الطابور الصباحي… هوية وطن لا يفهمها الطارئين

محامي محمد صدقي الغرايبة
يخرج علينا بين الحين والآخر من يستخفّ بالمعلم ومن يستخف بالطابور الصباحي في المدارس، ويصف الطابور الصباحي والإذاعة المدرسية بأنه “إهانة”،وصوت مزعج ولا يعلم بأن اصوات الطلبة وهم ينشدون نشيد العلم إنما يصدحون بأجمل سيمفونية يمكن ان تطرب لها الأذن في صبيحة كل يوم.
والأدهى من ذلك، أن بعضهم يتطاول حتى على صوت الإذاعة المدرسية، ويصفها بـ”نُباح كلاب”، وكأننا أمام ناقد موسيقي عالمي يقيّم سيمفونيات لا يُدرك معناها إلا من تربّى على الاحترام والانتماء وتربى على حب الوطن لا على حصد مكتسباته .
الحقيقة أن من يصف الإذاعة المدرسية بهذه الأوصاف ليس إلا من لا يعرف الفرق بين صوت الوطن وصوت الفوضى. فالإذاعة المدرسية ليست “ضجيجاً” كما يظن، بل أول نغمة وطنية يسمعها الطفل كل صباح؛ هي ميزانٌ لتشكيل الوعي، وإيقاعٌ لبداية يوم دراسي ينسجم فيه العقل والقيم قبل أن تفتح الكتب.
من يتهجم على الطابور الصباحي إنما يصفع نفسه وحده، لأن هذا الطابور خرّج أجيالاً من رجال الدولة، والجيش، والمعلمين، والأطباء، ….الخ وكل من حمل الأردن في قلبه وعقله.
هو الطابور ذاته الذي تربّى في ظله ملايين الأردنيين، فلم ينتقص من كرامتهم، ولم يحولهم إلى كائنات “مُهانة”، بل صنع منهم مواطنين يعرفون قيمة النظام والانتظام.
أما من ينتقد الإذاعة المدرسية ويصفها بما لا يليق، فهو في الحقيقة لا ينتقد برنامجاً صباحياً، بل ينتقد أمة بأكملها.
لأن الإذاعة المدرسية هي مختبر القيم الأول:
منها تعلم الطلاب احترام العلم، الإصغاء، المشاركة، الانضباط، والإحساس بأنهم جزء من وطن ينهض كل صباح معهم.
هؤلاء الناقدون الساخرون لا يعارضون الطابور أو الإذاعة؛ هم يعارضون كل ما يعطي للأردني هيبته وشخصيته.
يريدون مواطناً بلا جذور، وطالباً بلا ذاكرة، ومدرسة بلا روح.
هم في الحقيقة لا يفهمون أن الطابور الصباحي ليس “وقوفاً في صف”، بل أول درس في الوطنية، وأن الإذاعة المدرسية ليست “صوتاً عالياً”، بل أول نشيد للهوية الوطنية .
الساخر حقاً ليس ما يقوله فلان وعلنتان … بل أن أحدهم يتجرأ على نقد مؤسسة تربّت فيها الأمة كلها، في حين أنه لم يتربَّ هو على أبجديات الاحترام.
فدعهم يقولون ما يشاؤون…
فالطابور سيبقى، والراية ستبقى، وصوت الإذاعة المدرسية سيبقى أعلى من أصواتهم،
لأن صوت الوطن دائماً… أعلى من الهمس المكسور للمتطاولين.
المحامي محمد الغرايبه

