا، لتمتد حتى تمثل لحظة اختبار لمدى قدرة العالمين العربي والإسلامي على بناء موقف سياسي فاعل يحمي السيادة، ويعيد التوازن لمعادلات الوساطة الإقليمية.
ففي تطور غير مسبوق في تاريخ العلاقات الإقليمية، تستعد الدوحة لاستضافة القمة على مدار اليوم وغدا، عقب الهجوم الصهيوني الذي استهدف قيادات من حركة المقاومة الإسلامية- حماس في قطر.
فالقمة المرتقبة لا تعقد فقط على خلفية اعتداء عسكري، بل تأتي في سياق سياسي حساس، يعيد طرح أسئلة ملحة حول موازين القوة في المنطقة، وأدوار اللاعبين الإقليميين والدوليين.
وفيما ستسعى القمة أيضا، وفق ما يتردد في الأوساط الدبلوماسية، للتأسيس لخطاب موحد يربط بين أمن الخليج والاستقرار الإقليمي، ويرفض استهداف الوسطاء الإقليميين، وهو ما تمثل قطر أحد أبرز أركانه في ملف غزة، فإن ما ستنتجه القمة في الأيام المقبلة، سيحدد، إلى حد كبير، ملامح المرحلة المقبلة من الصراع في المنطقة.
وتنعقد القمة في الدوحة وسط تصعيد غير مسبوق في المنطقة، بحيث تجاوزت الأزمة الفلسطينية الإطار التقليدي للصراع، لتصل إلى قلب العاصمة القطرية عبر هجوم صاروخي صهيوني، استهدف اجتماعات لقيادات فلسطينية.
ووفق خبراء بالشأن السياسي والأمني الإستراتيجي، في تصريحات لـ”الغد”، فإن هذا الهجوم الذي وصفته الدوحة بـ”إرهاب الدولة”، لم يكن مجرد حدث عابر، بل شكل نقطة تحول في قواعد الاشتباك، ودفع ملف غزة من ساحات المواجهة إلى قلب المنظومة السياسية الإقليمية.
ولفت الخبراء إلى أن الهجوم لم يستهدف فقط سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، بل مسّ بشكل مباشر بجهود الوساطة والمفاوضات، ما فتح الباب أمام رد فعل عربي وإسلامي أكثر حساسية، وأطلق جرس إنذار سياسي وأمني إقليميا ودوليا.
وأشاروا إلى أن أبرز سمات هذه القمة، أنها لم تأت كرد فعل تقليدي قائم على الإدانة والرفض، بل ينتظر أن تشهد تحولا في المقاربة العربية والإسلامية من مجرد التنديد لاتخاذ خطوات عملية قابلة للقياس والتنفيذ.
وتوزعت القرارات المنتظرة وفق الخبراء على 5 محاور رئيسة؛ هي مسار قانوني دولي، بمعنى تبني القمة تحركا قانونيا مشتركا لمحاسبة الكيان الصهيوني المحتل على انتهاكه الصارخ للقانون الدولي، بالإضافة لخطوات دبلوماسية تصعيدية، وحماية العملية التفاوضية، فضلا عن الموقف من ملف غزة، فيما يرتبط بوقف إطلاق النار، فتح ممرات إنسانية، وإعادة النظر في العلاقات الدولي.
وأضافوا أن هذا التحدي يضع القادة العرب والمسلمين أمام معادلة دقيقة؛ صياغة قرارات حازمة تحفظ الحد الأدنى من الهيبة والسيادة، دون الوقوع في فخ الابتزاز السياسي الغربي.
وخلص الخبراء إلى أن القمة لن تغيّر موازين القوى دفعة واحدة، لكنها قد تعيد ضبط قواعد اللعبة الإقليمية؛ في حال نجحت بربط السيادة الوطنية بالقانون الدولي والإغاثة الإنسانية، وأظهرت قدرة فعلية على اتخاذ خطوات دبلوماسية وسياسية متزامنة ومدروسة، فإنها ستكون قد فتحت الباب أمام مرحلة عنوانها؛ وحدة الموقف، ردع العدوان، واستعادة الهيبة الإقليمية.
ظروف استثنائية
وفي سياق تعليقه على توقعات حول أبرز القرارات المنتظرة من القمة المرتقبة، رأى الخبير العسكري والإستراتيجي
د. نضال أبو زيد، أن القمة المزمع عقدها في الدوحة، يتوقع بأن تكون مختلفة من حيث الشكل، لكنها “ليست مختلفة من حيث المضمون”.
وقال أبو زيد إن “الزخم في الحضور قد يشكّل حالة دبلوماسية جديدة، وهناك زخم دبلوماسي قد يدعم مشروعا تخرج به القمة”، معتبرا بأن هذا المشروع سيتضمن عدة بنود، أبرزها ملف “التعديات الصهيونية، ليس فقط على قطر، بل على الدول العربية بشكل عام”، مشيرا إلى أن هذه القمة “قد تحقق اختراقات دبلوماسية عبر مواقف أوروبية وغربية داعمة”، مضيفا أنه “من المتوقع بأن تحضر دول أوروبية كمراقب في القمة، ما قد يشكّل حالة عربية إسلامية– غربية في مواجهة المشروع الصهيوني”.
وتابع أبو زيد، أن “انعقاد القمة يأتي في ظروف استثنائية؛ منها استعصاء دبلوماسي يتعلق بملف قطاع غزة، وانسداد في الأفق العسكري هناك، فضلًا عن التعديات الصهيونية المتكررة، ليس فقط ما حدث في قطر، بل أيضا في جنوب لبنان، وسورية، وغزة، والضفة الغربية”، معتبرا بأن “ما حدث في قطر كان بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير فيما يتعلق بنتنياهو”.
وأكد أن “القمة لن تكتفي ببيان ختامي، بل ستخرج بمشروع قرار، سيشكّل حالة عربية– إسلامية مدعومة أوروبيا”، مشددًا على أن “هذا المشروع قد يشكّل حائط صد دبلوماسي جديد في وجه الهيمنة الصهيوني، وفي وجه المشروع الصهيوني الذي يُعرف بإسرائيل الكبرى”.
كما توقع أبو زيد، أن “تشهد الساعات المقبلة ارتفاعا في حدة الخطاب الإعلامي الصهيوني تجاه الدول العربية، وربما حالة جديدة من التخبط العسكري الصهيوني، في محاولة لإثبات الوجود واستعراض القوة، سواء في غزة أو على مستوى الإعلام”.
مسار قانوني عربي موحد
رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، أكد أن قمة الدوحة استثنائية، تنعقد في ظروف غير مسبوقة، وتتمحور بشكل رئيس حول “الاعتداءات التي تعرّضت لها قطر، لاسيما الهجمة الصاروخية الصهيونية”، معتبرا بأنها تأتي “ضمن امتدادات حرب غزة، ما خلق موقفا عربيا أكثر وضوحا في إدانة ورفض واستنكار هذا الاعتداء”.
وقال شنيكات، إن “جزءا من قرارات القمة، قد يتجه نحو مسار قانوني عربي موحّد في مواجهة مثل هذه الاعتداءات”، مشيرا إلى أن “هذا قد يشمل تحركات قانونية ودبلوماسية، يمكن للعرب تبنيها في المحافل الدولية، إلى جانب التأكيد على مبدأ التضامن العربي، بحيث ينظر إلى أن أي اعتداء على قطر، اعتداء على بقية الدول العربية الأخرى”.
ولفت إلى أن القمة، قد تتطرق لـ”مسألة التطبيع والعلاقات مع الكيان، بما في ذلك مراجعة مستقبل اتفاقيات إبراهام”، مشيرا لاحتمال “أن تدور نقاشات حول هذه الاتفاقيات، وأن يجري البحث بجدوى استمرارها أو آليات تعديلها، بما يتماشى مع المستجدات الإقليمية”.
وفي هذا السياق، رأى شنيكات بأن القمة “قد تشهد تشكيل لجان اتصال مع دول أخرى للتشاور حول الدور الغربي، والانفتاح على روسيا والصين، في إطار تنويع تحالفات العرب كمحاولة للخروج من الهيمنة الغربية التقليدية”.
وشدد على أن “التأكيد على التضامن مع غزة، والمطالبة بوقف إطلاق النار، سيكون حاضرا بقوة في مخرجات القمة”، لكنه في المقابل لا يتوقع “أن يذهب العرب إلى ما هو أبعد من الإجراءات السياسية، والدبلوماسية، والقانونية”.
واعتبر بأن “هذا هو الإطار الواقعي الذي يمكن أن تتحرك ضمنه القمة، بالإضافة للتذكير المستمر بفكرة التضامن والتكامل العربي”، مضيفا أن “كل هذه القضايا ستُحكم عمل القمة، ومن بينها أيضا إدخال المساعدات الإنسانية لغزة، كواحدة من الأولويات الإنسانية والسياسية الملحّة في الظرف الراهن”.
تحول خطير بقواعد الاشتباك
ورأى الخبير الأمني والإستراتيجي د. بشير الدعجة، أن “الهجوم الصهيوني غير المسبوق على الدوحة، والذي وصفته قطر بإرهاب الدولة، لم يكن مجرد حادث عابر، بل مثّل تحوّلا خطرا في قواعد الاشتباك”.
وأكد الدعجة أن “الضربة التي طالت قطر، الدولة الصغيرة ذات الثقل السياسي والاقتصادي، أطلقت جرس إنذار إقليمي ودولي”، مشددا على أن الخطورة “لا تكمن فقط بخرق الأعراف الدبلوماسية أو انتهاك حصانة الدولة المضيفة، بل باستهداف صميم عملية الوساطة المتعلقة بملف غزة”.
وأضاف أن قمة الدوحة “تأتي كمنعطف مصيري، إذ لم يعد التنديد كافيا”، مشيرا إلى أن “الحاجة باتت ملحّة لترجمة الغضب العربي والإسلامي لمواقف وقرارات تعيد رسم التوازنات في المنطقة”.
وحدد أبرز القرارات المتوقعة من القمة، أولها؛ “إدانة موحّدة ومطالبة بمساءلة دولية عبر مجلس الأمن والمحاكم الدولية”، مذكّرا بأن “الدوحة بدأت بالفعل في اتخاذ ترتيبات قانونية لمحاسبة الكيان على هذا الانتهاك الصارخ لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة”، ثانيا “خطوات دبلوماسية ملموسة كاستدعاء السفراء، وتجميد العلاقات، أو إعادة النظر في مسار التطبيع”، لافتا إلى أن “دولا خليجية، مثل الإمارات، وجّهت احتجاجات رسمية قوية، ما يمهّد لتبنّي موقف أكثر صرامة جماعيا”. وثالثا، “دعوات محتملة لفرض عقوبات مستهدفة، سواء على أفراد أو كيانات مرتبطة بالقرار الصهيوني، وتفعيل حملات ضغط دولية في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لتقييد التعاون مع تل أبيب”.
أما القرار الرابع، بحسب الدعجة، فيتعلق بـ”صياغة آلية لحماية الوسطاء والمفاوضين”، مؤكدا أن الضربة الصهيونية أظهرت مدى خطورة استهداف قنوات التفاوض، ما قد ينسف أي جهود إنسانية أو سياسية مستقبلية. وخامسا، شدد على أن “ملف وقف إطلاق النار والإغاثة الإنسانية في غزة سيكون أولوية على طاولة القمة، عبر دعوات لفتح ممرات إنسانية آمنة، وربما نشر مراقبين دوليين لضمان وصول المساعدات”.
ومن منظور برهاني وإستراتيجي، رأى الدعجة، بأن هذه القرارات “ليست شعارات”، بل هي “منطقية وممكنة”، مشيرا لـ3 عوامل تدعم هذا التوجه؛ تتبلور بأن الضربة جاءت في لحظة تفاوض حساسة، ما يجعل حماية العملية التفاوضية ضرورة لا ترفًا، وزعزعة الثقة الخليجية في المظلة الأمنية الأميركية، متسائلا: “كيف تُستهدف قطر، وهي مقرّ لقاعدة عسكرية أميركية كبرى، دون ردع فوري؟”.
وذلك إلى جانب تصاعد الضغط الشعبي العربي، بحيث “تجاوز عدد الشهداء في غزة 64 ألفا، ما يغذّي الحاجة لردود تتجاوز البيانات التقليدية”.
وبشأن إمكانية أن تشكّل القمة نقطة تحول، أشار إلى إمكانية ذلك “سياسيا ورمزيا”، إذ “ستوحّد الخطاب، وتطلق زخما قانونيا ودبلوماسيا، وتضع قيودا على مسارات التطبيع، وتفتح المجال أمام عزلة سياسية رمزية للكيان”.
وبحسبه، فـ”التحول الإستراتيجي الكامل، يحتاج وقتا وموارد وتحالفات بديلة، وهو أمر معقّد في ظل المصالح الأمنية والاقتصادية التي تربط كثيرا من الدول العربية بالولايات المتحدة والغرب”. داعيا للأخذ بتوصية إستراتيجية مفادها أن على القمة “اعتماد خطة عمل متدرجة وواضحة”، تشمل محاور عدة، أهمها؛ توثيق الوقائع ومتابعة المساءلة الدولية جماعيا، واتخاذ خطوات دبلوماسية متزامنة ومدروسة، ووضع بروتوكولات دولية لحماية المفاوضين والوسطاء.
وذلك إلى جانب ربط قضية السيادة بملف الإغاثة الإنسانية، وإطلاق خطة اتصالية دولية توضح أن الهدف هو حماية المدنيين وفرض احترام القانون الدولي، لا الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.