جرش.. عمالة الخردة تنهي ثقافة العيب وتؤمن دخلا للأسر

في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية وتراجع فرص العمل، تحولت مهنة جمع وبيع “الخردة” أو “السكراب” إلى مصدر دخل حيوي يوفر دخلا لأرباب الأسر في محافظة جرش.

هذا التحول الاقتصادي الضروري ألقى بظلاله السلبية على البيئة الجمالية والبصرية للمحافظة، حيث انتشرت ساحات تجميع الخردة في حدائق المنازل وعلى الطرقات الرئيسة والسياحية، محوّلة قرى وبلدات جرش إلى مواقع عشوائية لتجميع المخلفات.
لم يعد المشهد مقتصراً على أسواق متخصصة، بل امتد ليطال قلب الأحياء السكنية والمسارات الحيوية. فباتت بلدتا ريمون وبرما وغيرهما من المناطق تشهد تكدساً لكميات كبيرة من المخلفات في ساحات المنازل والحدائق. والأكثر إثارة للقلق هو ظهور محال الخردة والسكراب على الطرق الرئيسة، بما فيها الطريق السياحي الذي يربط جرش بإربد وعجلون، في مشهد يوصف بأنه غير لائق بيئياً ونفسياً وبصرياً، ويتعارض مع الخصوصية السياحية والأثرية لمدينة جرش ومحمياتها الطبيعية.
ويرى مراقبون أن هذا التوسع العشوائي يحتم على الجهات المعنية ضرورة تنظيم العمل بهذه المهنة، قائلين:” في الوقت الذي باتت فيه مهنة جمع الخردة مهنة حقيقية توفر آلاف فرص العمل، يجب أن تُعامل كغيرها من المهن الحرفية،” مطالبين بضرورة ترخيص جامعي الخردة، وتحديد مواقع بعيدة ومخصصة لتجميع هذه المخلفات، تكون خارج حدود الأحياء السكنية والطرق السياحية، للحفاظ على جمالية المدينة التي تُعد واجهة سياحية مهمة.
ويؤكد عاملون في هذا المجال أن العديد من المتعطلين عن العمل يقومون بجمع النفايات بمختلف أنواعها لبيعها لتجار متخصصين بهذه الأنواع من التجارة نظرا لتردي ظروفهم المعيشية وأوضاعهم الاقتصادية، لافتين إلى أن هذه المهنة باتت تشكل مصدر دخل رئيس للذين يسعون للعمل بأي شيء لتوفير قوت يومهم غير آبهين بالمخاطر، وكون مهنة جمع الخردة تحمل مخاطر كبيرة تتمثل بجمع مواد غير آمنة ومواد غير صحية وخطورة التعرض لها، فضلا عن العمل في مختلف الظروف المناخية وخطورة بيئة العمل الصحية.
وبينوا، أن جمع النفايات وفرزها يدويا يعد أسهل الأعمال المتوفرة التي لا تحتاج إلى شروط وأوقات دوام، ولا أي متطلبات سوى التجول داخل السوق التجاري وبين الأحياء والتجمعات السكنية، وجمع النفايات بمختلف أشكالها.
وبدأت مهنة جمع وبيع الخردة “السكراب” تلاقي إقبالا شديدا من قبل عدد من الشباب وأرباب الأسر ومتعطلين عن العمل لما توفره هذه المهنة من دخل جيد لهم، وخصوصاً في ظل تفشي ظاهرة البطالة والأزمات الاقتصادية والمعيشية التي ترزح  تحت وطأتها شريحة كبيرة من المواطنين، فضلا عن قيام جامعي الخردة باستغلال مشروع إعادة التدوير الذي تنفذه بلدية جرش الكبرى والقيام بجمع ما يتم فرزه من النفايات في ساعات متأخرة من الليل وساعات الفجر قبل وصول آليات البلدية وجمع نفايات الفرز منها، مما يوفر عليهم الوقت والجهد في الجمع.
يقول محمد الريموني الذي يمتهن هذا العمل منذ أكثر من 15 عاما: ” إن العمل في مهنة جمع الخردة يؤمن قوت يومنا وربما أكثر من ذلك؛ فأسعار الخردة من الحديد والبلاستيك والتنك والنحاس والألمنيوم، ترتفع وتنخفض بحسب البورصة، وهي تتألف من سلم وظيفي، ولكن من دون قواعد تنظيمية محددة،” موضحا أن أول مرحلة من هذه المهنة هي البحث عن “الخردة”، إذ يجوب جامعو الخردة بمركباتهم الشوارع والأحياء ينادون عبر مكبرات تسجيلية على السكان الراغبين في بيع المخلفات غير الصالحة للاستهلاك من أجهزة كهربائية منزلية وشرائها بأسعار زهيدة وبيعها إلى تجار الخردة الذين يقومون بتحويلها إلى سلع عالية القيمة، فيجنون من ورائها أرباحاً كبيرة، وبعضهم يقوم بتشغيل عمال لجمع المخلفات من المناطق التابعة لبلدية جرش والتي تدير مشروع فرز النفايات أو جمع المخلفات من الحاويات العادية والطرقات الفرعية والرئيسة.
ويضيف، “بعد ذلك يقوم جامعو الخردة بالبحث عن الأدوات المنزلية التالفة، بدءاً من الطناجر وغيرها من أدوات المطبخ، مروراً بالأدوات الكهربائية المنزلية، وانتهاء بالأثاث المنزلي ليحققوا دخلا يوميا مضاعفا”، موضحا أن هذه التجارة تقوم على فرز واستخلاص المعادن كالحديد والنحاس والألمنيوم والأجهزة الكهربائية التي تم الحصول عليها في حالة تالفة كـ”الغسالات والثلاجات وقطع السيارات وجميع الموتورات، بمختلف أشكالها، وأيضا جمع الأسلاك الكهربائية وزجاجات الزيت الفارغة، إضافة إلى البلاستيك والأثاث القديم.
ويقول التاجر مصطفى فريحات: إنه يعمل في هذه المهنة من سنوات طويلة، وهي توفر دخلا جيدا مقارنة بالأعمال الأخرى، فضلا على أنها توفر فرص عمل لأبنائه المتعطلين عن العمل ولا يحملون سوى شهادة الثانوية العامة، وهو يمتلك ساحات ومخازن خاصة لجمع الخردة وفرزها ويعمل معه عمال أساسيون لعملية الفرز، وأبناؤه سائقون لعملية التوزيع، فضلا عن عدد كبير من الشباب، ويطلق عليهم “السريحة” الذين يقومون بإحضار الخردة من المواطنين، موضحا أنه وبعد إحضار الخردة من قبل “السريحة” يتم فرزها وتصنيفها وبيعها، فلكل قطعة من الخردة زبونها الخاص، فالأثاث يطلبه التجار، وأحيانا الأهالي من خلال عرض هذه الخردة أمام الجميع لاختيار ما يلزمهم، وقطع الغيار الكهربائية دائما يلتقطها فني تصليح الأدوات الكهربائية، أما الكتب والكراتين فيتم بيعها لمصانع الورق، وكذلك خردة البلاستيك يتم بيعها لمصنع البلاستيك، ولكل قطعة من الخردة أهمية لنا كتجار خردة”.
ويبين أن العمل يبدأ في جميع الورش يوميا مع أول ضوء للشمس بتسريح العمال المسؤولين عن جمع الخردة من الأهالي في القرى والبلدات وداخل الوسط التجاري، لشراء وجمع كل ما هو قديم مقابل مبالغ رمزية، وأحيانا دون مقابل، قائلا: ” نحن لا نغلق الباب في وجه أحد، فجميع الشباب يعملون في مجال الخردة، ولا توجد بطالة، بل نحتاج إلى عمال باستمرار لكثرة العمل بالورش وتحول العمل في جمع الخردة مهنة تعتاش عليها آلاف الأسر”.
ويعتقد فريحات أن ثقافة العيب في العمل بمختلف المهن قد انتهت تماما من المجتمع بسبب البطالة والفقر والتغيرات المناخية وارتفاع تكاليف الحياة، خاصة في هذه الفترة التي تحتاج فيها العوائل لتوفير احتياجات الشتاء من وقود وملابس وأغذية مناسبة، في المقابل توقف جميع الأعمال الموسمية من العمل في موسم الزيتون أو العمل في الأعمال الإنشائية التي تراجعت بسبب الظروف الاقتصادية.
ويعتقد جامع الخردة ماهر الحوامدة أن مهنتهم مهمة وحيوية وتساعد على تنظيف البيئة، حيث نأخذ جميع المخلفات ونعطيها للمصانع للعمل على تدويرها بدلا من انتشارها على جوانب الطرق أو حاويات النفايات، فنحن بذلك نحافظ على نظافة البيئة”.
ويجد الحوامدة الذي يعمل في هذه في مهنة جمع الخردة برفقة إخوانه: أنها مصدر دخل لهم، يشارك فيها أفراد العائلة جميعا في جمع الخردة؛ حيث تبدأ جولتهم بجمع الخردة من هنا وهناك، ثم يذهبون بها إلى سوق الخردة “السكراب” لبيعها، وتوفر لهم دخلا شهريا لا يقل عن 500 دينار مقارنة بالمهن الأخرى التي لا يزيد دخلها على 240 دينارا في أحسن الظروف.
بدورها قال مصدر مطلع في مكتب بيئة جرش إن نظام المكاره الصحية يمنع وجود ساحات الخردة والنفايات بين الأحياء السكنية وداخل حدود البلدية وفي حال وصول شكاوى لمكتب بيئة جرش يتم مخاطبة البلديات لاتخاذ الإجراء القانوني المناسب كون النفايات والخردة موجودة داخل حدود البلدية، وفي حال كانت هذه الساحات التي تجمع فيها الخردة خارج حدود البلديات يتم اتخاذ الإجراء المناسب من قبل مكتب البيئة بالتعاون مع الجهات المعنية، لاسيما وأن هذه النفايات تشكل خطرا بيئيا وبصريا وتشوه جمالية المنطقة، ويجب أن يكون ضمن شروط معينة ومحددة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة