السائق نائم… والضمير في إجازة مفتوحة!!

محامي محمد صدقي الغرايبة
صحونا قبل ايام على حادثة باص زوبيا الذي انقلب جراء السرعة والتهور في القيادةوجراء سلوك طريق غير مؤهل وغير معتاد مخلفا عدد كبير من الإصابات المختلفة بين حرجة ومتوسطة وبسيطة .
يبدو أن طرقاتنا لم تعد بحاجة إلى مطبات صناعية، بل إلى مطبات “ضميرية” توقظ من ناموا على مسؤولياتهم.
فالحوادث تتكرر، والأرواح تُزهق، والسائقون المتهورون يخرجون من كل كارثة أكثر جرأة وكأنهم نالوا وسام بطولة في الفوضى العامة.
لدينا نوع جديد من السائقين.. يمتلك رخصة قيادة لكن بلا رخصة إنسانية.يقود الباص كما لو أنه في سباق رالي، لا في طريقٍ يقلّ طلبة وموظفين وعائلات.
ينام أثناء القيادة، يغير المسرب هروبًا من الدوريات، ويعتبر الركاب مجرد “ديكور متحرك” لا أكثر.والمضحك المبكي أن هذا النوع من السائقين يُوقف خمس مرات، يُنذر سبع مرات، ثم يُعاد إلى عمله وكأن شيئًا لم يكن.تمامًا كما تعيد غطاء الإناء إلى مكانه بعد أن يفور!
نسأل أنفسنا أين الرقابة؟ أين القانون؟
لكن يبدو أن القانون هو الآخر عالق في أزمة سير بيروقراطية، ينتظر موافقة “المدير” أو توقيع “اللجنة”!
المشهد باختصار سائق يهرب من الدوريات في طريق الكسارات — طريق ضيق ومتعرج — ومع ذلك يُكمل قيادته بكل فخر وثقة بالنفس.ثم يحدث ما هو متوقع، لا ما هو مفاجئ: حادث مروع، إصابات بالعشرات، وباص تحوّل إلى تابوت جماعي متحرك.
وبعدها يخرج أحدهم ليقول ببرود: “قدر الله وما شاء فعل.”!!!
نعم، القدر كتب الأعمار، لكنه لم يكتب اللامبالاة…. القدر لا يجدد رخصة متهور، ولا يوقع تعهدًا نيابة عن سائق لا يعرف معنى المسؤولية.
من كتب هذا السيناريو هو الإهمال، ومن أخرجه هو الصمت، ومن مثل فيه هو مجتمع يتقن فنّ “السكوت مقابل الكارثة”.
الطامة الكبرى أننا نملك ذاكرة قصيرة جدًا كذاكرة السمكة نغضب ليومين، نكتب منشورات حزينة، ثم نعود لنركب الباص نفسه وكأن شيئًا لم يحدث.
حتى ان السائق يعود للعمل بابتسامة و”كاسة قهوة” مع زملائه، بينما المصابون ما زالوا يتقلبون على أسرّة المستشفيات.
أين نحن من المسؤولية؟ ومن الذي قال إن حياة الناس أرخص من مقعد في باص؟
من الذي جعل من (التهور) عادة ومن المراقبة استثناء؟
آن الأوان لنقولها صراحةً بأن الذي يستهتر بأرواح الناس لا يحتاج دورة “سياقة”، بل دورة في الإنسانية ،والذي يسمح له بالعودة إلى المقود رغم تاريخه الأسود، شريك في الجريمة وفي المسؤولية لا أقل.
فلتُلغَ الرخص قبل أن تُلغى الأرواح،
وليتوقف النوم خلف المقود قبل أن نصحو على مأساة جديدة ؟
تقبلوا احترامي
المحامي محمد الغرايبه