عجلون.. الزراعات الذكية تصطدم بمحدودية دعم وتدريب المزارعين

عجلون- يؤكد اختصاصيون ومزارعون وناشطون في محافظة عجلون أن خصوصية المحافظة الزراعية لم تشفع لها بعد لزيادة الدعم والتدريب للتوجه إلى أنواع مختلفة من الزراعات الذكية، لتكون رديفا للزراعات التقليدية الشائعة، التي ما يزال أغلب المزارعين يعتمدون عليها.
وطالبوا بوضع إستراتيجية واضحة، والبدء بخطوات عملية وجادة في سبيل دعم هذا التوجه على المديين المتوسط والبعيد، لافتين في الوقت ذاته، إلى ضرورة استثمار المساحات الزراعية التي ما تزال غير مستغلة في المحافظة، وذلك بدعم وتوجيه أصحابها لاستثمارها في هذا النوع من الزراعة، الذي يهدف إلى زيادة الإنتاج واستدامته، مع ترشيد استهلاك الموارد المتاحة.
حول ذلك، يقول الخبير الزراعي وعضو مجلس المحافظة الأسبق محمد عنانبة “إن الزراعة الذكية لا بد أن تعتمد على التكنولوجيا لزيادة الإنتاج الزراعي واستدامته، مع ترشيد استهلاك الموارد وتقليل التأثيرات البيئية”، مشيرا إلى استخدام طائرات “الدرون” لمراقبة المحاصيل، وتحليل حالة التربة، وتوجيه عمليات الري والرش بدقة، بهدف تحسين الإنتاجية والدخل للمزارعين، مع القدرة على التكيف مع تغيرات المناخ.
وأضاف أن التوجه إلى الزراعة الذكية يتطلب استخدام مختلف التقنيات المتاحة لمساعدة المزارعين على التكيف مع تغير المناخ، وخفض الاحتباس الحراري في القطاع الزراعي، والاستخدام الفعال والرشيد للموارد الطبيعية، مثل المياه والأسمدة، مؤكدا أن هذه التجارب يمكن أن تنجح وتزدهر في المحافظة ذات الخصوصية الزراعية في حال توفرت أشكال الدعم المختلفة من الجهات المعنية.
ويؤكد المزارع أحمد فريحات أن توجيه المزارعين في المحافظة، ودعمهم ماديا بالقروض، وتدريبهم على الزراعات الذكية والحديثة، كلها أمور ستشجعهم على ممارسة هذه الأنواع من الزراعات، خصوصا في ظل تراجع مردود الزراعات التقليدية، لافتا إلى وجود مساحات شاسعة في المحافظة ما تزال غير مستغلة زراعيا، ما يعني إمكانية استثمارها في الزراعات الذكية إذا وجد أصحابها الدعم.
استشارات وحلول عملية
وبحسب رئيس جامعة عجلون الوطنية الدكتور فراس الهناندة، فإن كلية الزراعة في جامعة عجلون الوطنية تعد نموذجا رياديا للزراعة الذكية، وجاءت استجابة للحاجة الوطنية والإقليمية لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية المختلفة، من قلة المياه والتغيرات المناخية وارتفاع تكاليف الإنتاج، مؤكدا أن رسالة وأهداف الكلية تنسجم مع رؤى جلالة الملك عبدالله الثاني وتأكيداته بأن الزراعة خط الدفاع الأول في مواجهة التحديات الاقتصادية والغذائية.
وأكد أن الكلية تسعى إلى رفد المجتمع المحلي والإقليمي بالمهندسين الزراعيين المؤهلين علميا ومهنيا للعمل في المجالات الزراعية المختلفة، لدفع عجلة التنمية لمستقبل أفضل وتحقيق رسالة الجامعة في خدمة المجتمع والوطن، مبينا أن الكلية تبنت نهجا يقوم على الدمج بين التعليم الأكاديمي وخدمة المجتمع المحلي، وأطلقت تخصص الزراعة الذكية لتزويد الطلبة بالمهارات العلمية والتقنية في مجالات الزراعة الدقيقة وإدارة البيانات الزراعية، والاستشعار عن بعد وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ليكونوا مؤهلين لقيادة التغيير الزراعي في الأردن.
وأضاف الهناندة أن الكلية تلعب دورا في شمول المجتمع المحلي والمزارعين في محافظة عجلون والقرى المحيطة بها بالبرامج التدريبية التي تنظمها، وتقديم الاستشارات والحلول العملية لمشكلات الزراعة التقليدية، مما أسهم في رفع مستوى الإنتاجية الزراعية وتحسين جودتها، ودعم المزارع المحلي بالمعرفة والخبرة العلمية التي يحتاجها، مبينا أن الكلية تعد بيت خبرة حقيقيا للمجتمع وذراعا تنموية تسعى لتمكين الإنسان في محيطها، من خلال مشاريع تخدم المزارعين وتدعم التنمية الريفية، وتواكب في الوقت نفسه رؤية الدولة الأردنية للتحديث الاقتصادي والتنمية المستدامة.
وطالب المزارع حسين الخطاطبة بتوسيع الزراعات الحديثة والذكية، وتشجيع المزارعين على الابتعاد عن الزراعات التقليدية المكلفة لما توفره من جدوى اقتصادية أعلى وقدرة على الاستفادة من الحصاد المائي والتكيف مع الجفاف، مؤكدا أن القصص الناجحة لبعض التجارب المحدودة في المحافظة ستبقى دون جدوى اقتصادية ما لم تصل إلى دعم رسمي يشجع المزارعين على مثل هذه الزراعات، خصوصا أن هناك كثيرا من المزارعين على استعداد للتحول إلى أنواع الزراعات الذكية والحديثة في حال توفر الدعم المادي والإرشاد من الجهات المعنية.
ووفق أرقام مديرية زراعة المحافظة، فإن المساحات الزراعية المستغلة في المحافظة تبلغ مائة ألف دونم، فيما تبلغ مساحة الأراضي الحرجية 34 % من مساحة المحافظة البالغة 419 كيلومترا مربعا، بينما يوجد 82 ألف دونم مزروعة بالزيتون، و21 ألفا بالحمضيات والكرمة والفاكهة.
وكانت دراسات سابقة لهيئة الاستثمار، كشفت أن المساحة غير المستغلة زراعيا في المحافظة تبلغ 53 % من أصل 27 % من مساحة المحافظة الكلية الصالحة للزراعة.
إعداد كوادر مؤهلة
ويؤكد الناشط علي القضاة أن تخصص الزراعة الذكية في جامعة عجلون أصبح نموذجا يحتذى في دمج العلم بالتطبيق، والجامعة بالمجتمع، والتقليد بالحداثة، ومنارة للإبداع الزراعي ورافدا للأمن الغذائي وشريكا للمزارع المحلي في مسيرة البناء والعطاء، مبينا أن قسم الإنتاج النباتي للزراعة الذكية والمستدامة يعد أحد الأقسام الرائدة في كلية الزراعة، حيث يهدف إلى تعزيز أسس الإنتاج الزراعي باستخدام أحدث التقنيات والابتكارات في مجالات الزراعة الذكية والمستدامة، كما يسعى القسم إلى تحقيق التوازن بين زيادة الإنتاجية الزراعية والحفاظ على الموارد الطبيعية، وذلك لمواجهة التحديات البيئية وضمان الأمن الغذائي للأجيال الحالية والمستقبلية.
وأضاف أن القسم يعمل على إعداد كوادر مؤهلة قادرة على دمج التقنيات الحديثة مثل الزراعة الدقيقة، وأنظمة الري الذكية، والطاقة المتجددة في منظومات الإنتاج الزراعي، فهو يتميز بمنهاجه المتكامل الذي يجمع بين الجوانب النظرية والتطبيقية، مع التركيز على تطوير مهارات الطلاب في البحث العلمي والابتكار والتطبيق العملي لمواجهة القضايا الزراعية المعاصرة، ويسعى إلى تعزيز التعاون مع الجهات المحلية والدولية من خلال تنفيذ مشاريع بحثية وتنموية تهدف إلى تحسين جودة الإنتاج الزراعي، وتطوير تقنيات مستدامة، وتعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية الزراعة المستدامة، ما جعل القسم وجهة مثالية للطلبة الطامحين إلى تحقيق التميز في مجال الزراعة الحديثة والمستدامة في المحافظة.
من جهته، قال مدير زراعة المحافظة المهندس رامي العدوان إن المديرية تسعى لتوفير ركيزة مهمة لتأمين مصادر مياه إضافية للري، حيث إن 33 بئرا منها نفذت في لواء كفرنجة، مشيرا إلى أن المديرية تنفذ ذلك بالتوازي مع برامج تدريبية عملية بالتعاون مع مشاريع وطنية ودولية تركز على الزراعة الذكية مناخيا، وتربية النحل، والإدارة المتكاملة للثروة الحيوانية.
وبين أن المديرية أنجزت، خلال العام الحالي، 210 آبار حصاد مائي، بكلفة تقديرية بلغت 1500 دينار للبئر الواحد، وذلك ضمن جهودها لدعم المزارعين وتقليل أثر التغيرات المناخية.
وأكد العدوان أن التوسع في الزراعات الحديثة والتوجه نحو الذكية يشكل أولوية لتطوير القطاع الزراعي في المحافظة لما توفره من مردود أعلى وتوافق مع التنوع المناخي والبيئي، ويسهم في زيادة الدخل وتحقيق الأمن الغذائي، مشيرا إلى أن الدعم الرسمي يقتصر حاليا على تقديم القروض والورش التدريبية والإرشاد للمزارعين.
كما لفت إلى أن قسم الإرشاد الزراعي يتعاون مع المركز الوطني للبحوث الزراعية للاستفادة من أحدث الدراسات والتقنيات في هذا المجال، مؤكدا أهمية المدارس الحقلية التي تعقد في المزارع وتتيح للمزارعين التعلم من خلال التجربة العملية ومقارنة نتائج تطبيق الممارسات الزراعية المختلفة، مما يساعدهم على تحسين الإنتاجية.