البحث عن الدفائن يزداد في جرش.. و”التخريب” يطال أراضي زراعية

جرش- يبدو لافتا في محافظة جرش، ازدياد ظاهرة البحث عن الدفائن والقطع الأثرية، في وقت يشتكي فيه أصحاب أراض زراعية في قرى سوف وساكب والنبي هود والكفير من قيام عابثين يبحثون عن الذهب والدفائن بتخريب أراضيهم الزراعية وتحويلها إلى كهوف وحفر عملاقة، فضلا عن تخريب المحاصيل الزراعية فيها وتدمير الأشجار المثمرة.
وأكد مزارعون أن هذه الظاهرة انتشرت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وتعمل على تدمير البنية التحتية للأراضي الزراعية، لا سيما أن المخربين غير معروفين ويبدأون بالحفر في أوقات متأخرة من الليل.
كما يؤكد سكان مناطق متعددة في مدينة جرش، أنهم واجهوا مئات المرات مشكلة بحث الباحثين عن الدفائن بالقرب من منازلهم وداخل ساحاتها، لاعتقادهم أن تحتها آثار رومانية دفينة.
وبحسب المزارع مصطفى العياصرة، فإن أرضه تحولت إلى مجموعة من الحفر العملاقة بسبب العابثين الذين يبحثون عن الذهب والدفائن بشكل مستمر لاعتقادهم أن هذه الأراضي القديمة كانت تستخدم لدفن الأسلحة القديمة والذهب.
وأوضح أنه حاول مراقبة أرضه بشكل مستمر في أوقات متأخرة من الليل، غير أن الباحثين عن الذهب يهربون بين الأحراش ولم يستطع التعرف عليهم، معتبرا “أن سبب زيادة هذه الظاهرة هو تردي الوضع المادي للمواطنين وارتفاع تكاليف المعيشة، واعتقادهم أن العديد من الأسر القليلة الغنية عثروا على ذهب ودفائن وقاموا ببيعها والاستفادة منها، فضلا عن الاعتقادات السائدة أن مدينة جرش كاملة وقراها تحتوي على دفائن رومانية ثمينة لاعتبارها أكبر المدن الرومانية في الوطن العربي”.
ويطالب المزارع مصطفى العتوم بمراقبة الأراضي الزراعية والحد من العبث فيها عن طريق الجهات الأمنية أو مديرية الزراعة، لا سيما أن الأراضي التي يتم العبث فيها أراض مملوكة لمواطنين.
وقال العتوم إن العابثين يقومون كذلك بتدمير الأشجار المثمرة لاعتقادهم أن الدفائن قد تكون تحت الأشجار، فضلا عن قيامهم بترك الحفر العملاقة دون إعادة طمرها، ليتحمل أصحاب الأراضي مسؤولية تسوية الأرض الزراعية.
أما المواطن خالد قوقزة، فأكد أن ساحة منزله تعرضت للعبث عدة مرات، لا سيما أن منزله لا يبعد سوى 200 متر عن أسوار المدينة الأثرية، موضحا أنه عثر على العديد من القطع الأثرية أثناء عملية الحفر لبناء منزله، وقام بتبليغ دائرة الآثار العامة عنها وتسليمهم الموقع، وحين الانتهاء منه أعاد إكمال بناء المنزل.
وأضاف أن القيمة الأثرية والتراثية والتاريخية للقطع الأثرية أكبر من قيمتها المادية بكثير، ويجب على الجميع المحافظة على هذا الموروث الأثري والحضاري وعدم العبث به، لا سيما أن القيمة الأثرية والتاريخية هي الميزة التي تتميز بها محافظة جرش عن باقي محافظات ومدن العالم بشكل عام.
بلاغات شبه يومية
من جهته، أكد مصدر مطلع في مديرية آثار جرش أن جميع القرى والبلدات الجرشية بشكل خاص والأردنية بشكل عام يوجد في باطن أرضها آثار ودفائن مختلفة، وظاهرة البحث عن الدفائن منتشرة في جميع مناطق المملكة، غير أن المواطنين المتعاونين الذين يخافون على آثار وطنهم يقومون بتبليغ دائرة الآثار بالعثور على قطع أثرية، وتقوم الدائرة بعدها بزيارة الموقع والحفر فيه بشكل صحيح للحفاظ على الآثار وإجراء دراسة على المنطقة للمحافظة على القطع الأثرية بالتعاون مع الجهات الأمنية.
وأوضح أن دائرة الآثار العامة غير قادرة على حماية كافة المواقع الأثرية غير المسجلة في الدائرة، والمواطن هو شريكها الأساسي في الحفاظ عليها، خصوصا أن البحث عن الدفائن يتم بشكل سري وفي أراض مملوكة لمواطنين، مناشدا جميع المواطنين بضرورة تبليغ الدائرة في حال تم العثور على أي قطع أثرية في الأراضي، وخاصة عند إجراء حفريات بناء أو استصلاح أراض زراعية.
وأضاف المصدر أن الفريق الفني المختص وخبراء الآثار يقومون بشكل يومي بالكشف الحسي على مواقع محفورة من قبل العابثين أو مواطنين يحفرون بهدف بناء المساكن في أراض مملوكة لهم، ويجدون فيها بعض الفخاريات المكسورة أو الحجارة المنقوشة، لاعتقادهم بوجود الذهب والقطع الأثرية النفيسة التي قد تغير مجرى حياتهم.
وأكد أن البلاغات عن العثور على كهوف أثرية وأنفاق وممرات كبرى يقوم العابثون باستحداثها للبحث عن الدفائن شبه يومية، ويتم الكشف عليها من خلال الجهات الأمنية التي تراقب كافة المواقع التي يتم العبث بها، لا سيما بالقرب من أسوار المدينة الأثرية والقرى التي تم العثور مسبقا فيها على مواقع أثرية كبرى.
وأوضح المصدر ذاته أن العابثين والباحثين عن الدفائن اكتشفوا مواقع أثرية كبيرة وتم استملاكها في محافظة جرش من قبل دائرة الآثار العامة، على الرغم من خطورة البحث العشوائي على الآثار وطريقة البحث التي تحتاج إلى خبراء وفنيين مدربين لضمان الحفاظ على القيمة الأثرية والتاريخية للموقع.
فريق من الخبراء والفنيين
وقال إن مديرية آثار جرش فيها فريق من الخبراء والفنيين المدربين للتعامل مع هذه الدفائن والقطع التي يعثر عليها العابثون، ويقومون بتقدير مدى أهميتها وقيمتها التاريخية واتخاذ القرار المناسب بخصوصها، وعلى الأغلب ما يتم العثور عليه حاليا في مختلف الحفريات التي يقوم بها المواطنون غير مجد وغير مهم، وتكون تشكلات طبيعية ناتجة عن العوامل الجوية، وتوجد فيها كهوف قديمة وبعض الفخاريات المكسورة وقطع صغيرة من الحجارة التي تحتوي على نقوش وزخارف وكتابات.
وأوضح المصدر أن محافظة جرش فيها واحدة من أكبر المدن الرومانية على مستوى العالم، ومن الطبيعي أن تكون القرى والبلدات التي تحيط بها تحتوي على بعض القطع التاريخية والأثرية القديمة، لكن فريق الخبراء والفنيين هو من يحدد مدى أهميتها ويتخذ القرار المناسب بخصوص ضرورة استملاك الموقع، بعد اتخاذ الإجراء القانوني المناسب بحق العابثين والباحثين عن الدفائن بطرق غير قانونية وسرية، أما في حال القيام بالحفرية بهدف البناء فيتم السماح لهم باستكمال مراحل البناء دون أي عوائق.
واعتبر أن السبب في زيادة البحث عن الدفائن وتحولها إلى ظاهرة في محافظة جرش هو الظروف الاقتصادية الصعبة للمواطنين وما يعانونه من بطالة وفقر، واعتقادهم أن مدينة جرش تحتوي على قطع أثرية ومواقع أثرية كبرى ستساهم في حل المشاكل الاقتصادية وتحقيق أحلامهم، غير أن الأجهزة الأمنية ومديرية الآثار تتابع بشكل يومي كافة المواقع ولا تسمح بالاعتداء على أي موقع أثري أو البحث عن الدفائن.
بدوره، أكد رئيس جمعية أصدقاء آثار جرش رفاد العياصرة أن آثار جرش من أهم الكنوز الأثرية على مستوى العالم، وهي معروفة وموثقة في خرائط عالمية، والعابثون يعتقدون أن مدينة جرش فيها كنوز أثرية ما تزال مدفونة وغير مكتشفة، وأنهم قادرون على إخراجها والاتجار بها والحصول على ثروة مالية كبيرة.
وأضاف أن الحل هو في المحافظة على دوام الحراسة على المواقع الأثرية ودوريات المراقبة للحد من العبث بالمواقع الأثرية وبالقرب من سياج المدينة الأثرية، لا سيما أن العابثين يقومون بتدمير القطع الأثرية التي يبحثون فيها ويخربون المواقع الأثرية ويدمرون البنية التحتية فيها.
إلى ذلك، يرى الخبير السياحي وعضو مجلس محافظة جرش الدكتور يوسف زريقات، أن العبث بالآثار هو عبث تاريخي وأثري وعبث بقيمة لا يمكن معالجتها، بغض النظر عن طريقة العبث سواء كانت بالحفر للبحث عن الدفائن أو تكسير قطع أثرية لغايات الاتجار بها أو الكتابة عليها بأنواع مختلفة من الدهان.
وقال إن الحل في مراقبة المواقع كافة وعلى مدار الساعة وتعيين حراس في المواقع غير المحروسة أصلا، لا سيما أن العابثين يقومون بإزالة السياج إن وجد وتكسير قطع أثرية والحفر تحتها.
الغد// صابرين الطعيمات