بقلم: الأستاذ الدكتور فراس الهناندة – رئيس جامعة عجلون الوطنية
ما أقسى أن نرى على أرض جامعاتنا – هذه الحقول التي نزرع فيها الأمل – بذورَ غضبٍ تنبت شوكًا بدلًا من زهر، وصوتَ عنفٍ يخنق نغمة العقل والحوار. ما أقسى أن تتحول الجامعة، التي وُجدت لتكون منارةً للعلم والنور، إلى ساحةٍ تعكر صفوها فورةُ غضبٍ عابرة أو نزعةُ تعصبٍ أعمى!
العنف الجامعي ليس حادثًا عابرًا، بل هو جرحٌ في وجه الوطن، وصرخةٌ في ضمير كل مؤمن بأن الجامعة هي عقل الأمة وسياج نهضتها ومصدر قوتها الفكرية. كل مشاجرة في جامعة أردنية هي صفعةٌ لمستقبلنا، وظلٌّ أسود على صورة بلدٍ أنجب العلماء والمفكرين، وعلّم الأجيال كيف تُبنى الدول بالعقول لا بالعصا.
وما شهدناه مؤخرًا من أحداثٍ مؤسفة في إحدى جامعاتنا الوطنية العريقة – الجامعة الأردنية – ليُدمي القلب ويوقظ الضمير، فهو تذكير مؤلم بأن العنف، مهما كان مبرره، لا ينتصر لأحد، بل يُهين الجميع. فكيف لجامعةٍ تحمل اسم الوطن أن تُدنّس ساحتها لحظة غضب؟ تلك ليست حادثة تخص جامعة بعينها، بل رسالةٌ للجميع بأن مسؤولية حماية بيئتنا الجامعية مسؤولية مشتركة، وأن الصمت على شرارة صغيرة قد يورث نارًا تحرق ما بنيناه بالعقل والجهد.
لقد علمنا الهاشميون، منذ الثورة العربية الكبرى وحتى اليوم، أن السلاح الحقيقي هو الكلمة، وأن القوة في ضبط النفس لا في كسر الآخر، وعلمنا جلالة الملك عبدالله الثاني – حفظه الله – أن الأردن لا يُبنى إلا بسواعد شبابه وعقولهم، لا بانفعالاتهم ولا بعصبياتهم.
إن الجامعة ليست ميدان خصومة، بل وطنٌ مصغّر يجتمع فيه الأردني من كل بيتٍ ومدينةٍ وقريةٍ ليحمل رسالةً سامية: أن نختلف بفكرنا لكننا نلتقي على حب الأردن، أن نتناقش بعقولنا لا أن نتصارع بأيدينا، أن نرفع كتبنا لا أصواتنا، وأن نحمل أقلامنا لا عصيّنا.
العنف الجامعي لحظة ضعفٍ تُسقط سنين من الجهد، وتُطفئ شعلة الحلم في عيون الآباء والأمهات، وتُهدر هيبة الجامعة التي تُخرّج أجيالًا تبني الوطن. أليس مؤلمًا أن تتحول مقاعد الدرس إلى مشاهد خصام؟ وأن تُستبدل لغة العلم بلغة الغضب؟
أيها الطلبة الأعزاء، إن الرجولة الحقيقية هي في التسامح لا الانتقام، وفي ضبط الغضب لا إشعاله، وفي الارتقاء بالعقل لا الانحدار بالعنف، ومن يظن أن العنف يثبت القوة، فقد خسر أول معركة مع نفسه.
في جامعة عجلون الوطنية نؤمن بأن كل طالب هو مشروع قائد، وأن الحوار هو جسر المستقبل، وأننا سنبقى جميعًا أسرةً واحدةً يجمعها الانتماء للوطن والولاء للقيادة الهاشمية الحكيمة. سنواصل العمل، بكل الحب والإصرار، لنحمي بيئتنا الجامعية من كل ما يعكّر صفوها، لأننا نريدها جامعةً تنبض بالحياة، وتُخرّج الأمل لا الألم، والنور لا الظلام.
كونوا كما أرادكم وطنكم – حكماء في الغضب، رحماء في الحوار، صناعًا للمستقبل، لا أسرى للحظة الغضب، واجعلوا من جامعاتكم منابرَ للفكر، لا ميادين للفوضى. وليعلُ شعارنا جميعًا: “نختلف لنتكامل… لا لنتصارع”، ولتبقَ جامعاتنا كما أرادها الأردن منارات علم، وواحات سلام، وبيوتًا للعقل والخلق والكرامة.
إن جامعة عجلون الوطنية تؤكد رفضها القاطع والحازم لكل أشكال العنف الجامعي قولًا أو فعلًا أو تلميحًا، وتعتبره سلوكًا دخيلًا لا يمتّ إلى قيمنا الوطنية أو رسالتنا التربوية بصلة. وإيمانًا منها بدورها التنويري والوطني، فإنها تدعو أبناءها الطلبة إلى أن يكونوا نموذجًا في الأخلاق والانضباط والوعي والمسؤولية، وتؤمن أن التفاهم والحوار والاحترام المتبادل هي الركائز التي تصنع الإنسان الأردني الأصيل. وستبقى الجامعة – بقيادتها وكوادرها وطلبتها – سياجًا منيعًا ضد الجهل والعنف والتعصب، ومنارةً للعلم والحكمة والانتماء الصادق للوطن والقيادة الهاشمية.
مقال رائع فيه من الحكمة والمنطق والعقلانية والانتماء الكثير والذي اتمنى ان يصل لعقل وقلب كل طالب جامعي على مقعد الدرس لكي يفهم معنى الحياة الجامعية قبل ان يدخلها.
للاسف ما زالت مثل هذه النقاط السوداء تظهر في جامعاتنا حينا هنا وحينا أخر هناك وقد تظهر في بعض الاماكن بشكل متكرر وفي أماكن أخرى بشكل متباعد وكل ما ظهرت نقطة يكتب الكثير في توصيفها وعن أثرها السلبي ونتائجها القاتمة على الشخوص والمكان لكن للاسف نادرا ما يبحث في جذورها ومسبباتها والدوافع التي أدت لحدوثها وأليات الوقاية منها قبل ظهورها.
هناك كفاءات وخبرات وادارات رائدة ومبدعة في جامعاتنا فهل يعقل ان لا نجد تشخيصا مناسبا لهذه القضية ومسبباتها وهل نعجز أن نجترح الحلول الناجعة لها. لدى الكثير من جامعاتنا كليات انسانية وتربوية فيها من علماء النفس والاجتماع والتربية من يشار لهم بالبنان فلماذا لا تكون هناك دراسات علمية معمقة لهذة الاحداث الغريبة على مجتمعاتنا وجامعاتنا يشارك بها الطلبة أنفسهم لانهم أهم طرف بها. وللاسف ان من يشارك بهذة القضايا غالبا هم طلبة هذة الكليات ذاتها والتي يفترض الا تحصل بها. لا بد من التوعية والبناء لشخصية الطالب الجامعي من أول يوم تخطو فيه قدمه الحرم الجامعي ولا بد من التمهيد السلس المتدرج لانخراطه بالعملية التعليمية والنشاطات اللامنهجية التي تستثمر طاقاته بشكل موجه بالاتجاه الايجابي الذي يبني الاجيال القادره المؤهلة لبناء الوطن والمساعدة في رفعته وتقدمه وابعاده عن كل ما هو سلبي يهدر طاقته ويترك أثره عليه وعلى جامعته ومجتمعه