جزاع: الدراما البدوية وثيقة تقدم للأجيال حياة البادية بصورة إنسانية وواقعية

في الوقت الذي كانت فيه الدراما الأردنية تتصدر المشهد العربي وتقدم أعمالا راسخة في ذاكرة المشاهدين، تجد نفسها اليوم أمام تحديات كبيرة. وبينما تتطور صناعة الدراما في دول الجوار لتصبح قوة تعبر عن ثقافتها وتاريخها، ما تزال الدراما الأردنية تبحث عن موطئ قدم في سوق يزداد تنافسا واتساعا يوما بعد يوم.

حول ذلك يقول الفنان خالد جزاع في حديثه لـ”الغد”: “إن الدراما الأردنية تعيش اليوم ضعف الدعم وغياب الرؤية، فالإنتاج محدود والفرص تضيق أمام الفنانين عاما بعد عام، فيما تتراجع النصوص لحساب أعمال سريعة قد تفتقد للرسالة الفنية والثقافية. ومع ذلك، يظل هناك من يتمسك بالأمل ويؤمن بقدرة الدراما الأردنية على النهوض مجددا إذا توفرت الإرادة والبيئة الداعمة”.
ويرى جزاع أن الدراما البدوية ليست مجرد لون فني، بل هي وثيقة حياة توثق وجدان البادية وتعيد تقديمها للأجيال بصورة إنسانية وواقعية. ويؤكد أن العمل البدوي الحقيقي يقوم على دقة اللهجة وأصالة القيم واحترام التراث، بينما افتقدت كثير من الإنتاجات الحديثة لهذه العناصر، فغلبت عليها المشاهد الشكلية التي تفتقر إلى الصدق الفني والروحي.
ويضيف أن الفنان الحقيقي لا يمثل البادية بل يعيشها بكل تفاصيلها، يعرف لغتها ورموزها وأخلاقها، لذلك فإن أي إخلال في التفاصيل، حتى في حركة اليد أو نبرة الصوت، يفقد المشهد روحه.
ويستذكر جزاع الأعمال التي شكلت هوية الفن الأردني مثل “نمر بن عدوان” و”راس غليص” و”بيارق العربا” و”درب الشهامة”، التي قدمت روح البادية الأردنية الأصيلة وأبرزت إنسانها النبيل الذي يعيش على الكرامة والوفاء. لكنه يتحسر قائلا “إن غياب الدعم والإنتاج المنتظم أضعف هذا الإرث وترك فراغا فنيا وثقافيا في المشهد العربي، بعدما كانت الدراما الأردنية تدرس كمدرسة قائمة بذاتها في تجسيد الشخصية البدوية الحقيقية”.
ويشدد جزاع على أن النهوض بالدراما البدوية يتطلب دعما مؤسسيا منظما يبدأ من النص، كما أن غياب التمويل الكافي يدفع المنتجين إلى اختزال المشاهد وتقليص الجودة التقنية، ما ينعكس سلبا على مستوى العمل.
ويضيف أن بعض الإنتاجات الحديثة باتت تركز على الشكل دون الجوهر، إذ يختزل العمل البدوي في مشاهد خيل وصحراء من دون عمق فكري أو إنساني. ويقول “إن الدراما ليست مناظر فقط، بل فلسفة حياة وذاكرة مكان ورسائل قيمية يجب أن تصل إلى الناس بصدق”.
ويتحسر جزاع على عدم عرض مسلسل “العيدروس” حتى الآن رغم أهميته الفنية الكبيرة، كونه آخر أعماله التي يجسد فيها خلاصة تجربته الطويلة في تقديم الدراما البدوية الأصيلة. العمل الذي أخرجه بسام المصري وأنتجته مجموعة المركز العربي ما يزال حبيس الأدراج رغم اكتماله، ويصفه بأنه “عمل يقدم نموذجا ناضجا للحياة البدوية بلغة فنية راقية، تجمع بين الأصالة والحداثة، ويعكس قدرة الدراما الأردنية على المنافسة إذا توفرت بيئة داعمة حقيقية.
ويضيف بأسى أنه حين يحرم الجمهور من مشاهدة هذه الأعمال، فإننا لا نخسر مجرد مسلسل، بل نخسر فرصة لحوار ثقافي مع العالم عن البادية الأردنية وهويتها.
ويشير إلى أن كثيرا من الفنانين الأردنيين اضطروا للابتعاد أو البحث عن فرص خارج البلاد، بسبب محدودية الإنتاج المحلي وغياب المؤسسات التي تتبنى مشاريع درامية وطنية جادة. ويؤكد أن الأردن يمتلك طاقات بشرية هائلة في مجالات التمثيل والإخراج والكتابة والموسيقا، لكنها بحاجة إلى تنظيم وتخطيط واستثمار فعلي.
ويرى أن الحل يكمن في تأسيس لجنة عليا للدراما الأردنية تضم نخبة من الفنانين والمنتجين والكتاب والمخرجين، تكون مهمتها وضع استراتيجية وطنية لدعم الدراما وضمان عدالة الفرص وتوفير التدريب للشباب، إلى جانب إنشاء صندوق وطني للإنتاج يساهم في تمويل الأعمال ذات القيمة الثقافية.
ويؤكد جزاع أن الأردن يمتلك تجربة ناجحة في توظيف الدراما البدوية كسفير ثقافي وسياحي، لكن هذا النجاح مهدد بالاندثار ما لم تتم حمايته بمؤسسات حقيقية.
وعن مسيرته الطويلة، يقول “إنه بدأ منذ مطلع الثمانينيات وشارك في أكثر من ثمانين عملا دراميا مثل “الصقر”، “الرمضاء والنار”، “مخاوي الذيب”، “النخوة”، “الوشم”، “أحزان سبهان”، “الوهم والحقيقة”، “عيال مشهور”، “عين الهقاوي”، “راعي الجود”، و”خيمة على الطريق”، وهي أعمال شكلت مدرسة قائمة بذاتها في تجسيد الشخصية البدوية والريفية بصدق وبساطة”.
ويضيف أن التزامه باللهجة البدوية الصحيحة والتفاصيل الدقيقة جعل الجمهور العربي يثق بالأداء الأردني ويعتبره الأقرب إلى روح البادية الحقيقية، قائلا ” “إنه حين يسمع المشاهد العربي الممثل الأردني، يشعر أنه لا يمثل بل يحيا الدور”.
ويشير إلى أن الدراما الأردنية شكلت خلال السبعينيات والثمانينيات ركنا أساسياً في المشهد العربي وساهمت في ترسيخ صورة الأردن كبلد للثقافة والإنسان الأصيل، لكن ضعف التمويل والإنتاج جعلها تفقد جزءا من جمهورها أمام الدراما السورية والمصرية والخليجية.
ويرى جزاع، أن الدراما الأردنية ما تزال تملك ما يميزها، خاصة الدراما البدوية التي تبقى الأقرب إلى الروح العربية لأنها تستعيد قيم الفروسية والشهامة والوفاء التي شكلت جوهر الشخصية العربية. ويقول “إن المشكلة لا تكمن في غياب الدعم فحسب، بل أيضاً في تشتت الجهود وغياب مؤسسة رسمية تتولى التخطيط والتسويق للدراما”.  ويضيف أن الدراما البدوية الأردنية تمتلك جمالا بصريا وصدقا إنسانيا، لكنها تحتاج إلى أدوات إنتاج حديثة تواكب التطور التقني والرقمي.
ويختم خالد جزاع حديثه لـ”الغد” قائلا “إن الفن ليس ترفا، بل رسالة ومسؤولية تجاه الوطن والناس. الفنان الأردني بحاجة إلى أن يشعر أن جهده مقدّر وأن عمله يصل إلى الجمهور”.

 أحمد الشوابكة/ الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة