عامان على “الطوفان”.. الاحتلال يغرق بالعزلة وسفينة فلسطين تجوب العالم

على مدار عامين كاملين، تجاوز الصراع الفلسطيني – الصهيوني حدود كونه مجرد مناوشات عسكرية تقليدية، ليتحول إلى معضلة جيوسياسية مركبة أعادت ترسيم الخريطة الإقليمية والدولية على حد سواء.
ومع حلول الذكرى الثانية لــ”طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وقف العالم أمام سردية حرب استثنائية طال أمدها، حيث امتد من قطاع غزة المحاصر إلى مسارح إقليمية أبعد مثل لبنان وإيران واليمن، واستطالت تداعياته لتلامس أروقة المحاكم الجنائية الدولية وأسواق الطاقة العالمية المتخبطة.
هذه الحرب التي شنتها دولة الاحتلال، لم تكتفِ بتغيير المشهد الميداني بل نحتت تحولات إستراتيجية عميقة في بنية المنطقة، وتحولت غزة إلى رمز حي لكارثة إنسانية مستمرة، لا مبالغة في وصفها ببؤرة إبادة جماعية.
وما بدأ كحملة قصف، تطور سريعا إلى عدوان منهجي يستهدف المدنيين ومقومات الحياة الأساسية في القطاع، في حين توثق أرقام “الرعب” استشهاد أكثر من 67 ألف فلسطيني وقرابة 170 ألف جريح معظمهم من النساء والأطفال، بينما ما يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض، مع صعوبة الوصول إليهم حتى لفرق الإنقاذ.
وفي خطوة عاجلة تعكس محاولات الإدارة الأميركية الجديدة فرض إيقاعها الدبلوماسي، انطلقت أمس الاثنين مفاوضات برعاية مصرية، بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والاحتلال الصهيوني، بهدف تفعيل المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في غزة، مع التركيز المبدئي على ملفي الهدنة الإنسانية وتبادل الأسرى كجسر لعبور المراحل الأكثر تعقيدا.
ومع أن الفصائل الفلسطينية أبدت موافقة مبدئية على الجزء المتعلق بملف الأسرى، فإن إصرارها على رفض قاطع لبند نزع السلاح، أبقى المبادرة في حالة جمود وتعثر مستدام.
هذه المفاوضات، التي جردت من أي آليات ضغط حقيقية لضمان حل الدولتين، كشفت عن صعوبة التوفيق بين الأهداف الإستراتيجية المتناقضة للأطراف المتصارعة، ما أبقى المنطقة على فوهة بركان لا يمكن إخماده ببيانات دبلوماسية دون معالجة جذرية لقضية الاحتلال.
من هجوم مباغت إلى نكبة إنسانية
في فجر يوم السبت 7 أكتوبر 2023، انطلقت مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية في هجوم نوعي مباغت على مستوطنات “غلاف غزة” وهي العملية التي أطلق عليها اسم “طوفان الأقصى”.
وأسفر الهجوم عن مقتل نحو 1,200 مستوطن وجندي صهيوني إضافة إلى أسر قرابة 250 شخصا.
إلا أن رد الاحتلال جاء فوريا وعنيفا، حيث أعلنت حكومة الاحتلال حالة الحرب الشاملة، وأطلقت عملية “السيوف الحديدية”، التي زعمت أنها تستهدف استئصال البنية العسكرية لحماس وفرض حصار مطبق وغير مسبوق على قطاع غزة المحاضر أصلا.
وفي غضون أسابيع قليلة، تبدل وجه غزة تماما، لتتحول إلى ركام وبؤرة لكارثة إنسانية متفاقمة.
وتصاعدت حدة التدمير العشوائي وبلغت ذروتها في حادثة مجزرة المستشفى الأهلي العربي التي أودت بحياة المئات من الأبرياء، وهي واقعة أثارت موجة غضب وإدانات دولية عارمة، ووجهت أصابع الاتهام المباشر إلى جيش الاحتلال.
ولم يقتصر الأمر على القصف، بل فرض على القطاع تضييق خانق حوّل حياة أكثر من 2 مليون فلسطيني إلى جحيم، ما دفع بالمجتمع الدولي للتنديد بما وصفه العديد من المنظمات الحقوقية بـ”عقوبات جماعية” تتجاوز كل المواثيق الدولية.
عام الاغتيالات والتصعيد الإقليمي
ومع طيّ صفحة عام 2023 وحلول العام 2024، دشن الاحتلال مرحلة جديدة في حربه العدوانية، ترتكز على سلسلة من الاغتيالات المركزة ضد القيادات البارزة في حركات المقاومة.
وبدأت هذه السلسلة باغتيال صالح العاروري في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، مرورا باستهداف مروان عيسى داخل قطاع غزة، ثم حدث الاغتيال الأكثر رمزية وإستراتيجية حين تم استهداف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران.
وتلا ذلك اغتيال القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة يحيى السنوار في غارات صهيونية مدمرة على القطاع.
هذه الضربات الصهيونية بالإضافة إلى التوغل البري اللاحق في مدينة رفح المكتظة، لم تزد الطين إلا بلة على الصعيد الإنساني، بل كانت بمثابة عامل تفجير للتوترات الإقليمية التي كانت مكبوتة.
الانهيار القيادي في “حزب الله”
ومع بدء التصعيد العسكري للاحتلال في غزة، قام حزب الله في لبنان بشن هجمات صاروخية قصيرة المدى وعبر طائرات مسيرة على بلدات الجليل الأعلى في فلسطين المحتلة.
وحينها، قال الحزب إن عملياته تأتي إسنادا للمقاومة في غزة ولتخفيف الضغط العسكري الصهيوني على القطاع.
وفي صيف العام 2024، انفجر الموقف على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية ليتحول إلى مواجهة عسكرية شاملة لم تستثنِ عمق البلدين.
وشهدت هذه المرحلة سلسلة من الأحداث المفصلية التي هزت المقاومة في لبنان، حيث بدأت باغتيال القائد الميداني البارز إبراهيم عقيل أولا، وتلاه الحدث الأعظم الذي تجلى باغتيال الأمين العام السابق لـ”حزب الله” حسن نصر الله في غارة جوية استهدفت معقله في الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 أيلول (سبتمر) 2024.
وتبع ذلك اغتيال رئيس المجلس التنفيذي للحزب هاشم صفي الدين، والذي كان يوصف أنه خليفة نصر الله.
تلك التطورات لم تحدث فراغا قياديا فحسب، بل مثلت ضربة إستراتيجية قاصمة لحزب الله وبنيته التنظيمية، وأحدثت دمارا واسعا بقرى في جنوب لبنان، ما أجبر القوى الدولية الفاعلة، وتحديدا الولايات المتحدة وفرنسا، على تفعيل آليات التدخل الدبلوماسي العاجل بهدف تثبيت هدنة لوقف إطلاق النار المؤقت وتجنب تحول لبنان إلى ساحة حرب مفتوحة تدمر ما تبقى من البنية الهشة للبلاد.
وكان هذا التدخل دليلا على أن الوضع تجاوز قدرة الأطراف الإقليمية على إدارته.
المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران
وفي تطور غير مسبوق، وخلال شهر حزيران (يونيو) الماضي، نفذ الاحتلال ضربات جوية واسعة النطاق استهدفت منشآت عسكرية رئيسية في عمق الأراضي الإيرانية.
ولم يتأخر الرد الإيراني طويلا، حيث بادر الحرس الثوري بإطلاق مئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة مستهدفا أهدافا داخل كيان الاحتلال.
ودفع الرد الإيراني العنيف واشنطن للتدخل العسكري المباشر عبر إطلاق عملية “مطرقة منتصف الليل” التي استهدفت فيها المفاعلات النووية الإيرانية، ما زاد من تهديدات الانزلاق الجيوستراتيجي إلى حرب إقليمية شاملة.
ولم تقتصر التداعيات على الجانب العسكري؛ فمع هذه التطورات تصاعدت التهديدات بـإغلاق مضيق هرمز الإستراتيجي الذي يعد الشريان الحيوي لتجارة الطاقة العالمية، ما أشعل أزمة طاقة عالمية أربكت اقتصادات الدول الكبرى والصغرى على حد سواء، وأعاد شبح الركود والتضخم إلى الأسواق العالمية.
مبادرة ترامب للسلام
وشهد مطلع عام 2025 عودة مفاجئة لـدونالد ترامب إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، وهو ما أدى إلى تحول جذري في المقاربة الأميركية للصراع.
وبدلا من الدعم العسكري المطلق الذي اتسمت به الفترة السابقة، تحولت واشنطن إلى طرح “خطة سلام” جديدة من 20 بندا.
وركزت الخطة على وقف فوري لإطلاق النار وإجراء عملية واسعة لتبادل الأسرى والمحتجزين، وإنشاء إدارة دولية مؤقتة لغزة تشرف على إعادة الإعمار، والأهم من ذلك: بند نزع سلاح فصائل المقاومة الفلسطينية بشكل كامل.
ورغم أن حركة حماس أبدت موافقة مبدئية على الجزء المتعلق بملف الأسرى، فإن إصرارها على رفض قاطع لبند نزع السلاح أبقى المبادرة في حالة جمود وتعثر مستدام.
هذه المبادرة، التي جردت من أي آليات ضغط حقيقية، كشفت عن صعوبة التوفيق بين الأهداف الإستراتيجية المتناقضة للأطراف المتصارعة، ما أبقى المنطقة على فوهة بركان لا يمكن إخماده ببيانات دبلوماسية.
الأردن.. جهود إغاثية ودبلوماسية ملموسة
على مدى العامين الماضيين، برز الأردن كأحد أبرز الفاعلين العرب في مسارين متوازيين: تقديم الدعم الإنساني العاجل لقطاع غزة، والدفع على الساحة الدولية نحو توسيع الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ومنذ اندلاع الحرب، كثفت المملكة جهودها الإغاثية عبر المستشفيات الميدانية التي أقامتها القوات المسلحة الأردنية في شمال وجنوب القطاع، والتي استقبلت عشرات الآلاف من الجرحى والمرضى، وأجرت مئات العمليات الجراحية في ظل انهيار المنظومة الصحية.
كما أرسلت الهيئة الخيرية الهاشمية المئات من القوافل الإغاثية المحملة بالمواد الغذائية والطبية والمياه، إضافة إلى تشغيل أفران ومطابخ ميدانية لتأمين الخبز والوجبات للنازحين.
وفي أوقات إغلاق المعابر، لجأ سلاح الجو الملكي إلى تنفيذ إنزالات للمساعدات جوا على قطاع غزة، وشارك فيها جلالة الملك عبد الله الثاني شخصيا.
الأردن ضد التهجير ونزع الشرعية
قوبلت خطط الكيان الصهيوني للتهجير القسري لسكان غزة إلى سيناء أو الأردن بـرفض عربي ودولي قاطع.
وحذر جلالة الملك عبد الله الثاني مرارا من خطورة “نكبة جديدة” تمس الأمن الوطني الأردني والفلسطيني على حد سواء.
وأدّى الأردن دورا محوريا كـصوت صارخ ضد الظلم وكشف للعالم حجم المأساة في غزة والضفة الغربية.
وتحولت عمان إلى منصة دبلوماسية نشطة قادت جهودا متواصلة في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة لوقف العدوان، مؤكدة أن أي أمن أو استقرار إقليمي لا يمكن أن يتحققا إلا بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
فيما أعلنت مصر موقفا سياديا حازما برفض أي محاولة لتفريغ القطاع من سكانه، معتبرة أن ذلك يمثل خرقا للأمن القومي.
وشكلت هذه المواقف، مدعومة بتأكيد الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بأن التهجير القسري يرقى إلى مستوى جريمة حرب، حاجزا سياسيا أمام مخططات الاحتلال لإحداث تغيير ديمغرافي جذري في القطاع.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية
بالتوازي مع العمل الإنساني، قادت عمّان تحركات دبلوماسية مكثفة لإبقاء القضية الفلسطينية في صدارة الأجندة الدولية.
وأدّت المملكة دورا محوريا في تنسيق المواقف العربية لرفض أي مخططات تهجير قسري من غزة أو الضفة الغربية.
وعلى الصعيد الأوروبي، ساهمت الجهود الأردنية في خلق زخم سياسي دفع دولا مثل إسبانيا وأيرلندا والنرويج ولاحقا بريطانيا وفرنسا، إلى الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية.
وأعلنت دول أوروبية ذات ثقل مثل إسبانيا وأيرلندا والنرويج وبلجيكا بشكل رسمي اعترافها، في خطوة تحدت المواقف الأميركية والصهيونية الرافضة لها.
وارتفعت حدة المطالبات داخل أروقة الأمم المتحدة بضرورة منح فلسطين العضوية الكاملة كدولة ذات سيادة.
ولم يكن هذا التحول وليد مفاوضات دبلوماسية هادئة، بل نتيجة مباشرة لـحجم الكارثة في غزة التي أعادت القضية الفلسطينية من هامش الاهتمامات الدولية إلى مركز النقاش العالمي كقضية عدالة وشرعية دولية.
تحولات إستراتيجية كبرى
بعد مرور عامين على اندلاع الحرب الصهيونية على قطاع غزة، زخر المشهدان الإقليمي والدولي تحولات عميقة تجاوزت حدود الميدان لتصيب البنية السياسية والاقتصادية والقانونية للنظام العالمي بأكمله.
وتزايدت الضغوط على الكيان الصهيوني بشكل غير مسبوق، وبلغت ذروتها مع فتح ملفات أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي تتعلق بجرائم “الإبادة الجماعية”، في سابقة وضعت الاحتلال في موقع الاتهام الدولي المباشر وأضعفت مكانته القانونية والأخلاقية على الساحة العالمية.
وامتد الصراع من غزة إلى نطاق إقليمي أوسع، حيث شهدت المنطقة اشتباكات متعددة الأبعاد شملت لبنان وإيران، ما وسع جغرافيا الحرب ورفع منسوب التوتر الأمني في الشرق الأوسط بأسره.
وتزامن هذا التصعيد مع تبدل واضح في الدور الأميركي، حيث انتقلت واشنطن من مرحلة الدعم غير المباشر لدولة الاحتلال عبر الجسر الجوي العسكري إلى التدخل الميداني والدبلوماسي المباشر، في محاولة لاحتواء تداعيات الانهيار الإقليمي وفرض تسويات مؤقتة.
في المقابل، عمقت الحرب في غزة أزمات الاحتلال الاقتصادية لتتحول إلى أزمة طاقة عالمية خانقة، أربكت أسواق النفط وخلقت اضطرابا واسعا في ممرات الشحن الدولية، خاصة في البحر الأحمر ومضيق هرمز، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع وتراجع استقرار سلاسل الإمداد.
تدويل المأساة وتصاعد العزلة
لم تكن غزة مجرد ساحة حرب، بل تحولت إلى مسرح لمأساة دولية على حد وصف المراقبين، حيث بلغت الحملة العسكرية الصهيونية مستويات غير مسبوقة من العنف والتدمير.
ودفع التدمير الشامل للبنى التحتية والاستهداف الممنهج للمستشفيات والمدارس ومخيمات الإيواء، مؤسسات حقوق الإنسان إلى استخدام مصطلح “الإبادة الجماعية الممنهجة” لوصف الأعمال القتالية ضد المدنيين الفلسطينيين.
وشجع هذا التدويل للمأساة، محكمة العدل الدولية على المضي قدما في التحقيقات، ما جعل قادة الاحتلال عرضة لـلملاحقة القضائية.
في المقابل، واجه الكيان الصهيوني عزلة متزايدة وغير مسبوقة.
وخرجت مظاهرات مليونية في عواصم غربية عدة، فيما شهدت الجامعات الأميركية والأوروبية حركة احتجاجية طلابية لم تحدث منذ حرب فيتنام، للمطالبة بوقف العدوان.
كما واجهت الحكومات الغربية ضغوطا شعبية وسياسية قوية لـقطع العلاقات العسكرية ووقف تصدير السلاح إلى تل أبيب.
وأكدت هذه العزلة أن سردية الاحتلال التقليدية لم تعد قادرة على الصمود أمام صدمة المشاهد الإنسانية التي خرجت من القطاع المحاصر.
نزع شرعية الاحتلال كقوة استعمارية
لم تغير الحرب صورة الكيان في الخارج فحسب، بل أحدثت صدعا عميقا في التوازنات الإقليمية، فصمود المقاومة في غزة ولبنان على الرغم من الأثمان الباهظة، أثبت أن القوة العسكرية للاحتلال ليست “قوة لا تقهر” كما كان يعتقد.
ومع تصاعد الخطاب الدولي المندد، بدأ الاحتلال يثبت بأنه “قوة استعمارية استيطانية” تمارس سياسات الفصل العنصري (الأبارتايد) والتهجير القسري بحق الشعب الفلسطيني.
وفتح هذا التحول في السردية الدولية، الباب أمام إعادة صياغة النظام الإقليمي بأكمله على أسس جديدة ترفض الاحتلال وتدعو للعدالة التاريخية.
مفترق طرق تاريخي
وبعد عامين من الإبادة والدمار، وصلت المنطقة إلى مفترق طرق تاريخي لا رجعة فيه.
ومن هنا، فإن الخيارين المطروحين أمام المجتمع الدولي: إما النجاح في فرض تسوية عادلة وشاملة تضمن حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في إقامة دولتهم المستقلة وفقا لقرارات الشرعية الدولية، أو الاستسلام لاستمرار دوامة العنف التي تلوح في الأفق وتنذر بـانفجار إقليمي أوسع.
وبحسب مراقبين، فإن الحرب على غزة لم تكن مجرد جولة عسكرية عابرة، وإنما نقطة انعطاف تاريخية أعادت صياغة معادلات القوة، ووضعت الاحتلال في مواجهة عزلة دولية غير مسبوقة ورسخت بشكل قاطع حقيقة مفادها أن القضية الفلسطينية تظل هي الجوهر المحوري لأي صراع أو استقرار مستقبلي في الشرق الأوسط.
غزة وهيروشيما.. مقاربة
وكان الصحفي الصهيوني جدعون ليفي كتب مقالا أمس في صحيفة “هآرتس” اليسارية المعارضة، مفادها أن “غزة ومعها حركة حماس، تخرجان من هذه الحرب وهما ما تزالان واقفتين على قدميهما، رغم ما لحق بهما من إنهاك ونزيف وجراح وفقر مدقع”.
وأكد ليفي أن قطاع غزة الذي يشبه اليوم مدينة هيروشيما بعد القصف النووي، “ما زال يحتفظ بروحه الحية، وأن صمود سكانه يظل شاهدا على إرادة لا تنكسر”.
وأشار إلى أن القضية الفلسطينية كانت قد تراجعت إلى الهامش الدولي، وكادت تختفي تماما من الأجندة العالمية لولا اندلاع هذه الحرب.
وأضاف إنه لو تحقق اتفاق تطبيع جديد بين دولة الاحتلال ودول عربية قبل الحرب، لكان الفلسطينيون قد تحولوا إلى “الهنود الحمر” في هذه المنطقة، أي إلى شعب منسي بلا حضور سياسي.
لكن الحرب – بحسب ليفي- قلبت المعادلة وأعادت الفلسطينيين إلى صدارة الاهتمام العالمي، حيث باتت معاناتهم محورا للنقاش الدولي، وأصبح العالم ينظر إليهم بعاطفة وتعاطف بل ويشعر بالأسف العميق لما يتعرضون له.
ومع ذلك، لفت الصحفي الصهيوني، إلى أن هذا الاهتمام قد يكون مؤقتا، وأن سكان غزة الذين دفعوا ثمنا لا يوصف قد يجدون أنفسهم مجددا خارج دائرة الضوء مع مرور الوقت.
وقفات ومسيرات في دول أوروبية تنديدا بحرب الإبادة على غزة – (وكالات)