خطاب العرش.. إيمان بقوة الأردن والرهان على طاقات الشباب لتجديد الدولة

تجاوز خطاب العرش السامي التحديات الإقليمية ليضع الإنسان الأردني في قلب الرؤية الوطنية، مؤكدا قدرة الدولة على الصمود والتجدد.
وفيما حمل خطاب العرش السامي رسائل داخلية عميقة، تتجاوز التحديات الإقليمية، مؤكدا الثقة بقدرة الإنسان الأردني والدولة على مواجهة الصعاب وتحقيق الإنجازات، أكد مختصون في الشأن السياسي والإستراتيجي، في تصريحات لـ”الغد”، أن خطاب العرش السامي، يمثل قراءة عميقة للمسار الأردني، إذ جمع بين الإيمان بقدرة الدولة على التكيف مع الأزمات والرهان على طاقات الشباب لتجديد الدولة.
كما شدد الخبراء على أهمية الخطاب المرتكز على وحدة الموقف الوطني، والتزام الأردن بثوابته الداخلية والخارجية، مع تقديم رؤية واضحة لمسارات العمل المستقبلية في السياسة، الاقتصاد، والأمن.
ويترسخ خطاب العرش السامي، كوثيقة إستراتيجية تعكس ثقة القيادة بالدولة والمواطن، وتحدد ملامح مرحلة جديدة تقوم على الشراكة بين القيادة والشعب، والاعتماد على الشباب في بناء المستقبل. كما يعكس الخطاب الملكي قدرة الأردن على مواجهة التحديات الإقليمية والمحلية عبر رؤية متكاملة، تجمع بين الحكمة والسياسة والإصلاح المستمر.
وجاء خطاب العرش السامي، ليؤكد قدرة الأردن على الصمود والتجدد، مع إبراز الثقة بالإنسان الأردني وأهمية الشباب في بناء المستقبل الوطني.
كما رسم الخطاب ملامح مرحلة جديدة، توازن بين الثوابت الوطنية والانفتاح على المستقبل، وتجمع بين الإصلاح الداخلي والالتزام بالدور الإقليمي الأردني في الدفاع عن القضايا المصيرية.
رسائل داخلية عميقة
وفي قراءة تحليلية شاملة لخطاب العرش السامي، أكد الخبير العسكري د. نضال أبو زيد، أن الخطاب الملكي، حمل في مضمونه رسائل داخلية عميقة، تتجاوز حدود التحديات الإقليمية، وتعكس إيمان جلالة الملك المطلق بقدرة الإنسان الأردني والدولة الأردنية، على تجاوز المراحل الصعبة بإرادة وطنية راسخة.
وأشار أبو زيد، إلى أن عوامل النجاح التي ركز عليها جلالته بوضوح، تنبع أولا من الاعتماد على الشباب، بوصفهم الطاقة الوطنية الأقدر على تجديد الحالة الأردنية، وتحصينها في مواجهة الأزمات.
وقال إن جلالة الملك، أعاد في خطابه رسم ملامح المشروع الوطني الأردني عبر الرهان على العنصر الشاب، إذ تكررت الإشارات للشباب والاعتماد عليهم أكثر من مرة في الخطاب، وهو ما يعبّر عن رؤية ملكية، تسعى لإعادة إنتاج الحالة الأردنية بروح جديدة، أكثر حيوية وفاعلية.
فالشباب، بحسب رؤية جلالته كما أوضح أبو زيد، ليسوا مجرد شريحة عمرية، بل هم ركيزة الدولة ببناء المستقبل، في السياسة والاقتصاد والإعلام والمجتمع، ولذلك جاءت رسائل جلالة الملك واضحة، تفيد بأن المرحلة المقبلة هي مرحلة الشباب الأردني.
ورأى أن الخطاب الملكي، لم يقتصر على الشأن الداخلي فحسب، بل جاء برؤية متكاملة تجمع بين المسارين الداخلي والخارجي، بحيث رسم جلالة الملك بوضوح معالم الدور الأردني الإقليمي الراسخ.
ولفت إلى تناول جلالته أبرز ما تشهده المنطقة من قضايا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وما تشهده من تصعيد في قطاع غزة والضفة الغربية، مؤكدا أن خطاب جلالته شدد على وحدة الدبلوماسية الأردنية في التعامل مع القضية الفلسطينية، دون فصل بين غزة والضفة، ما يعكس موقف الأردن الثابت والراسخ، بأن القضية الفلسطينية وحدة واحدة، وأن الدور الأردني في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية والمقدسات الهاشمية، غير قابل للتجزئة أو التراجع.
ولفت أبو زيد، إلى أن جلالة الملك تحدث بلغة تعكس انسجام المسارين الشعبي والرسمي، مجسدا وحدة الموقف الوطني الأردني في الدفاع عن المصالح العليا للدولة. كما أن الخطاب الملكي، وضع أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية خطوطا واضحة لمسارات العمل المقبلة، سياسيا أو دبلوماسيا أو أمنيا أو إنسانيا، في إطار التكامل بين مؤسسات الدولة نحو تحقيق الرؤية الملكية.
وأضاف أبو زيد، أن توقيت الخطاب جاء في لحظة إقليمية شديدة التعقيد، إذ تتلاطم الأزمات وتتزايد محاولات فرض هيمنة الاحتلال الإسرائيلي على المنطقة في نطاق ما يُعرف بــ”مشروع إسرائيل الكبرى”.
ومن هذا المنطلق، رأى أن جلالته استخدم لغة دقيقة لتوجيه المؤسسات الوطنية نحو التعاطي الواعي مع هذه التحديات عبر تشريعات وسياسات منسجمة مع الثوابت الوطنية ومصالح الأردن العليا.
كما لفت أبو زيد إلى أن جلالة الملك، تحدث بعمق عن المتغيرات الإستراتيجية بالمنطقة من الشمال عبر الملف السوري، إلى الغرب في القضية الفلسطينية، مرورا بالأزمات الإقليمية الأخرى، مشددا على الدور التاريخي والشرعي والإنساني للأردن بالتعامل مع قضايا المنطقة، خصوصا بشأن موقفه الثابت تجاه الشعب الفلسطيني، وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية.
وأكد أن خطاب العرش رسم ملامح مرحلة جديدة في الحياة الأردنية، عنوانها الثقة بالإنسان الأردني، والشراكة الفاعلة بين القيادة والشعب، والانطلاق نحو مستقبل قائم على طاقات الشباب، والإيمان بقدرة الدولة على التكيف والإنجاز. مشيرا إلى أن عوامل النجاح في هذه المرحلة، تتمثل بوضوح الرؤية الملكية، وتكامل الأدوار بين مؤسسات الدولة والاعتماد على الوعي الجمعي والهوية الوطنية الجامعة، التي تشكل أساس الاستقرار والقدرة على تجاوز التحديات.
مواجهة التحديات الإقليمية
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية د. بدر الماضي، أن خطاب العرش السامي جاء ليؤكد على ثوابت الدولة الأردنية في بعديها الداخلي والخارجي، مشددا على ضرورة الحفاظ على هذه الأدوار بتوازن دقيق لضمان دخول الأردن المرحلة المقبلة التي يصبو إليها الملك والمؤسسات والمواطنون.
وقال الماضي، إن هذه الثوابت تشكل إطارا واضحا لفهم قدرة الدولة على مواجهة التحديات الإقليمية دون المساس بمرونتها الداخلية، وتعكس الثقة المتبادلة بين القيادة والشعب في إدارة شؤون الوطن.
وأشار الماضي إلى أن البعد الداخلي للخطاب ركز على العلاقة الفريدة بين القيادة والشعب، مؤكدا أن الثقة في دور القيادة السياسي والإنمائي وصلت إلى مرحلة متقدمة، مما جعل إدارة الدولة تسير بخطى ثابتة قائمة على هذا الشعور المتبادل.
وأضاف الماضي، أن الأردن أظهر عبر هذه العلاقة، القدرة على التكيف والإبداع في الوقت ذاته، برغم التحديات التي قد تواجه الدولة داخليا وخارجيا، وهو ما يشكل أحد أهم عوامل نجاح الدولة الأردنية.
وبين أن جلالة الملك، شدد على ضرورة الاستمرار في الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي، معتبرا ذلك من الثوابت الأساسية للدولة. مبينا أن هذا التأكيد، يرد عمليا على مروّجي الإشاعات عن نكوص الدولة في هذه الملفات، ويجعل من الإصلاح ركيزة لبناء الدولة الحديثة في الأردن، وهو ما يعزز مكانته إقليميا ودوليا، ويؤكد قدرة الدولة على الابتكار ومواجهة التحديات المستقبلية.
وتابع الماضي، أن خطاب جلالة الملك لم يقتصر على الشأن الداخلي، بل تناول بوضوح القضية الفلسطينية كبعد داخلي وخارجي في سياسة الدولة، مشيرا إلى أن جلالته أعرب عن مخاوفه من السياسات المتهورة لحكومة اليمين المتطرف، وأثرها على استقرار المنطقة.
وأكد أستاذ العلوم السياسية، استمرار الأردن في القيام بدوره الإنساني والسياسي والدبلوماسي للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني بحياة كريمة، بما يتوافق مع معايير العدالة والكرامة العالمية. مبينا أن الخطاب يعكس بأن الدولة، تجاوزت مراحل التردد والقلق التي شهدتها المنطقة منذ العام 2011، مؤكدة دورها ومكانتها وثقتها بنفسها، وقدرتها على الصمود والتكيف.
واعتبر أن الرسائل الملكية، تعكس ثقة القيادة بأن الإطار العام الذي يحكم الدولة، قادر على تقديم رؤى واضحة لمصلحة الأردنيين، وضمان أمنهم، وتأمين مستقبل أبنائهم، وهو ما يشكل أحد أهم عوامل نجاح الأردن في المرحلة المقبلة.
نقطة تحول فكرية في الوعي
بدوره، أكد الخبير الأمني والإستراتيجي د. بشير الدعجة، أن خطاب العرش السامي، لم يكن مجرد مناسبة دستورية تقليدية، بل شكل نقطة تحول فكرية في الوعي الوطني الأردني، مضيفا أن الخطاب الملكي تجاوز البروتوكول الرسمي، ليضع الإنسان الأردني في قلب المعادلة الوطنية، وأن الدولة ليست مجرد كيان بيروقراطي، بل مشروع متواصل في البناء والمناعة الوطنية.
وأضاف الدعجة، أن جلالة الملك تحدث بثقة هادئة، مدركا حجم التحديات، ولكنه أكثر إيمانا بقدرة شعبه على تجاوزها، معتبرا بأن صمود الأردن أمام أزمات الإقليم لم يكن بالصدفة، بل لأنه صمم على البقاء في زمن الانهيارات، وصنع لنفسه هوية سياسية متفردة تقوم على التوازن والحكمة والشرعية الهاشمية الراسخة.
وأشار الخبير الأمني والإستراتيجي، إلى أن الثقة التي تحدث عنها جلالة الملك، ليست شعارات عاطفية، بل خطة وطنية متكاملة لبناء القوة الذاتية، فالثقة بالإنسان الأردني تمثل جوهر مشروع التحديث السياسي والاقتصادي والإداري الذي تتبناه الدولة.
وأوضح الدعجة أن الأردن لن يبنى من الخارج، بل من الداخل، من جهود أبنائه وإصرارهم، أكانوا معلمين يربون الأجيال، أو جنودا يحرسون الحدود، أو عمالا ينتجون برغم التحديات. لافتا إلى أن هذه الثقة هي امتداد لتاريخ طويل من التجارب، إذ أثبت الأردنيون بأنهم أقوى من الظروف وبأن روح انتمائهم لا تشترى ولا تستورد.
أمنيا، قال الدعجة إن الخطاب الملكي أكد امتلاك الأردن لأحد أكثر الأنظمة الأمنية تماسكا بالمنطقة، إذ تعمل مؤسساته الأمنية باحترافية، وتمزج بين الذكاء الميداني والتقنية الحديثة والوعي المجتمعي، وهو ما حافظ على استقرار البلاد في محيط مضطرب. مضيفا أن هذه القدرة الأمنية ليست مجرد قوة عسكرية، بل قوة فكرية ونفسية، نابعة من إيمان المواطنين بأن أمنهم جزء من هويتهم الوطنية، وهو ما يشكل أحد أهم عوامل نجاح الدولة الأردنية في مواجهة الأزمات.
أما في البعد الاقتصادي، فأشار الدعجة إلى أن خطاب الملك اعترف بالتحديات الواقعية، لكنه قدم حلولا عملية، مؤكدا أن الإصلاح الاقتصادي ليس قرارا فوقيا، بل مسار تشاركي يرتبط بالعدالة والشفافية ويجمع بين القطاعين العام والخاص. مضيفا أن الهدف، هو تحويل الثقة الوطنية إلى طاقة إنتاجية، فالأردن الذي صمد أمام الحروب والأزمات، قادر على بناء اقتصاد أكثر عدالة وكفاءة عند الاستثمار في الإنسان وإعادة الثقة بين المواطن والدولة.
وفي البعد السياسي، شدد خطاب جلالة الملك على أن الأردن يسير بثبات نحو تحديث سياسي حقيقي، يعزز المشاركة الشعبية ويجدد الحياة الحزبية ضمن سقف القانون والدستور، ويعيد تعريف العلاقة بين المواطن والسلطة على أساس الشراكة والمساءلة، لا الاتكال أو التذمر.
وأوضح الدعجة أن الشرعية الهاشمية في هذا السياق، ليست مجرد حق وراثي، بل مسؤولية يومية في خدمة المواطنين وحماية كرامتهم، مشيرا إلى أن قوة الدول لا تقاس بالجيوش الكبيرة، بل بالشعوب المؤمنة بمصالحها وأن صوتها مسموع.
وفي البعد الإقليمي، قال الدعجة إن الخطاب قدم موقفا صريحا وحازما حول القدس والضفة الغربية، مؤكدا عدم القبول بأي مشاريع تسعى إلى طمس الهوية الفلسطينية أو تهديد مصالح الأردن. مضيفا أن الوصاية الهاشمية على القدس، ليست مجرد عنوان ديني، بل التزام تاريخي وسياسي وأخلاقي، يشكل جزءا من هوية الدولة الأردنية، وأن هذا الموقف الثابت منح المملكة احتراما دوليا ودورا دبلوماسيا محوريا، جعلها صوت الاعتدال والاتزان في المنطقة.
وأكد الدعجة أن خطاب جلالة الملك، لم يخف التحديات والصعوبات، لكنه أرسى لغة الصبر والإصرار، مشيرا إلى أن الأردن يملك القدرة على تحويل الأزمات إلى دروس والتحديات وفرص، وأن الولاء الوطني، يجب أن يتحول لإنتاج فعلي وعمل يومي، وليس مجرد شعارات، فالخطاب الملكي لم يكن موجّها إلى الداخل فحسب، بل أرسل رسالة للعالم، بأن الأردن يعرف ما يريد، وأن استقراره وسيادته غير قابلة للمساومة، وأن الدولة تمتلك رصيدا سياسيا قيّما، يتمثل بالمصداقية والثبات وسط التغيرات.
ورأى أن خطاب العرش الملكي، لم يكن مجرد كلمات على منبر، بل إعلان ثقة بالدولة الأردنية، وبقدرة الإنسان الأردني على التكيف والإبداع، مؤكدا أن الرسالة الجوهرية لجلالة الملك، هي أن التحديات مهما اشتدت، لا يمكن أن تغلب شعبا يعرف هويته وطريق مسيره، فنجاح الأردن يعتمد على بناء القوة الذاتية، والاستثمار في الإنسان، وتعزيز الشراكة الوطنية، والحفاظ على الثوابت مع الانفتاح على المستقبل.

