أبطال شاركوا في حرب 1973: مواقف بطولية عروبية مشرّفة سطرها الأردن في الحرب

على جبال الجولان وتلال الحارة، ما تزال أصداء المعارك التي خاضها اللواء الأربعين عام 1973، شاهدة على بطولات القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي في مساندة الأشقاء والوقوف معهم بالنفس والسلاح.

اثنان وخمسون عاماً مرّت على حرب تشرين، وما زال أبطال القوات المسلحة الذين شاركوا في الحرب على الجبهة السورية، يستحضرون تفاصيل تلك الأيام عندما صدّوا تقدم القوات الإسرائيلية نحو دمشق وكبدوها خسائر كبيرة.

وأكد أبطال القوات المسلحة الذين شاركوا الحرب في أحاديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن مشاركة الأردن في هذه الحرب كانت علامة مضيئة في سجل الفداء والبطولة، وتجسيدا لموقف الأردن الثابت في الدفاع عن قضايا الأمة والوقوف إلى جانب أشقائه.

وأكد الفريق المتقاعد ظاهر الفواز، أحد المشاركين في الحرب، إن مشاركة القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي في حرب 1973 شكّلت محطة بارزة في التاريخين العسكري والسياسي، وأسهمت في رفع الروح المعنوية للجيوش العربية.

وقال الفواز: “الهجوم المصري والسوري بدأ في آن واحد يوم 6 تشرين الأول 1973، فعبرت القوات المصرية قناة السويس، وحطمت خط بارليف شرقي القناة، فيما هاجم الجيش السوري هضبة الجولان المحتلة”.

https://petra.gov.jo/upload/Files/7b2ef970-f206-4b93-88ce-103387dcb094.jpg

وأضاف “وضع الجيش الأردني في حالة الإنذار الفوري، وبدأ حشد قواته، ثم صدرت الأوامر للواء المدرع /40 يوم 13 تشرين الأول 1973، بالتحرك شمالا باتجاه الأراضي السورية بعد أن زار جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين -طيب الله ثراه-، اللواء في الرمثا، وأعطى أوامره لقائد اللواء العميد خالد هجوج المجالي بنجدة القوات السورية”.

وبيّن أن المعركة الأولى للقوات الأردنية اندلعت في 16 تشرين الأول 1973، بين اللواء المدرع/40 والقوات الإسرائيلية في الجبهة الوسطى عند تل الحارة ونبع الصخر، على المحور المؤدي إلى دمشق من القنيطرة، وتكبّد العدو خسائر كبيرة اضطرته إلى التراجع.

وأضاف أن المعركة الثانية وقعت في 19 تشرين الأول، واستمرت طوال النهار، إذ خاض اللواء الأربعين معركة “مصادمة” عنيفة مع القوات الإسرائيلية، تكبد فيها الطرفان خسائر في الدبابات والأفراد، وانتهت بتراجع القوات المعادية مجددًا.

وأشار الفواز إلى أنه في 24 تشرين الأول صدر قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، لافتًا إلى مشاركة قوات عربية أخرى في الحرب، من بينها الكويتية والسعودية والمغربية والعراقية، وإن كانت الأخيرة وصلت متأخرة.

واستعاد الفواز، الذي كان آنذاك ملازماً أول وقائد سرية دبابات، ذكرياته عن رفاقه الذين أبلوا بلاءً حسنًا واستشهد بعضهم في المعارك، مؤكداً أن بينهم من لم يتجاوز 17 عاما من عمره.

وقال إن عدداً من الجنود الأردنيين خاضوا المعارك صائمين في شهر رمضان، رافضين الإفطار رغم فتوى الشيخ نوح القضاة -رحمه الله- مفتي القوات المسلحة آنذاك، بجوازه للمقاتلين، رغبةً في نيل الشهادة وهم صائمون اقتداءً بغزوة بدر.

واختتم حديثه قائلاً: “نذكر بفخر شهداءنا وجرحانا، وواجبنا أن نذكرهم في المناسبات الوطنية، ونحفظ سيرتهم وقصص بطولاتهم للأجيال المقبلة”، مؤكدا أن مشاركة الأردن في حرب 73 كانت دليلاً على جاهزية قواته وتنسيقها العملياتي والتعبوي تحت قيادة واحدة مع جيوش عربية أخرى.

بدوره، استعرض العميد المتقاعد مفلح الزغول، في شهادته حول حرب 1973، الدور البطولي للواء المدرع الأربعين، مؤكداً أن هذا اللواء كان له إسهاما حاسما في صدّ الاختراق الإسرائيلي باتجاه دمشق، وفي تثبيت الموقف الميداني على الجبهة السورية.

وقال الزغول إن اللواء يُعدّ أحد ألوية الفرقة الثالثة المدرعة، وهو من التشكيلات البارزة في القوات المسلحة الأردنية.

وأضاف أن اللواء تلقّى أوامر بالتحرك من مواقع تمركزه في الزرقاء، استعداداً للدخول إلى الأراضي السورية، وبمجرد صدور الأوامر، استجاب اللواء فوراً لتوجيهات القيادة العليا، وبدأ التحرك شمالاً نحو منطقة دير ورق، حيث مكث هناك عدة أيام في انتظار الأوامر النهائية.

وأوضح الزغول أنه في 12 تشرين الأول 1973، التقى جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال -طيب الله ثراه- بقوات اللواء قبل عبورهم الحدود، ووجّه إليهم كلمته الخالدة: “قد أعددتكم جنداً كما أراد الحسين بن علي، واليوم أنتم تعلُون فوق الهضاب الوعرة، فكونوا كما أعددتكم وكما أرادكم الشعب الأردني”.

وأكد الزغول أن مشاركة اللواء كانت حاسمة في مواجهة محاولات العدو التقدم نحو دمشق، مشيراً إلى أن القوات المسلحة الأردنية أظهرت جاهزية عالية وقدرة كبيرة على التعامل مع التحديات الميدانية، رغم صعوبة الظروف وضراوة القتال.

وقال: “واجه اللواء تحديات جسيمة، لكنه صمد ببسالة، بفضل التخطيط العسكري المحكم، والانضباط، والروح القتالية العالية التي تميز بها الجنود الأردنيون”، مبينا أن اللواء قدّم تضحيات كبيرة، إذ استشهد 20 من أفراده بينهم ضباط وجنود، وأُصيب 49 آخرون، كما تدمّرت 25 دبابة وتعطلت 29 أخرى، ومع ذلك، كانت خسائر العدو أكبر بكثير، ما يعكس فاعلية الأداء القتالي الأردني ودقة تنفيذه للمهام.

https://petra.gov.jo/upload/Files/7ebc60a9-c3da-4eee-bc9f-53c90c80af3f.jpg

وأكد أن اللواء الأربعين تمكّن من إيقاف الاختراق الإسرائيلي ومنع تقدم العدو نحو دمشق التي كانت تبعد نحو 60 كيلومتراً فقط عن خطوط المواجهة، موضحا أن الخطة الإسرائيلية كانت تهدف إلى الالتفاف عبر درعا وصولاً إلى العاصمة السورية، لكن صمود اللواء الأربعين أفشل تلك المحاولة، وأجبر العدو على التراجع، ما مهّد لاحقاً لبدء المباحثات ووقف إطلاق النار.

وكشف الزغول عن التقاط برقية إسرائيلية آنذاك أظهرت حجم القلق في صفوف العدو، جاء فيها: “أوقفوا اللواء المدرع الأردني فوراً، إنه لا يعرف التراجع، وإن لم توقفوه فسنفقد مواقعنا ونسلّمها لهم”.

وأكد أن بطولات القوات المسلحة الأردنية في حرب تشرين وما قبلها وما بعدها، “تجسّد عقيدة القتال الشريفة التي تربّت عليها، دفاعاً عن الأرض العربية وكرامة الأمة”، معرباً عن فخره بالمستوى العالي من التدريب والجاهزية الذي يميّز الجيش العربي الأردني، واستعداده الدائم للتضحية في سبيل الوطن.

واستعرض المقدَّم ملوح نزّال العيسى، ركن استخبارات اللواء المدرع الأربعين، تفاصيل المشاركة الأردنية البطولية في حرب تشرين الأول 1973، المعروفة أيضاً بـ”حرب أكتوبر”، وسط ظروف سياسية وعسكرية شديدة التعقيد.

وقال العيسى إن الأردن أعلن فور إندلاع الحرب دعمَه الكامل للجبهتين المصرية والسورية، رغم عدم علمه المسبق بموعد الحرب، فوضع الجيش العربي في حالة إنذار قصوى استعداداً لمواجهة أي تهديد في غور الأردن، مع التحضير للهجوم نحو الضفة الغربية في حال تحقق تقدم ملموس على الجبهتين الشقيقتين.

وأوضح أن دوافع المشاركة الأردنية، رغم غياب التنسيق المسبق، جاءت انطلاقاً من واجبه القومي تجاه الجبهة السورية التي تُعدّ الامتداد الطبيعي للجبهة الأردنية، ومن إيمان القيادة الأردنية العميق بالقومية العربية، إضافة إلى الرغبة في تخفيف الضغط عن الجبهة المصرية والمساهمة الفعلية في المعركة عبر دعم الدفاعات السورية وتأمين طريق درعا – دمشق.

وبيّن العيسى أن الجيش العربي شارك في الحرب من خلال اللواء المدرع الأربعين بقيادة العميد خالد المجالي، الذي كان يضم وحدات رئيسية هي: كتيبة الدبابات الرابعة الملكية بقيادة المقدم محمود حماد، وكتيبة المدرعات الثانية الملكية بقيادة المقدم حامد أبو جاموس، وكتيبة الأمير عبدالله الملكية بقيادة المقدم صالح محمود، وكتيبة المدفعية 17 بقيادة المقدم عبد الحليم شاكر.

وأضاف أنه في 11 تشرين الأول 1973، زار جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال -طيب الله ثراه- اللواء الأربعين، وأمر بتحركه نحو الأراضي السورية لدعم الجيش السوري بعد أن تمكن العدو من تنفيذ هجوم معاكس تسبب في تراجع القوات السورية.

وبحسب العيسى، تحرك اللواء في 13 تشرين الأول، وتموضع على الجبهة في 14 من الشهر ذاته، و انضم إلى الفرقة الخامسة السورية التي طلبت منه المساعدة في إيقاف التقدم الإسرائيلي باتجاه تل الحارة. وفي 16 تشرين الأول، خاض اللواء معركة عنيفة تمكّن خلالها من إيقاف التقدم الإسرائيلي على خط يمتد من العلقية إلى تل المال ومسحرة وأم باطنة، مشكّلاً خط صد متيناً أمام العدو، وفقاً للعيسى.

وأشار إلى أن اللواء الأربعين خاض لاحقاً عمليات مشتركة مع قوات صلاح الدين العراقية، إذ كُلف في 19 تشرين الأول بتنفيذ هجوم معاكس على الجبهة اليسرى بينما كانت القوات العراقية على اليمنى. وتمكّن اللواء من التوغل داخل خطوط العدو لمسافة 10 كيلومترات، واستعادة مناطق تلول الحمر ومسحرة وأم باطنة.

وتابع العيسى قائلاً إن الملك الحسين – رحمه الله – زار أرض المعركة، وأشاد بـبطولات ضباط وأفراد اللواء الذين جسّدوا أسمى معاني التضحية والإقدام، مشيراً إلى أن اللواء قدّم 21 شهيداً دُفنوا في أرض سوريا، تخليداً لبطولاتهم وتضحياتهم.

وأكد العيسى أن القوات الأردنية، رغم محدودية حجمها مقارنة باتساع الجبهة، استطاعت تحقيق إنجازات بارزة، أبرزها إيقاف التقدم الإسرائيلي على الجبهة السورية ومنع العدو من الوصول إلى طريق درعا – دمشق، أو توسيع رقعة احتلاله في الجولان، ما أجبره على الانتقال من الهجوم إلى الدفاع.

وأوضح أن العمليات القتالية توقفت في 22 تشرين الأول 1973، وبقي اللواء الأربعين محافظاً على مواقعه ومكتسباته حتى سلّمها لاحقاً للجيش السوري بعد إعادة تنظيمه.

واختتم العيسى حديثه قائلاً: “سلام على أرواح شهداء اللواء الأربعين الذين أوقفوا زحف الجيش الإسرائيلي نحو دمشق. وإن دل ذلك على شيء، فإنه يدل على أنهم أبناء الفاتحين الأوائل من مؤتة إلى اليرموك.”

بدوره، أكد مدير عام المؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدماء، اللواء الركن المتقاعد عدنان أحمد الرقاد، أن مشاركة الأردن في حرب عام 1973 كانت علامة مضيئة في سجل الفداء والبطولة، تجسيدًا لموقف الأردن الثابت في الدفاع عن قضايا الأمة والوقوف إلى جانب أشقائه.

وقال إن لواء الملك الحسين بن طلال المدرع الملكي/40 خاض معارك الشرف على الجبهة السورية ببسالة واقتدار، مسطرًا أروع صور الثبات والانضباط والاحتراف العسكري، رغم شراسة العدو وتفوقه في العدد والعتاد.

وأكد الرقاد أن ما قدمه أولئك الرجال سيبقى إرثًا خالدًا ينهل منه كل جندي وضابط أردني في ميادين الواجب.

(بترا) بشرى نيروخ-

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة