ماذا بقي من غزة؟


محامي محمد صدقي الغرايبة

بعد عامين طويلين من القصف والتدمير ومن التهجير والمعاناة، يعود النازحون إلى غزة بخطواتٍ يملؤها الخوف والأمل في آنٍ واحد. يعودون إلى بيوتٍ لم تعد بيوتًا، وأحياءٍ لم يبقَ منها سوى الركام والغبار. مشهد العودة لا يشبه النصر، بل هو شهادة على صمودٍ فاق الحدود، وعلى مأساةٍ تتجدد مع كل صباح .

عاد الآلاف إلى مناطقهم المدمرة بحثًا عن مأوى أو ذكرى أو بقايا حياة. البعض يفترش الأرض، والبعض الآخر يقيم خيامًا فوق أنقاض بيته. لا كهرباء، لا مياه، ولا طرق صالحة للسير. عودة النازحين ليست نهاية الأزمة، بل بدايتها من جديد، وسط غيابٍ شبه كامل لأبسط مقومات العيش الكريم.

غزة اليوم مدينة بلا شريان. شبكات المياه والصرف الصحي مدمّرة، الطرق مغطاة بالركام، والمدارس والمستشفيات باتت مجرد أطلال. لا كهرباء إلا لساعات محدودة عبر المولدات، ولا مياه صالحة للشرب إلا لمن استطاع الوصول إلى نقاط توزيع الإغاثة. حتى القمامة تتكدس في الشوارع، ناشرةً الأمراض والأوبئة، في ظل غياب شبه تام للبلديات والخدمات العامة.

الحياة اليومية في غزة أصبحت معركة من أجل البقاء. والحصول على رغيف خبز أو لتر ماء أصبح تحديًا، والرعاية الطبية حلمًا بعيد المنال. الأسر تعيش على المساعدات المحدودة، والتعليم شبه متوقف، والبطالة في أعلى مستوياتها. لا يمكن وصف ما يجري إلا بأنه انهيار شامل للحد الأدنى من مقومات الحياة الإنسانية.

أمام هذا الواقع المرير، يبقى الأمل معقودًا على جهود المجتمع المدني والمنظمات الإغاثية والدولية التي تحاول سد بعض الثغرات. رغم محدودية الإمكانات وصعوبة الوصول، تواصل هذه الجهات تقديم المساعدات الغذائية والطبية والإيوائية، وتنظيم حملات لإعادة تأهيل المدارس والمستشفيات المؤقتة. كما تلعب دورًا محوريًا في تقديم الدعم النفسي للأطفال والنساء الذين عانوا ويلات الحرب والنزوح.

لكن حجم الكارثة يفوق قدرات الجميع، ويحتاج إلى تدخل دولي جاد لإعادة إعمار شامل ومستدام، لا يقتصر على البناء المادي فحسب، بل يمتد إلى إعادة الحياة والكرامة لأهل غزة

المحامي :
محمد صدقي الغرايبه

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.