رسالة تربوية : صوت المعلّم… نداءُ نهضةٍ لا تهزّه أصواتُ الجهل // الأستاذ عبدالحميد المومني

ليس صوتُ المعلّم درسًا يبدأ وينتهي، ولا كلماتٍ تُقال ثم تتبدّد في الهواء. صوت المعلّم نداءٌ يعيد تشكيل العقول ، ويوقظ في داخل كل طالب فضول المعرفة وشغف الاكتشاف ، إنه الصوت الذي ينهض بالوعي ، ويحرّك السواكن، ويرسم الطريق الذي تُصاغ عليه أحلام الأجيال ، وكما ينهض المؤذّن بالقلوب نحو الطريق القويم ، ينهض المعلّم بالعقول نحو الفهم والنهضة. كلاهما صوت هداية ، أحدهما يهدي الروح، والآخر يهدي الفكر، وكلاهما يقف على بوابة الوعي ليقول: هذا طريق النور… فاسلكوه.
ولذلك فإن التطاول على المعلّم ليس خلافًا شخصيًا ولا موقفًا عابرًا ، بل انزلاق خطير يمسّ أصل الفكرة التي تبني الأمم ، فالمعلّم هو الذي يصنع في الطالب معنى الانضباط ، ومعنى الاحترام ، ومعنى المسؤولية ، وحين يُهان المعلّم ، يُضرب هذا الأساس ، ويتصدّع البناء من قاعدته ، لقد نهضت الحضارات يوم احترمت المعلّم ، وسقطت حضارات يوم استهانت به ؛ لأنه ليس موظفًا يؤدي ساعات ، بل حارسُ وعيٍ يحرس عقول أبنائنا من الجهل والفوضى والانحراف.
أما مكانة المعلّم… فثابتة في أعماق الضمير الإنساني ، مكانته لا تتأثر بضجيج الأصوات العابرة ، ولا تهتزّ بأهواء المتطاولين ، فمن يتطاول لا يجرح المعلّم ، بل يكشف جهله ، ومن يصرخ على المعلّم لا يطفئ نور العلم ، بل يزيد ظلام نفسه ، يبقى المعلّم واقفًا في موقعه ، بثبات المعرفة ، ورصانة الخُلُق، وقوة الرسالة ، فالنباح لا يُسقط جبلًا… ولا يهزّ قيمةً تربّت عليها الأمم.
إن احترام المعلّم ليس مجاملة، بل ضرورة تربوية تضمن للطالب بيئةً آمنة، وعلاقة سليمة، ومناخًا تعليميًا يحفّز على التطور والنضج ، وحين يعرف الطالب أن معلمه ذو هيبة ومكانة، يتهذّب سلوكه، ويرتفع أداؤه ، وتستقيم علاقته بالمدرسة والمجتمع.
وفي خاتمة الكلمة:
المعلّم هو الرجل الذي يضع حجر الأساس في شخصية أبنائنا، ويمنحهم ما لا يمنحهم أحد: بصيرة، وانضباطًا ، وثقة، ونور معرفةٍ لا ينطفئ ، فصون هيبته ليس احترامًا لشخصه فقط ، بل حماية لمستقبل أبنائنا، وصيانة لسلطة التربية التي تحفظ المجتمع من الانفلات.
فلنحفظ للمعلّم مقامه… لأن الأمم لا تنهض إلا حين ترفع منار العلم، وتُعلي من صوت المعلّم، وتجعل احترامه قانونًا لا يُمس.

