لبنان بين الهدنة وشبح الحرب : هل تتجدد المواجهة بين حزب الله وإسرائيل ؟

مهدي مبارك عبدالله
يشهد لبنان في هذه الأيام مرحلة حساسة ودقيقة من التوتر والقلق بين مؤشرات التهدئة الجزئية وواقع الهدنة الهشة التي يلتزم بها لبنان وبين الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية التي لا تنقطع والتي تهدد بحدوث انفجار أمني وعسكري في أي لحظة مما يجعل المواطنين اللبنانيين في حالة قلق شديدة خوفا عما قد تسفر عنه التطورات على الحدود الجنوبية بين حزب الله وإسرائيل حيث يزداد القلق في ظل التصريحات المتكررة من الجانب الإسرائيلي التي تؤكد عدم التهاون مع أي خرق للسيادة والاستمرار في ممارسة الضغوط العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية لإضعاف المقاومة وقدرة لبنان الدفاعية بتزامن ذلك مع تنسيق إقليمي ودولي يسعى للحفاظ على الاستقرار وتجنب الانزلاق إلى صراع شامل
المرحلة دقيقة جدا وتتقاطع فيها أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية متعددة مع واقع أمني متوتر على الحدود الجنوبية وهو ما يجعل أي هدوء هش ومهدد بالانفجار المفاجئ خاصة وان الضغوط الاقتصادية المتصاعدة والانهيار المالي والاجتماعي بدء يعيد طرح تساؤلات جدية بين اللبنانيين حول قدرة الدولة والمجتمع على الصمود أمام أي مواجهة جديدة محتملة وما تحمله من تبعات واسعة لن تقتصر على الحدود الجغرافية للبنان بل ربما تمتد للتأثير على الاستقرار الإقليمي كله
الوضع الميداني على الحدود يظهر تصاعد التوتر الدائم والجيش الإسرائيلي يواصل تعزيز قطاعاته ونقاطه العسكرية ويواصل تدريباته ومناوراته القتالية المكثفة التي تهدف الى تطوير قدراته على الرد السريع والهجوم الوقائي في حال وقوع أي حادث وفي المقابل حزب الله يراقب عن كثب جميع تحركاته ويعيد ترتيب قواته وذخائره واستراتيجياته الدفاعية والهجومية بما يضمن له مواجهة أي عدوان محتمل وتحقيق معادلة ردع متوازنة تمنع انفجار المواجهة رغم من انها تبقى هشة وتعتمد على وعي الطرفين وحساباتهما الدقيقة كما أن أي شرارة تصادم صغيرة قد تتحول بسرعة حرب واسعة تمتد إلى المدن اللبنانية والقرى الحدودية مع ما تحمله من تداعيات كارثية على الأمن والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي
في ظل هذه الاجواء المرتبكة تلعب السياسة الإقليمية والدولية دورًا محوريًا في ضبط الأوضاع والأطراف الكبرى تراقب لبنان بدقة وتحاول منع أي مواجهة مباشرة والتطورات في سوريا والضفة الغربية وقطاع غزة والعلاقات الإيرانية الأمريكية وموقع القوى الإقليمية كإسرائيل وتركيا ودول الخليج كلها عناصر تؤثر بشكل مباشر على حسابات كل طرف في لبنان وتعيد تشكيل موازين القوى وتفرض معادلات جديدة في العلاقة بين المقاومة والدولة اللبنانية والجهات الدولية مما يجعل أي تحرك اسرائيلي عدواني محفوفً بعواقب استراتيجية خطيرة على لبنان والمنطقة
على الجانب الاخر يعيش الداخل اللبناني شعور متزايد بالقلق والمخاوف المتصاعدة من احتمال اندلاع مواجهة شاملة كما يمر باختبار مزدوج بين حفاظه على التماسك الوطني وبين مواجهته للضغوط الاقتصادية والاجتماعية ومعظم اللبنانيون يدركون أن الانقسام السياسي الداخلي وفقدان الثقة بالمؤسسات قد يزيد من ضعف الوضع ويعطي إسرائيل فرصة لاستغلال الفراغ الأمني والاجتماعي لذلك يبقى الالتفاف حول المقاومة وتكثيف دعم قدراتها شرطًا أساسيا لضمان الأمن والكرامة الوطنية وحماية الجنوب والمدن اللبنانية الاخرى من أي اعتداء خارجي مع السعي الى تعزيز تماسك المجتمع المدني والمجتمعات المحلية في المناطق الحدودية
التوجيه الإعلامي والسياسي الرسمي بدوره يبعث رسائل مزدوجة والحكومة ووسائل الإعلام المحلية المختلفة تحاول بث الاطمئنان في الشارع اللبناني بالتوازي مع التذكير بأن أي تحرك عدواني ضد لبنان سيقابله رد حازم ومدروس من حزب الله بالتعاون مع القوى الوطنية الأخرى وهذا التوازن العملي بين سياسة التحذير والتهدئة يعكس استراتيجية واعية تهدف إلى منع الانزلاق نحو حرب شاملة قد تترك آثارًا كارثية على كل المستويات بما في ذلك البنى التحتية والاقتصاد ومؤسسات الدولة وحياة اللبنانيين
بالاطلاع على مسارات الخبرة التاريخية للحروب السابقة في لبنان نجد أن الهشاشة الأمنية والاجتماعية لا يمكن معالجتها إلا بالمحافظة على قوة الردع موازية وتعزيز المقاومة المتكاملة وهذا يضع المسؤولية على الدولة اللبنانية والمجتمع على حد سواء لضمان عدم الانزلاق نحو الصراع من خلال تقوية التضامن الوطني وتوحيد الصف الداخلي أمام أي تهديد خارجي مع إبقاء الأفق مفتوحًا للمناورات الدبلوماسية والمبادرات السياسية الإقليمية والدولية التي قد تساهم في دعم التهدئة والاستقرار
بالتحليل المتوازن والمتابعة الحثيثة نلاحظ أن أي تصعيد بسيط على الحدود قد يتحول بسرعة إلى مواجهة شاملة وذلك بسبب الطبيعة المتقلبة للتوترات وحساسية كل طرف تجاه أي خرق أمني أو استفزاز عملياتي كما أن التحركات العسكرية المتواصلة واعادة التموضع تعتبر مؤشرات دقيقة على نوايا الجيش الإسرائيلي وخططه المستقبلية لهذا فإن أي حوادث صغيرة يجب التعامل معها بحذر شديد وفهم دقيق وتقييم الردود المتوقعة عليها بحسم وعقلانية لضمان عدم الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة قد لا تحمد عقباها لا تبقي ولا تذر
الواقع العسكري الاستراتيجي المتغير يبين أن قدرة لبنان على حفظ توازن ردع الفاعل يعتمد كليا على مستوى التنسيق المشترك بين القوات المسلحة اللبنانية والمقاومة وحسن استخدام المعلومة الاستخبارية والتواصل الدبلوماسي المستمر مع الأطراف الإقليمية والدولية لتعزيز التحالفات غير الرسمية واحتواء أي محاولة لتصعيد المواجهة مع التأكيد على أن أي حرب لن تكون محصورة بالمنطقة بل ستترك آثارا كارثية على الوضع الإقليمي والاقتصاد اللبناني وقدرة الدولة على حماية سيادتها ومؤسساتها بل ووجودها
في ذات السياق الطرف الإسرائيلي يراقب الوضع عن كثب ويتعامل مع أي تحرك من حزب الله كعامل مؤثر في حساباته الدفاعية والهجومية وبالتالي فإن أي رد سريع أو استباقي يحتاج إلى تنسيق عالي بين أجهزة الأمن والاستخبارات اللبنانية والمقاومة لضمان اتخاذ القرارات المناسبة وتجنب أي انزلاق غير محسوب قد يؤدي إلى حرب شاملة
المعطيات على الارض تبقى السؤال حول مدى قدرة الأطراف الإقليمية والدولية على ضبط الوضع وتجنب الانفجار المفتوحً وتفعيل المساعي الدبلوماسية والمناورات السياسية وكيف تلعب دور جوهري في الحفاظ على الهدنة الحالية والتقليل من أي احتكاك قد يؤدي إلى تصعيد المواجهة بينما يبقى الرصد الدائم وتحليل التحركات العسكرية والسياسية ضرورة أساسية لكل من يريد فهم ديناميات هذا الوضع المعقد والحسّاس
الخلاصة : لبنان يعيش حالة مفصلية صعبة تتطلب حكمة سياسية عالية وقدرة فائقة على الصمود الاجتماعي والاقتصادي مع تحقيق اعلى مستوى من الالتفاف الوطني حول المقاومة ودعم قدراتها بما يحافظ على توازن الردع ويمنع أي محاولة اسرائيلية لزعزعة الأمن والاستقرار كما ان اللبنانيون اليوم بحاجة اكثر إلى رفع معنوياتهم وتعزيز تماسكهم والاعتراف بأن حماية الجنوب والمدن اللبنانية لا يمكن أن يتحقق إلا عبر بناء قوة رادعة قادرة على التصدي لأي عدوان محتمل ومواجهة التحديات الإقليمية بمستوى نوعي من الوعي الوطني واليقظة الاستراتيجية وبما يضمن للبنان البقاء صامدًا في مواجهة أي عاصفة تهدد أمنه واستقراره
كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
mahdimubarak@gmail.com

