“في حضرةِ الكرامةِ والعَزْمِ: خطابُ جلالتِهِ نداءٌ للوَحدةِ والعملِ وبُشرى لمستقبلِ الوَطنِ”

=

بقلم/ د. محمد أحمد أسعد فواعرة.

في حضرةِ البيانِ تتعثَّرُ الكلماتُ، وفي حضرةِ الجمالِ تتناثَرُ العباراتُ، وإنَّنا كمواطنينَ أُردنيِّينَ، يطيبُ لنا أن ننحنيَ إجلالًا وتبجيلًا أمامَ خطابِ صاحبِ الجلالةِ الملكِ عبدِ اللهِ الثاني ابنِ الحُسينِ المعظَّم، ملكِ المملكةِ الأُردنيَّةِ الهاشميَّةِ المُفدَّى – حفِظَهُ اللهُ ورعاهُ – الَّذي ألقاهُ اليومَ في افتتاحِ الدورةِ العاديَّةِ الثانيةِ لمجلسِ الأُمَّةِ العشرينَ، يومَ الأحدِ الموافقِ للسادسِ والعشرينَ من تشرينَ الأوَّل عامَ ألفينَ وخمسٍ وعشرينَ ميلاديًّا؛ وإنَّهُ خطابٌ يتَّقِدُ بالنورِ، ويزهُو بالحكمةِ، ويحدُو بروحِ القيمِ الوطنيَّةِ والمبادئِ الأَصيلةِ؛ لما وردَ فيهِ من معانٍ ساميةٍ ورؤيةٍ ثاقبةٍ.
وها هو الوطنُ يستمعُ اليومَ إلى نداءِ القيادةِ الحكيمةِ الواعيةِ، وكلماتُ جلالتِهِ تنبضُ بحبِّ الأرضِ والإنسانِ، وتنطلقُ من منبرِ الحقِّ والضميرِ، للارتقاءِ بنفوسِ الأُردنيِّينَ نحوَ آفاقِ الإخلاصِ والبناءِ.
خطابُ جلالتِهِ اليومَ – كما جاءت مراسيمُهُ في هذا الموعدِ التاريخيِّ – إنَّما هو شُعاعٌ من نورِ العزمِ، وترنُّمٌ بسِمفونيَّةِ الإرادةِ، وبلّورةُ رؤيةٍ تُشيَّدُ بماضٍ لا يُمحَى، وحاضرٍ يُبنَى، ومستقبلٍ يُزرَعُ.
ومنذُ اللحظةِ الأُولى لخطابِ جلالتِهِ، جاءَ في قولِهِ: «هذا الوطنُ الذي كان قَدَرُهُ أن يُولَدَ في قلبِ الأزماتِ، والتي لم تكنْ يومًا استثناءً في مسيرتِهِ، بل كانت رفيقتَهُ منذُ البداياتِ، فكانَ لزامًا أن يَشقَّ دربَهُ بالإرادةِ، فأثبتت أجيالُهُ في كلِّ مُنعطفٍ وقوفَها في وجهِ المصاعبِ…».
فمنذُ هذهِ اللحظاتِ ارتفعتْ هِمَمُ الأُردنيِّينَ والأُردنيَّاتِ، وانبعثتْ في النفوسِ العزيمةُ، فقد بيَّنَ جلالتُهُ أنَّ وطنَنا ليس مُضطرًّا إلى التراجعِ أبدًا، بل هو دومًا في صدارةِ التحدياتِ، صامدٌ وثابتٌ، وقادرٌ على مُواجهتِها بفضلِ روحِ أبنائِهِ وإصرارِهم؛ وهذا دليلٌ على تفوُّقِ الأُردنيِّينَ وتفرُّدِهم.
كما جاءَ في خطابِ جلالتِهِ قولُهُ: «يتساءلُ بعضُكم: كيفَ يشعرُ الملكُ؟ أيقلقُ الملكُ؟ نعم، يقلقُ الملكُ، لكن لا يخافُ إلَّا اللهَ، ولا يهابُ شيئًا، وفي ظهرِهِ أُردنيٌّ…». فقد أكَّدَ جلالتُهُ أنَّ الأُردنيِّينَ قد انتصروا لقيمِ المواطنةِ، الَّتي تمثَّلَت في المواطنِ الأُردنيِّ الَّذي يتلقَّى المسؤوليَّةَ، ويضعُ الوطنَ فوقَ كلِّ اعتبارٍ.
وقد جاءتْ ترانيمُ جلالتِهِ في الإصلاحِ والتنميةِ والتعليمِ والصحَّةِ، وإنْ كانت قائمةً على الطريقِ الطويلِ، فهي تمثِّلُ وعدًا صادقًا بألَّا تُهدَمَ أحلامُ أبناءِ الوطنِ بسببِ انتظارٍ أو تردُّدٍ.
إنَّنا جميعًا نُثني على صدقِ قولِ جلالتهِ، وقوَّةِ رؤيتهِ، ونقفُ إجلالًا لما جاءَ في خطابِه من نداءٍ للوَحدةِ، وحثٍّ على العملِ، ورفضٍ لكلِّ ما يُغري بالجمودِ أو التباطؤِ. لقد جسَّدَ – ببلاغتِهِ – الوفاءَ للحُسين والعائلة الهاشميَّةِ، والولاءَ للشعبِ الوفيِّ، والانتماءَ إلى أرضِ الأُردنِّ الطاهرةِ الغاليةِ.
لقد أكَّدَ جلالةُ الملكِ أنَّ مسيرةَ الإصلاحِ لا تزالُ في بداياتِها، وأنَّ الطريقَ لا يتَّسِعُ للراحةِ أو التأخُّرِ، فقالَ: «فنحنُ اليومَ لا نملكُ رفاهيةَ الوقتِ، ولا مجالَ للتراخي، فعلينا الاستمرارُ في تطويرِ القطاعِ العامِّ؛ ليلمسَ المواطنُ أثرَ الارتقاءِ بالخدماتِ».
وهذا إعلانٌ يُفيدُ بأنَّ المسؤوليَّةَ اليومَ أثقلُ، وأنَّ العملَ الجماعيَّ باتَ ضرورةً لا مفرَّ منها.
كما أشارَ جلالتُهُ إلى أنَّ الإصلاحَ السياسيَّ والاقتصاديَّ والتعليمَ والصحَّةَ جميعُها مفاتيحُ لبوَّابةِ التنميةِ، وأنَّ البرلمانَ والمجتمعَ والأجهزةَ الحكوميَّةَ كلَّها شركاءُ في هذا المسعى النبيلِ.
ومن جانبِهِ أيضًا، كرَّسَ دعمَهُ للشعبِ الفلسطينيِّ وأهلِهِ الغزِّيِّينَ، بقولهِ: «واليومَ نقفُ أمامَ الكارثةِ الَّتي يعيشُها أهلُنا في غزَّةَ الصامدونَ، ونقولُ لهم: سنبقى إلى جانبِكم بكلِّ إمكانيَّاتِنا، وِقْفةَ الأخِ معَ أخيهِ».
وأكَّدَ جلالتُهُ استمرارَ الأُردنِّ في تقديمِ المساعداتِ الإغاثيَّةِ والخدماتِ الطبيَّةِ؛ لأنَّ موقفَ الأُردنيِّينَ راسخٌ لا يلينُ، تمامًا كوطنِهم الحُرِّ الأبيِّ، كما يواصلُ الأُردنُّ دورَهُ التاريخيَّ في الوصايةِ الهاشميَّةِ على القدسِ والمقدَّساتِ الإسلاميَّةِ والمسيحيَّةِ، رافعًا رايةَ الكرامةِ والعدالةِ والعزَّةِ، مُشيدًا بدورِ الجيشِ العربيِّ المصطفويِّ، سليلِ الأبطالِ على مرِّ العصورِ، الَّذينَ هم حماةُ الأرضِ وسياجُ الوطنِ، مشيرًا إلى ذلكَ ومؤكِّدًا عليهِ بقولهِ: «أقولُها قولًا واحدًا: هنا رجالُ مصنعِ الحسينِ، دِرعًا مهيبًا».
مؤكِّدًا على افتداءِ الأرضِ المباركةِ بالأرواحِ والمُهَجِ، ولو كلَّفَ ذلكَ أنفسَنا وأبناءَنا، فسيكونُ رخيصًا في سبيلِ الدفاعِ عن الوطنِ وشعبِهِ الحُرِّ الأبيِّ، قائلًا:
«إنَّ هذهِ الأرضَ المباركةَ ولَّادةُ الأحرارِ، والشبابُ الأُردنيُّ، وأوَّلُهم الحسينُ ابنِي وابنُكم، جُندٌ لهذا الوطنِ».
إنَّنا في هذا اليومِ المشهودِ، تفتَّحتْ في نفوسِنا أبوابُ العزمِ، وطلعَ فجرُ الأملِ على عيونِ الأُردنيِّينَ جميعًا. فخطابُ جلالتِهِ كان بمثابةِ منارةٍ مشرقةٍ في سماءِ الوطنِ، تُنيرُ الدربَ وتُحفِّزُ النفوسَ. وإنَّنا نرفعُ إليهِ أصدقَ دعائِنا بأن يحفَظَهُ اللهُ، وأن يُديمَ عزَّ المملكةِ الأُردنيَّةِ الهاشميَّةِ، ونحنُ نقولُ لهُ قولًا واحدًا:
إنَّنا معكَ، يا صاحبَ الجلالةِ، على عهدِنا، في طريقِ البناءِ، في سبيلِ الرّفعة، وفي سبيلِ تحقيقِ الآمالِ. فليكنْ هذا الخطابُ دافعًا نحوَ مزيدٍ من العملِ والتعاونِ، ولتَقِفِ الأُمَّةُ بكلِّ أطيافِها خلفَ قيادتِها الحكيمةِ، كالسَّدِّ المنيعِ، كالوطنِ الواحدِ، كالأُردنيِّ الواحدِ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة